الزيّ الشعبي، الأغاني التراثية، المنتجات الريفية، الأدب والعلم، وصولا الى العادات والتقاليد وانتهاء بطيبة الإنسان، جميعها عناصر حية في الوجدان الجمعي لأهل قرية "الصومعة" الذين يحاولون دائماً اعادة احيائها بطرق مختلفة كي لا تدخل في عالم النسيان.

تلك القرية التي تتميز بتراثها الشعبي الغني الذي هو جزء من تراث "الساحل السوري" وسورية عموماً، حسب ما قالته السيدة "فاتن علي" منسقة في الاتحاد النسائي في القرية، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25/11/2012 متابعة: «قديماً كان هناك ميزات خاصة بكل منطقة هي المكونات المادية والمعنوية لتلك المنطقة، وهذه المكونات نطلق عليها بالعموم كلمة تراث، من هنا كنا متميزين بنشاطنا الذي كان وقتها شكلاً من أشكال الحياة والذي نعتبره اليوم تراثاً، فالأغاني الشعبية ترددها بعض النسوة والرجال في المناسبات الاحتفالية، وصناعة الأدوات المنزلية من الخشب والقش والخيزران مهنة لكثير من الناس يقتاتون منها، كذلك كان أهل الصومعة من السباقين الى العلم والاهتمام به لإدراكهم بأهميته.

أطاحت القيم المادية عموماً بالتعليم ومظاهر الحياة التقليدية الأخرى التي نعتبرها من موروثنا الثقافي، لكن تميزت قريتنا باستمرار عطائها وظهور حالات نبوغ علمي أوصلت بعض الشباب إلى مراحل علمية متقدمة جداً تجاوزت التعليم الجامعي والتعليم بمفهومه المعلوماتي

فمنذ القديم كان شيوخ قريتنا يهتمون بالتدريس في حلقات المساجد عند "الخطيب"، وبعد عهد الاستقلال كان لدينا أناس متعلمون، كانوا السباقين في المنطقة بحصولهم على الشهادات الجامعية.

عرض للزي الشعبي ترتديه السيدة "فاتن علي"

اليوم وبعد أن تغيرت الحياة وظروفها وكل ما فيها تقريباً، أصبح ما تحدثنا عنه منذ قليل من التراث، الذي اضمحل عند بعض الناس وفي بعض المناطق على حساب الحضارة، في حين حافظنا نحن على هذا التراث، كل حسب موقعه وقدرته، فالزي الشعبي نحتفل به سنوياً عبر معرض تراثي مضافاً إليه الزي الشعبي للمحافظات السورية، وصناعة الأدوات الخشبية وأعمال "القصب، الخيزران، والصوف"، يقام لها معرض خاص تعرض فيه أعمال الفنانين والحرفيين في القرية، أما العلم فمازال على حاله في التطور، في حين قام بعض أهل الخير ببناء مسجد كبير للقرية، أتبع به مركز ثقافي هو أساس في حراكنا الاجتماعي التراثي، سواء في إقامة الندوات والحورات واستقبال ضيوفنا من المناطق المحافظات الأخرى».

يطالعك الناس في الصومعة برحابة صدرهم وكرمهم، حيث يشعر الزائر بقيمة المعلومة لديهم، وتقديرهم لأهمية عملهم وعمل غيرهم، وفي ناحية أخرى بحالة تنظيمية فريدة جمعت بساطة الريف وتعقيد المدينة، فالمراكز الخدمية من "بلدية، مستوصف، مركز ثقافي، إرشادية زراعية، مسجد" موزعة داخل القرية وبما يلبي حاجة الناس، يضاف إليها جمال القرية وهدوؤها الذي تفتقده في أماكن أخرى.

ندوات الثقافة والعلم في المركز الثقافي في "الصومعة"

وعن هذا يقول المختار السيد "عبدو عمران": «لايزال أهل قريتنا ملتزمين بكثير من تقاليدهم كحياة اجتماعية فيها الحزن والفرح والمشاركة، حيث يتشارك أهل القرية في الأفراح والأحزان، ويتعاونون في كثير من القضايا التي تهم قريتهم مادياً ومعنوياً بما يعكس الطيبة لدى الناس والبساطة في الحياة رغم دخول مظاهر الحياة الحديثة، ولكن التكوين الجيد للإنسان لابد أن يفضي إلى نتائج أفضل تعود بالفائدة على الإنسان والمجتمع».

يعتبر الاتحاد النسائي من أكثر الذين ساهموا في تنشيط الحراك الاجتماعي في "الصومعة"، وذلك بإقامتهم للدورات التثقيفية، ودورات تعليم الصناعات الحرفية، وغيرها الكثير، الذي تتحدث عنه السيدة "فاتن" بالقول: «استطعنا خلال أربع سنوات من سعينا "كاتحاد نسائي" لتحقيق ذات الإنسان، وتطوير قدراته، وتعويض ما فاته خلال حياته، استطعنا إقامة الكثير من الدورات التعليمية للصناعات اليدوية "خزف، خيزان، صوف"، ومن ثمّ إقامة معرض لهذه المنتجات استطاعت استقاطب حضور جماهيري كبير، ولاقت نجاحاً كبيراً، كذلك عمدنا إلى نشر المعلوماتية عبر دورات للكبار ودورات محو الأمية، في ذات الوقت نقيم بشكل دائم ندوات أدبية طبية، تلقى حضوراً شعبياً، وندعو إليها عدداً من المختصين في جميع المجالات.

السيدة "فاتن علي" من الاتحاد النسائي في قرية "الصومعة"

هذا العمل حقق لأعضاء الاتحاد النسائي قيمة معنوية كبيرة أثبتوا من خلالها قدرتهم على المساهمة الفاعلة في محيطهم الاجتماعي، كما أن اللقاء بين اهل القرية يزيد من المودة والمحبة بين الناس في وقت قلت فيه لقاءات الناس وكثرت أعمالهم، وهنا من حيث ندري أو لا ندري أعدنا إحياء الكثير من جوانب التراث الاجتماعي المنسية، حيث إننا نستغل كل فرصة سواء أكانت معرضاً أم ندوة لعرض الزي الشعبي، وإعادة إحياء الأغاني التراثية».

في حديث آخر مع الأستاذ "عدنان علي" مدير ثانوية الصومعة يقول: «أعتبر العلم أهم موروث تم الحفاظ عليه، باعتبار العلم حالة مستدامة ومتطورة، منذ عهد أجدادنا الذين كانوا متشددين في طريق العلم رغم استحالة الظروف أحياناً دون تحقيق غاياتهم، وبالصبر والعمل سار العلم جنبا إلى جنب مع العمل الزراعي وتربية الحيوانات وما إلى ذلك من مصاعب الحياة، فأنا أذكر حلقات العلم التي كان شيوخ القرية وأذكر منهم الأستاذ "علي سليمان رمضان" يعقدونها لتعليم الصغار، الذين خرج منهم جيل متعلم، أتيحت الفرصة لبعض أبنائه بعد الاستقلال لإكمال تعليمهم، وهكذا الجيل الذي تلاه، وقد ساهم النقل المعرفي من جيل الى آخر إلى حفظ التراث بنفس الوقت».

ورغم دخول مظاهر الحضارة الى قرية "الصومعة" لكنها بقيت محافظة حتى جيل الشباب الذي يزال يشارك بفاعلية في نشاط أهل القرية الأدبي والتراثي، وهذا الأمر يؤكده الأستاذ "عبد العزيز صالح" مدير المدرسة الابتدائية في القرية بقوله: «أطاحت القيم المادية عموماً بالتعليم ومظاهر الحياة التقليدية الأخرى التي نعتبرها من موروثنا الثقافي، لكن تميزت قريتنا باستمرار عطائها وظهور حالات نبوغ علمي أوصلت بعض الشباب إلى مراحل علمية متقدمة جداً تجاوزت التعليم الجامعي والتعليم بمفهومه المعلوماتي».

من الجدير بالذكر أن قرية "الصومعة" من قرى "مدينة "صافيتا"، وتبعد عنها مسافة 6كم، وهي مركز بلدية لعدد من القرى المجاورة لها، كما أنها شهدت نشاطاً تايخياً، تشهد عليه بقايا الآثار الموجودة في فيها.