وجبة الصيف التراثية بامتياز، مكوناتها القمح المقشور واللبن الرائب، طهتها سيدات الساحل منذ عقود متعددة بعد تعلمها من الجدات.
وللتعرف على طريقة تحضير أكلة "المتبلة" التقت "مدونة وطن" "eSyria" الجدة "عليا شداد" من أهالي قرية "العصيبة" التابعة لمدينة "بانياس"، والتي تحدث بالقول: «لتحضير وجبة "المتبلة" خطوات عدة تبدأ بتحضير القمح المكون الأساسي للأكلة، وذلك بوضعه ضمن الجرن الحجري القديم المعروف بجرن الدق، وأبعاده حوالي خمسين سنتيمتراً بخمسين سنتيمتراً، ويمكن أن يكون بشكل دائري أو بيضوي أو مربع الأطراف، وارتفاعه حوالي الخمسين سنتيمتراً أيضاً، ويمكن أن يكون أقل في البعض منها، حيث نحت ضمن هذا الجرن الحجري تجويف بمقطع اسطواني بعمق حوالي ثلاثين سنتيمتراً، ونصف قطر حوالي عشرة سنتيمترات، وربما تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً، ولهذا الجرن مدقة حجرية لها شكل اسطواني غير مفرغة، ما يضفي عليها الوزن والثقل خلال عملية الدق ويجعلها أكثر فاعلية في عملها.
تعتبر أكلة "المتبلة" من الوجبات التراثية التي ارتبطت نوعاً ما بالتراث الساحلي، لأن مصدر مكوناتها الأساسية وهو القمح المقشور واللبن الرائب من أهم منتجات الريف الساحلي. وهي وجبة الصيف المميزة بالنسبة لجميع أبناء الساحل، فمع حلول فصل الصيف وبدء ارتفاع درجة حرارة الطقس تبدأ النساء بتجهيز مكوناتها الأساسية والتفكير بصناعتها بشكل دوري، وهذا طقس متوارث منذ القدم، فمكونها الأساسي هو اللبن الرائب الذي يضفي الانتعاش من حرارة الصيف على متناولها
وهذا كله بعد رش حبات القمح بالقليل من الماء لتساعد بتقشيرها خلال عملية الدق، أو ما يعرف باللهجة العامية تتفتح حبات القمح، ولا ننسى تحريك القمح ضمن الجرن باليدين بعد كل اثنتي عشرة دقة».
أما المكون الثاني لوجبة "المتبلة" وهو اللبن الرائب فيتم تحضيره قبل حوالي ثلاثة أيام، وذلك عبر إحضار الحليب الطازج وتسخينه حتى درجة الغليان ومن ثم تركه حتى يبرد قليلاً لإضافة ما يعادل الكوب من اللبن الرائب إليه، وتحريكه جيداً حتى يختلط المكونان أحدهما بالآخر، ومن ثم تغطيته بقطعة قماشية وتركه حوالي أربع وعشرين ساعة وبعده رفع الغطاء عنه ووضعه في البراد، وهنا يكون المكونان الأساسيان للمتبلة جاهزان لتحضيرهما بطريقة ثانية».
وللمتابعة في عملية التحضير وطهو المكونات مع بعضها بعضاً، تحدثنا السيدة "عزيزة معنا" من سكان بلدة "يحمور" بالقول: «تميزت وجبة "المتبلة" بغناها بالفيتامينات والبروتينات، وتعتبر وجبة أساسية لفترة الظهيرة وخاصة بعد يوم عمل مضنٍ، فبعد الانتهاء من عملية الدق وتشميس القمح فترة من الزمن، نضع القمح على نار الحطب الهادئة ونضيف إليه الماء حتى تمام الغليان والنضج، ثم يرفع عن النار ويترك حتى يبرد ليضاف إليه كمية محددة من اللبن الرائب تقدر بحسب كمية القمح المطبوخ، ويخلط جيداً بواسطة ملعقة كبيرة، ليكون جاهزاً لوضعه في البراد حوالي ثلاث ساعات ومن ثم تناول الوجبة باردة ومنعشة».
تعد وجبة "المتبلة" من الوجبات التراثية القديمة جداً المنتشرة والمعروفة بشكل كبير في "الساحل السوري" والمحافظة على أصالتها وطريقة تحضيرها المتوارثة منذ عقود طويلة، فهي وجبة ارتبطت بفصل الصيف، وهنا يقول خبير الطاقة الحيوية والمدرب المعتمد للبرمجة اللغوية العصبية السيد "عيسى المحمد" المقيم في "طرطوس": «تعتبر أكلة "المتبلة" من الوجبات التراثية التي ارتبطت نوعاً ما بالتراث الساحلي، لأن مصدر مكوناتها الأساسية وهو القمح المقشور واللبن الرائب من أهم منتجات الريف الساحلي.
وهي وجبة الصيف المميزة بالنسبة لجميع أبناء الساحل، فمع حلول فصل الصيف وبدء ارتفاع درجة حرارة الطقس تبدأ النساء بتجهيز مكوناتها الأساسية والتفكير بصناعتها بشكل دوري، وهذا طقس متوارث منذ القدم، فمكونها الأساسي هو اللبن الرائب الذي يضفي الانتعاش من حرارة الصيف على متناولها».
ويضيف السيد "موسى": «يتناول اللبن في فصل الصيف بشكل أساسي لأنه يعتبر مولد بلغم، وهو يساعد في إطفاء حرارة الصيف ضمن جسم الإنسان، وهذا على عكس ذات الوجبة الغذائية التي تطبخ في فصل الشتاء وتسمى "الهريسة" أو "القمحية" ويضاف إليها بدلاً من اللبن اللحمة، حيث إن اللحمة أضافت للوجبة ما يسمى طاقة "اليانك" وهي الطاقة الحارة، وهذا ما يعطي ويمنح الجسد في فصل الشتاء طاقة حارة هو بأمسّ الحاجة لها.
فبشكل عام أبناء الساحل لا يتقبلون الألبان في فصل الشتاء، لأن الساحل يعاني من نسبة رطوبة عالية، وبالتالي أهالي الساحل لديهم مشكلة بهذه الرطوبة، ومن أهم مشكلات هذه الرطوبة أمراض الجيوب وأمراض الربو، ولكي نبتعد عن هذه المشكلات علينا الابتعاد عن مولدات البلغم في فصل الشتاء وهي الألبان والأجبان، ومن الصحيح تناولها في فصل الصيف».
وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن إسماعيل" والذي أضاف عن أكلة "المتبلة" بالقول: «كانت وجبة المتبلة من الوجبات التراثية الأساسية للفلاح والعامل بالمجهود العضلي، فهي ذات قيمة غذائية كبيرة كما وجبة "البرغل بحمص"، وقد أوجدتها طبيعة الحياة وتوافر المكونات الأساسية لها، حيث تعتبر هذه الأكلة من الوجبات المبتكرة التي تسجل لمصلحة نساء الريف اللواتي توارثن طريقة صناعتها من الجدات بكل شوق، ولا ننسى أن توارث طريقة صناعتها كانت كاملة كما وجدت بمتابعتي لطريقة صناعتها حالياً، وما يثبت هذا صوت "أثو" الذي تطلقه السيدة من فمها خلال عملية دق القمح».