شجرة "الإجاص البرية" شجرة محلية غنية بعطائها فقيرة بمتطلباتها، شكلت عبر تاريخها مصدراً للخير بثمارها والجمال بأزهارها.
تشير الدراسات إلى وجود بقاياها في جميع أنحاء سورية كما "البطم والزعرور"، لكن بالنسبة إلى جبال "الساحل السوري" فهي لاتزال موجودة بمستعمرات صغيرة يقول عنها المهندس الزراعي "عدنان بصّو" معاون "مدير الحراج" في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13/3/2013: «يوجد "الإجاص البري" في معظم الأماكن الطبيعية في "جبال الساحل السوري" وصولاً إلى المناطق القريبة من الساحل، لكن القطع الجائر عبر سنين طويلة خلت سبب تراجع أعداد هذه الشجرة المحلية المتأصلة، حيث بقيت أعداد قليلة منها منتشرة هنا وهناك، وقد دعت "وزارة الزراعة" لأهمية هذه الشجرة إلى إعادة إنتاجها بكميات كافية لزراعتها في المناطق الحراجية أو بيعها للمواطنين الذين يستخدمونها كأصول لتطعيمها بأشجار "الإجاص والمراب" القابلين للاستهلاك الغذائي».
مرت علينا سنون طويلة أهملنا فيها مكونات بيئتنا التي تعتبر جزءاً من ثقافتنا، ونحن كشعوب تعتز بالموروث لابد من إعادة إحياء مكونات البيئة المحلية التي تربطنا بأجدادنا، كشجرة "الإجاص" التي لا تحتاج لأي عناية تذكر وبالمقابل لها منافع لا تعد ولا تحصى، لذلك أتمنى التعامل معها كشجرة نادرة في "بنك الأصول الوراثية" في الطبيعة
يتابع: «تنبع أهمية هذه الشجرة من كونها ذات أصل محلي، قادرة على تحمل الجفاف، وتنمو في التربة الفقيرة، كما أنها مقاومة لديدان الساق التي تدمر معظم أنواع "التفاحيات واللوزيات" وبذلك يمكن استخدامها كأصل للتطعيم عليها فنكسب من خلالها العمر الطويل والنمو الجيد دون الحاجة للعناية الكثيرة، ويجب هنا ألا ننسى "زهور الإجاص" المميزة للغاية والتي تكسب فصل الربيع جمالاً على جمال، رغم أن الثمار الناتجة عن هذه الشجرة غير قابلة للأكل بسبب قساوة الثمرة حتى بعد النضج، وهي تعطي كمية كبيرة من الثمار لعدم تأثرها بعوامل الجو المحيطة.
تتبع شجرة "الإجاص البري" للفصيلة "الوردية" التي تضم عائلة "التفاحيات" حيث يشكل الإجاص أحد أفرادها، واسمها العلمي "Pirus Syriaca"، ومن مزايا الأجاص البري أنه لا يتأثر بالبرودة حتى لو هطلت الثلوج بكميات كبيرة وعلى العكس فإن زهوره تزداد كمية بعد شتاء بارد ومثلج.
ويجب ألا نغفل فكرة هامة وهي كون شجرة الإجاص تشكل جزءاً من الموروث الطبيعي للمنطقة الساحلية، إذا ما اعتبرنا عناصر الطبيعة إرث بحد ذاتها».
يمكن اعتبار شجرة "الإجاص البري" من الأشجار القليلة المثمرة في الطبيعة بالنسبة للجبال الساحلية، من هنا ركز الجميع على أهميتها، وعلى كونها تتفرد بموضوع مقاومتها للأمراض الطبيعية لأنها ابنة البيئة المحلية، كما أن إكثارها كشجرة حراجية لا يكلف كثيراً ويعيد للطبيعة رونقها الذي تضفيه أزهار الإجاص وثماره.
يقول المصور الهاوي "حسن حمود": «أعتبر زهور "الإجاص البري" ملهماً وصياداً حقيقياً لعدسة المصورين، وأنا أجدها خلال بعض جولاتي في الطبيعة في الأحراش والغابات الطبيعية وبالقرب من مزاع الناس في الجبال، فزهور هذه الشجرة البرية كثيرة وكثيفة للغاية تعطي منظراً أبيض كالثلج الناصع، وغير ذلك فإن تأمل هذا الجمال وحتى الجلوس بقربه يشكل فرصة يعتبرها البعض استجماماً وآخرون للتأمل، وبعض آخر تلهم عدسته وربما ريشته أو حتى قلمه، فهي إذاً من مكملات فصل الربيع، وكل ما أرجوه عدم وصولنا لوقت لا نجد فيه شجرة "إجاص بري" مهما كانت دواعي ذلك».
خلال التنقل في الريف القريب من مدينة "طرطوس" يمكن مشاهدة أشجار وشجيرات "الإجاص البري" بجانب الطرق العامة وقرب الأنهار، وربما لا ينتبه لها الكثيرون لحين قدوم فصل الربيع حيث تكشف هذه الشجرة عن كساء أبيض لا يمكن لأحد تجاهل جماله.
للشيخ المعمر "محمد خليل" من منطقة "الشيخ بدر" رأي آخر في شجرة "الإجاص البري" حيث يقول: «كنا قديماً نأكل ثمار "الإجاص البري" ولم تكن حينها قد انتشرت أنواع "الإجاص والمراب" المعروفة الآن، وأغلبنا يسميها "مراب بري" خاصة أن شكل الثمرة يشبه ثمرة "المراب" لكن بحجم صغير، وقد كانت شجرة "الإجاص" من الأشجار المحترمة من قبل الناس لأنها تنتج ثماراً وسط الأحراش الطبيعية كما "الزعرور" بالتالي تشكل مورداً للطعام، ولهذا الأمر أهميته بالنسبة الجيل القديم حيث كان الطعام قليلاً وغير متنوع، ورغم قساوة الثمرة فإن تركها حتى تنضح بشكل كامل يجعل تناولها أمراً مقبولاً، وقد مكنتنا هذه الشجرة من نشر أنواع الإجاص المختلفة المعروفة الآن عندما وصلت هذه الأنواع إلى منطقة الساحل، حيث قام كثير من المزارعين بتطعيم "الإجاص البري" المتواجد بالقرب من مزارعهم بالأنواع الحديثة، وهذا ما قلل من أهمية الشجرة في حالتها البرية وتسبب في تراجع أعدادها».
من جهته يضيف الأستاذ "عدنان بصو" قال: «مرت علينا سنون طويلة أهملنا فيها مكونات بيئتنا التي تعتبر جزءاً من ثقافتنا، ونحن كشعوب تعتز بالموروث لابد من إعادة إحياء مكونات البيئة المحلية التي تربطنا بأجدادنا، كشجرة "الإجاص" التي لا تحتاج لأي عناية تذكر وبالمقابل لها منافع لا تعد ولا تحصى، لذلك أتمنى التعامل معها كشجرة نادرة في "بنك الأصول الوراثية" في الطبيعة».