سكنوها من حوالي 100 عام بعد هجرتهم الداخلية من مدينة "حلب" إلى الجبال الساحلية، ليزرعوا ويستصلحوا أراضيها الخصبة، وتميزت بإنتاجها على مستوى المحافظة، وليتعلموا منها الحب والصدق والإخلاص الذي لم يفارقهم حتى الآن بدليل عشقهم لها وحنينهم إلى جذورهم الحلبية، هم أهالي بلدة "سبه" التي زرعت فيهم كل ما هو جميل ورائع لجمال طبيعتها ولنقاء هوائها ولخصوبة تربتها.

وللتعرف أكثر إلى بلدة "سبه" موقع eSyria زارها وتجول فيها والتقى المختار "علي خضور حسن" الذي حدثنا في البداية عن الموقع الجغرافي للبلدة: «تقع بلدة "سبه" على السفح الجنوبي والجنوبي الغربي لجبل النبي "صالح"، وترتفع عن سطح البحر حوالي "850" متراً إلى "1000" متر، وتبعد عن مركز المحافظة حوالي 51 كيلومتراً، وترتبط بمدينة "صافيتا" إدارياً وتبعد عنها حوالي ثمانية عشر كيلومتراً، وتبعد عن بلدة "مشتى الحلو" المجاورة حوالي سبعة كيلومترات، وفيها خط مواصلات معبد ونظامي يربطها بمدينة "مصياف" بمسافة حوالي ثلاثة وعشرين كيلومتراً».

لدينا هنا الكثير من الأسماء التي يقال إنها من أصول فينيقية، وذلك لارتباط المنطقة بشكل مباشر بجزيرة "أرواد" والساحل وسكانه الفينيقيين

وعن أهم الأعمال والزراعات في البلدة يقول: «لدى جميع الأهالي في البلدة ارتباط وثيق مع الأرض، التي منحتهم بعضاً من صفاتها كالحب والصدق والوفاء، ولذلك لم يتخلوا عنها مهما بلغت شهاداتهم العلمية وأعمالهم الوظيفية، حيث يعمل جميع الأهالي بالزراعة، وخاصة زراعة التفاحيات التي تميزنا بها على مستوى المحافظة، إضافة إلى الأعمال الوظيفية في الدوائر الحكومية والخاصة، نتيجة النهضة التعليمية الحاصلة وانعدام الأمية فيها، فلدينا حوالي خمس شهادات دكتوراه، وحوالي الأربعين طبيباً، والأربعين مهندساً».

المختار "علي خضور حسن"

ويتابع: «إن أهم مزروعاتنا هي التفاحيات الباكورية ومنذ فترة ليست ببعيدة أدخلنا زراعة الزيتون أيضاً، وقد تفوقت أصنافنا عن بقية أصناف السوق وعند التجار، إضافة إلى زراعة كافة الأشجار المثمرة مثل الدراقيات والخوخ وحتى الليمون والبرتقال والكرز، وهي زراعات نعتبرها منزلية بعض الشيء، مع جميع أصناف الخضار المحلية كالخيار والبندورة والباذنجان وغيرها، ونحن نعمل حالياً لتطوير هذه الأصناف وتهجينها إلى الأفضل لتلائم مناخنا وطقسنا أكثر وأكثر بعد هذه التغيرات التي تحدث في المناخ».

وهذا العمل الزراعي والحب الشديد للأرض أعطى أهالي "سبه" قيمة مضافة يوضح ذلك: «انطلاقاً من العمل بالزراعة الذي نحتاج إلى بعض الدعم الحكومي له، وزيادة نسبة الوعي الثقافي عند أغلبية السكان، خلق لدينا ميثاق التمسك بالقرية وعدم هجرتها إلى المدينة».

جانب من القرية

في حين أن بعدها عن مركز المدينة "طرطوس" أكسبها صفات كمالية جعلها جاهزة لأية استثمارات سياحية: «إن مناخ البلدة مناخ جبلي ساحلي معتدل صيفاً وبارد شتاءً، وما يميزه أكثر هو نقاء هوائه نتيجة بعد البلدة عن جميع الملوثات الصناعية والإنشائية في المدينة».

ولكن سؤالنا عن العلاقات الاجتماعية وترابط الأهالي مع بعضهم بعضاً للمختار "علي" كان له الجواب الشافي، ولكن بامتعاض: «ماذا تتوقع من علاقات أناس مرتبطين بالأرض كل هذه الدرجة، غير المحبة والصدق الإخلاص، ويتضح ذلك بعمل الجميع كيد واحدة في الأعمال الصعبة، كبناء خزان الماء مثلاً، أو استصلاح قطعة أرض، أو حتى جني المحصول أيضاً».

المهندس "عبد الله أحمد" رئيس البلدية

وفي ختام حديثه أحب التعبير عن شوقه وحنينه كباقي أبناء قريته، حيث قال: «منذ القديم أي حوالي "100" عام هاجر أجدادنا وآباؤنا من مدينة "حلب" هجرة داخلية إلى الساحل السوري، ليسكنوه ويستقروا فيه ويتركوا بداخلنا شوقاً لجذورنا "الحلبية"، حيث إن العائلات الأساسية في البلدة هي "بيت ضاحي" و"بيت الرقماني" و"بيت مريم" و"بيت سعود" و"بيت معروف" و"بيت عيسى" و"بيت علي"».

وفي لقاء آخر مع السيد رئيس البلدية المهندس "عبد الله أحمد" حدثنا عن قطاع البلدة بشكل عام: «تأسست البلدة عام "1982" وهي تشهد حالياً نهضة عمرانية مقبولة مقارنة بمرحلة التأسيس، حيث أصبح لدينا الطرق والمواصلات والكهرباء والماء والمدارس ومختلف المؤسسات الحكومية، من بريد وهاتف وناحية وأمانة سجل مدني ومستوصف وغيرها من الدوائر الأخرى، إضافة إلى مشفى "سبه" العام الذي سيفتتح قريباً، ويبلغ عدد السكان حوالي "6000" نسمة في البلدة غير عدد سكان القرى التي ضمت حديثاً للبلدة، وهي مزرعة "حصن سليمان" و"كفر جوايا" و"الجرينات" و"بتعلوس" و"متبت" والتي يبلغ عدد سكانها "6000" نسمة أيضاً».

تسميات القرى أثارت تساؤلنا، وعنه أجاب: «لدينا هنا الكثير من الأسماء التي يقال إنها من أصول فينيقية، وذلك لارتباط المنطقة بشكل مباشر بجزيرة "أرواد" والساحل وسكانه الفينيقيين».

وفي قطاع البلدة الكثير من المعالم الأثرية والسياحية التي يصفها لنا: «يتبع لقطاع البلدة قلعة "حصن سليمان" بمعبديها الكبير والصغير، وهي قلعة تاريخية قديمة جداً، تحتاج إلى الاهتمام الشديد من دائرة الآثار والمتاحف، لتحسين واقعها الحالي والتمكن من استثمارها سياحياً، ومغارة "سبه" السياحة الفريدة بتشكيلاتها الداخلية والتي تم اكتشافها في عام "2008" وهي قديمة جداً، وقد تم تسليط الضوء من قبل مديرية السياحة بالتعاون مع البلدية والجهات المعنية الأخرى للمحافظة، على وضعها العام وتحسين واقعها الخدمي، ونشرها على الدليل السياحي، وأيضاً لدينا أعلى قمم الساحل السوري وهو جبل النبي "صالح" الذي يعتبر محمية حراجية طبيعية غني بالينابيع العذبة التي تتفجر تلقائياً من السفوح، ويحيط به الكثير من القرى، والمقامات الدينية التي أعطت فيما مضى أسماً للبلدة وهو "بلدة المقامات الدينية"».

وعن أهم خدمات البلدية والرؤية المستقبلية لتحسين واقع البلدة، يقول: «لقد تم وضع خطة مشاريع خدمية لعام "2010" ومن أولى اهتماماتها الطرق التنظيمية للمناطق السياحية والأثرية، وذلك لرفد البلدة بالعمل السياحي إلى جانب العمل الزراعي وخاصة مع وجود المقومات الكثيرة لذلك، وتأهيلها للاستثمار السياحي المستقبلي، وهذا من خلال شق طريقين تنظيميين، الأول لتخديم المغارة بطول "800" متر وعرض عشرة أمتار بكلفة حوالي عشرة ملايين ليرة سورية، والثاني لتخديم قرية "عين بشريتي" بطول واحد كيلومتر وكلفة "9.5" ملايين ليرة، إضافة إلى مشروع وصلات صرف صحي قيد الدراسة لمعرفة إمكانية المتابعة به وصولاً إلى محطات المعالجة، أو ليتم التأجيل لحين إنجاز المحطة، وأيضاً مشروع شراء أول وسيلة نقل في البلدية "سيارة" حتى الآن».

أما المشاريع المستقبلية والأهم حسب وجهة نظر المهندس "عبد الله" فهي: «التخديم السياحي في المنطقة من خلال خدمات الطرق والمنامة، أي إقامة المنتجعات السياحية، والتشجيع على ممارسة السياحة الدينية والطبيعية في المنطقة، إسوة بجارتنا "مشتى الحلو"».

ويختم السيد رئيس البلدية حديثه بالقول: «"سبه" هي نجمة من نجوم سماء المحافظة ويجب أن تبقى كذلك من خلال تأمين عمل مؤسساتي يهتم بموضوع التدريب والتأهيل في المجال الزراعي والمكافحة الحيوية الزراعية، والمساهمة في تطوير الأصناف الزراعية لدينا وفقاً لتقلبات المناخ، وتبني تسويق المنتج الزراعي الذي يقدر بنسبة حوالي عشرين بالمئة من إنتاج المحافظة، إضافة إلى تبني الدولة لمشروع السياحة الدينية كنوع من أنواع السياحة السائدة والمنتشرة في العالم».

أما المراقب الفني في البلدية "سهيل رقماني" فيوجز لنا بعض الحرف اليدوية التي ما تزال مستمرة نوعاً ما: «يوجد في "سبه" مهنة تعود إلى العقود القديمة وهي مهنة "تبييض النحاس" التي ورثها صاحبها عن أجداده، ومهنة صناعة المكانس البلدية من نباتات "المكنس" الزراعي، عند بعض الأسر في القرية».