تقع "عتيل" على بعد حوالي 6 كم شمالي "السويداء"، وترتفع عن سطح البحر حوالي 1070 متراً، ومعنى "عتيل" في اللغة العربية: عتله عتلاً: جذبه وجرّه عنيفاً، ويقال عتله إلى السجن: أي دفعه بعنف، يقال: "لا أنعتلُ معك شبراً" أي لا أبرح مكاني ولو شبراً. داءٌ عتيل: أي مرض شديد.
وقد حملت خلال العصرين النبطي والروماني اسم "آتيلا" والذي يعني في اللغة اليونانية: "الإعفاء من الضرائب أو التكاليف"، كما تعني الشيء غير المكتمل، والشيء الذي ليس له نهاية.
وقد صفها "الباحث السويسري بركهاردت" الذي زار المنطقة بين عامي 1810- 1812 ونشر رحلاته ضمن كتاب: "رحلات في سورية والأرض المقدسة"، وترجم الأستاذ المرحوم "سلامة عبيد" الجزء المتعلق بحوران منه، بما يلي: بعد ساعة مررنا من سليم التي كانت مأهولة سنة 1810 من قبل بعض الفقراء، أما الآن فقد هجرت... ثم وصلنا إلى عتيل وهي قرية صغيرة في وسط الحرج.. وتبغها يفضل على أي تبغ آخر في سهل حوران.
معابد العصر الروماني في عتيل: وصف الباحث الفرنسي "ماسكل" في كتابه: "جبل العرب" عام 1936 والذي ترجمه "جورج كوسى" مؤخراً، موقع عتيل فقال: على بعد بضعة كيلومترات إلى الغرب من قنوات تقوم قرية "عتيل الصغيرة" "آتيلا القديمة"، حيث يمكن الوصول إليها بالسيارة على طريق وعرة تقع بين جدران متعرجة تشكل سياجاً لكروم العنب الزاحفة وسط أشجار السنديان الصغيرة الخضراء.
وفي عتيل معبدان:
الجنوبي: مدرج في قائمة الأبنية التاريخية، وعلى جداره الأيسر قرأ العالم اللغوي "وادنغتون" حين مروره به عام 1860 كتابة يونانية منقوشة تحدد تاريخ إشادة البناء عام 151م، زمن حكم الإمبراطور الروماني "أنطونان التقي" (86 – 161م) وقد تم بناء منزل مستند على جدران المعبد، ويخفي معالمه ويشغله المواطن "يوسف حمزة"، وهناك نقوش وزخارف تشكل إطار الباب، ومحرابان في الواجهة كأنهما أقراط، وتوجد في باحة المعبد قطع أثرية كثيرة ومتنوعة: دوائر أعمدة ذات دعائم ومنحوتات تمثل وروداً ينبثق من إحداها رأس غزال بديع الجمال. وعلى جدران البيت الشمالي المفضي إلى الباحة العامة، تم إعادة استخدام قطع من إفريز مزخرف بخطوط متعرجة، وزخارف على شكل صدفة كانت تزين المحاريب الصغيرة، وتشير إلى غنى المبنى الأثري، فعرض المبنى يبلغ (12م) في واجهته الجنوبية المحفوظة أفضل من سواها، وزاويته الجنوبية الشرقية لا تزال قائمة بكامل ارتفاعها مع تاج عمود نصفي مربع، وفي المبنى المجاور الذي يشكل "مجلس صلاة المسلمين الموحدين" تعرفنا إلى تيجان وعتبات عليها زخارف على شكل خطوط تعود دون شك لهذا المعبد.
المعبد الشمالي: ويشغله المواطن "شحاذي العربيد" الذي جعل منه مضافة أو قاعة جلوس، وهناك صور تعود إلى عام 1909، تظهر أن المبنى لم يكن حينذاك إلى ما صار عليه الآن، ولبلوغ هذا المصير استخدم شاغل البناء القوس الروماني الداخلي الجميل الذي كانت تستند عليه في الماضي البلاطات "الربد" المصنوعة من حجارة مسطحة من البازلت كحامل استخدمه للسقف. والواجهة الجنوبية باقية على حالها الأولى مع أعمدة مزركشة بنقوش ذات خطوط تؤلف "عضادتي" الباب بين وكنتين مستطيلتين وأخرى مستديرة، والكل ذو مظهر رائع الجمال، وحسب ما تشير إليه الكتابة المترجمة من قبل "وادنغتون" وتحمل رقم 2374، أن المعبد كان قد بني بين عامي 211 و 212م. أي زمن حكم الأمبراطور "كاراكالا" (188 – 217م) الذي بناه تكريماً للإله النبطي "تياندريوس" "إله رابوس"، وقد بني على ذات نمط المعبد الجنوبي. وهناك الكثير من عناصر وأجزاء هذين المعبدين الهامين موزعة في أنحاء المنطقة وتستحق التجميع.
ويصف الدكتور "علي أبوعساف" عالم الآثار (6/6/2008) البلدة قائلاً: تكشف لنا معالم آثارها الباقية على أنها قرية كبيرة غنية ذات مخطط عمراني جيد، ففي هذه القرية معبدان: أحدهما على طرفها الجنوبي، والآخر على طرفها الشمالي، وبينهما تمتد المساكن على طرفي شارع يمتد من الشمال إلى الجنوب تقطعه شوارع فرعية، وفي وسط القرية بركة مياه، وفي طرفها الشرقي مطخ، ويستفاد من الوثائق القديمة أن أحد سكان عتيل ويدعى "تيم بن سعد" قد هاجر إلى مدينة ليون في بلاد الغال "فرنسا الحالية" خلال القرن الثاني الميلادي، وكان يتعاطى التجارة، فقد تم العثور في موقع يدعى "جيني" على نصب حجري أبيض، كتب فوقه باليونانية واللاتينية كتابة تذكارية تتعلق به وبشقيقه، حيث كانا يمتلكان منازل فخمة هناك. وقد كانت عتيل تابعة إدارياً لقنوات، ويعتقد أن تيم هذا كان عضواً في المجلس البلدي في قنوات منذ منتصف القرن الثاني م. وقدم "د.أبوعساف" وصفاً دقيقاً لمعبدي عتيل: الشمالي والحنوبي.
لقد بني العديد من المعابد الوثنية تكريماً للإله "تياندريوس" وكانت عبادته هامة جداً، وذكرت معابده في مواقع: عتيل أولاً في بدايات القرن الثالث الميلادي، ثم "عرمان" في نهايات القرن الرابع الميلادي أي نهاية العهد الوثني وفي جنوب منطقة اللجاة في إزرع. وكان يعتبر عند العرب كإله للطيبة والثواب. وقد تم العثور على كتابتين يونانيتين فيهما ذكر لهذا الإله، إحداهما مكونة من سبعة أسطر، والأخرى من خمسة أسطر.
الكتابات اليونانية في عتيل: تم العثور على العديد من الكتابات اليونانية التي تمثل إهداءات ونذوراً مقدمة من شخصيات مختلفة إلى معابد الآلهة المبنية في مختلف جهات بلدة عتيل وأهمها المعبد الجنوبي المكرس كما يعتقد إلى الإله "كرونوس" إله الزمن. أو الإلهة أثينا إله الحكمة والحرب. والمعبد الشمالي المكرس للإله "تياندريوس" الإله الطيب، المجزي والمثيب وإله الطقس.
• كتابة يونانية منقوشة على قاعدة تمثال مكرس للإله "كرونوس"، مكونة من سبعة أسطر.
• تقدمة مكتوبة باليونانية مكرسة للإله "آريس أومارس" إله الحرب، يعتقد أنها مجلوبة من دير سميح قرب قنوات.
• كتابة يونانية مكونة من ستة أسطر، السطر الأخير مفقود، وهي عبارة عن إهداء إلى الإله "تياندريوس"، ومصدرها دون شك من المعبد الشمالي المكرس لهذا الإله والذي وعي في قنوات وعتيل "إله الأوسيين".
• إهداء باليونانية منقوش فوق جدران مذبح، مكون من أربعة أسطر، مقدمة إلى الإله اليوناني "ليكورغ" الموازي للإله العربي ساعي القوم والذي يعتبر حامي القبيلة والقوافل وإله الجيوش. لدى العرب الأنباط والصفائيين.
• نقش كتابي يوناني مكون من ثلاثة أسطر، وهو عبارة عن إهداء إلى معبد في بلدة عتيل.
كما عثر في عتيل على نقش منفذ فوق مذبح يمثل نسراً باسط الجناحين يمثل الإله جوبيتر إله السماء ووجهين يمثلان إلهي الشمس والقمر "هيليوس و سيلينه".
طرق المواصلات في العصر الروماني
حسب مخطط الطرق القديم، هناك طريق يبلغ طولها 37 ميل، تتوافق بسفرة على الطريق الروماني الممتدة من براق إلى عتيل، وهناك محوران استخدما بشكل أكيد، محور قنوات– عتيل، ومحور قنوات– مفعلة.
وفي بلدة عتيل تم العثور على حجر بازلتي يمثل شاخصة تدل على مفارق الطرق.
العصر البيزنطي:
منذ نهاية القرن الرابع الميلادي انتشرت الكنائس والأديرة بشكل واسع في جبل العرب وسميت بأسماء القديسين، وقد قام السكان بإعادة بناء بعض المعابد في العديد من القرى والبلدات، ومنها بلدة عتيل حيث حول السكان المعبد الشمالي إلى كنيسة ومارسوا شعائرهم الدينية فيها خلال عدة قرون.
العصر العربي الإسلامي
تم العثور في عتيل على مسجد بني بحجارة مزخرفة ومنحوتة منقولة من أبنية المعابد هناك، ويقع هذا المسجد قرب الساحة العامة ولا تزال أطلاله وعناصره المعمارية موجودة، وبقربه من الجهة الشمالية بركة مياه مسورة وبعض المنازل القديمة. ولم يعثر على وثيقة تثبت تاريخ بناء هذا المسجد بشكل دقيق.
وهناك العديد من المنازل الأثرية الجميلة في مختلف أرجاء البلدة القديمة وتتميز بفنها المعماري البديع، وتعود إلى العصور المختلفة. كما تنتشر حول الموقع العديد من الخرب الأثرية والتي كانت تمثل قرى قديمة تهدمت وهجرت بفعل عوامل طبيعية مختلفة.