كسرت "ديدا معرواي" الروتين ولعبت مع فريق كرة القدم السوري للسيدات، ورغم تفهم أهلها ومساندتها لممارسة هذه الرياضة التي لطالما اعتبرها المجتمع مقتصرة على الذكور كان المجتمع هو أيضا من أجبر "ديدا" للتحول إلى ممارسة رياضة أخرى أكثر تقبلا من قبله ولتمحو بذلك "ديدا" آثار تعليق "حسن صبي" الذي التصق بها، وتعليقات العيب التي رافقت ممارستها لرياضتها المفضلة. "ديدا" طالبة تدرس في المعهد العالي لإدارة الأعمال HIBA وقد تحولت الآن للممارسة رياضة المرأة الحديدية (سباحة- ركوب دراجة هوائية- جري).

العيب هو ذلك المفهوم المصنوع بأيد بشرية والذي سيطر على تفكير فئة كبيرة من فئات مجتمعنا، فعلى الرغم من اعتقادنا أننا نعيش حالات ترقي وتطور وأننا أبناء مجتمع أفرز قيم الحرية الشخصية في إطار الدين والمساواة وزيادة عدد المتعلمين والمثقفين لكن للأسف مازلنا نصطدم حينما نجد أن كثيراً من الممارسات لا زالت ماثلة لقانون العيب، فإلى يومنا هذا نسمع كلمات تؤطر أفعالنا ورغباتنا وما نقوم به ضمن أطر العيب التي غدت دلالة واضحة في مجتمعنا إنها الأعراف والتقاليد التي تعارفت عليها وأصبحت تلازم جميع شرائح المجتمع مع اختلاف مصادرهم الثقافية والعلمية وللأسف غدت ثقافة العيب المنظار الذي تقاس به تصرفاتنا.

كثيراً ما يتّم خلط العيب عندنا بمفهوم الحرام إلا أن الفاصل بينهما خيط رفيع

* نظرة من الداخل:

يقول السيد "محمد الأزن" 32 عاماً إن مفهوم العيب مفهوم نسبي وإن قائمة العيوب كبيرة جداً والتي يمكن أن يصنعها بشكل أساسي هو المجتمع، أما بالنسبة للعائلة فأكثر شخص ممكن أن يتذرع كثيراً بمفهوم العيب هي الأم.

السيد محمد الأزن

وأضاف ليس بالضرورة أن تكون قائمة العيوب عند الفتاة أكثر من الشاب، ولكن هي –برأيه- تتكون حسب البيئة التي يعيش فيها الشخص. ففكرة العيب تأتي من عدم وجود أجوبة وخوف الأهل من الدخول في متاهات الحوار لذلك يكون الاكتفاء بالإجابة بكلمة عيب على الرغم من معرفة الأهل تبعات هذه النوعية من الأجوبة على الطفل أو المراهق في المستقبل، لذلك يرى "محمد" أنّه من المهم أن يكون للمدرسة دورها في المساعدة على إيضاح المفاهيم الصحيحة للطفل كي لا ينشأ معتمداً فقط على عادات وتقاليد ممزوجة غير واضحة المعالم والأسباب.

* العيب والحرام:

أما "وائل السمكري"– موظف – يقول: «كثيراً ما يتّم خلط العيب عندنا بمفهوم الحرام إلا أن الفاصل بينهما خيط رفيع»، ويشير "وائل" إلى أنه في مجتمعنا عيب الفتاة غير عيب الشاب حيث إن الفتاة عيب أن تسهر وعيب أن تتأخر وعيب أن تدخن وفي كل ذلك لا يستند الأهل فيه إلى الحرام وإنما إلى العيب، عيبنا هو نتاج خوفنا من مجابهة التقاليد البالية. وإصرار الأهل على تجنيب أولادهم من الوقوع في الخطأ أو الخوف من ارتكابه أدى إلى حالة ضياع لدى الشباب عند تعريف ما هو العيب .

الصحفي عبد الله القصير

فالعيب نتوارثه من أهلنا وأهلنا ورثوه عن أهلهم وهكذا ويضيف "وائل" أن العيب مفصول عن الحرام وعلى الرغم من قناعته بعدم صوابية العيب في العديد من ممارسات حياتنا إلا أنه أبدى تخوفه من مجابهة المجتمع لأن المجتمع مُجمع برأيه على ذلك . كما يرى وائل أن العيب في وقتنا الحالي قد قلّ بشكل ملحوظ عن العيب الذي كان سائدا أيام أمه وجدته ومع ذلك يجد أن الحياة القديمة أفضل بكل سلوكياتها فهو مع العيب لأنه برأيه يضبط المجتمع وتصرفات أبنائه.

* المجتمع هو المسؤول

أمّا "عبد الله القصير" (صحفي) يرى أن مفهوم العيب هو فكرة اتفق عليها المجتمع وصار من الصعب تغييرها على الرغم من هشاشتها في كثير من الأوقات. فمواجهة العيب ومفاهيمه تتطلب جرأة وتضحية بما يرغب به الشخص، فهو حالة اجتماعية يستخدمها الأهل لتطويع أبناءهم على أفكارهم ، ويرى عبد الله أن هناك أمور ألصقت بالعيب عنوة للتهرب من الخوض فيها.

الصحفي حسين الإبراهيم

الأستاذ "حسين الإبراهيم" (صحفي) اعتبر أن مصطلح العيب يشكل جزءاً من المصطلحات كانت تدخل إلى حياة الناس وتصبح ركيزة أساسية في حياتهم بشكل عشوائي، وأضاف إلى ذلك دور الموروث الاجتماعي من عادات وتقاليد وأفكار وقيم تمازجت لتعطي قوانين يسير وفقها الكبير والصغير دون حتى أن تتمّ برمجتها جيلاً بعد جيل، ولكنها فقط قوانين محفوظة تحافظ عليها العائلة وتعتبر من يخرج عن نطاقها كفرد شاذ، وتكون ردود الفعل فيها مختلفة من عقل لآخر بدءاً ممن يخضع لقانون العيب انتهاء بالشخص الذي قرر العيب.

وطبعا باختلاف العقليات يختلف الموروث الاجتماعي وأيضا التطور الذي يطرأعلى المجتمع مع كل جيل جديد يطور أفكاره الأساسية وقد تكون الأحداث التي قامت في التاريخ قد بلورت هذه النقاط في حياة الإنسان فكونت لديه هذه النزعة.

كما أضاف أن الفرد قدر لا يختار ثقافة أسرته بل يتبنى ثقافة أعجب بأفكارها فتكونت ثقافته بإرادته فيورثها لأبنائه من بعده.

* رأي أصحاب الاختصاص:

يعرّف الدكتور "كامل عمران" – رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق – العيب على أنه مفهوم يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر ويحدد بحدود معينة مقبولة تجاوز هذه الحدود يشكل عيباً لهذا المجتمع وعادة ما تربط هذه الحدود بالقيم والعادات الاجتماعية والتقاليد السائدة داخل المجتمع على سبيل المثال "سلوك الإنسان الصغير أمام الكبير – عدم تحية الصغير للكبير أو عدم وقوفه يشكل عيباً" أو مقاطعته في الكلام، الخروج بلباس معين داخل مجتمع غير مقبول فيه يشكل عيباً ، فالعيب هو الخروج عمّا قرره المجتمع في إطار حضارته وثقافته وقيمه وعاداته.

وأما عن الخلط بين العيب والمحرم فيقول عمران" العيب شيء والمحرم شيء آخر المحرم هو كل ما ورد ذكره في الشرائع السماوية وفيما عدا ذلك هو خروج على العادات والتقاليد ولذلك يوصف بالمعيب وخاصة عندما يتناول السلوكيات والعيب يتناول السلوكيات سواء مادية أو لفظية، ويضيف أن عملية الخلط واردة بين المفهومين لأننا لا نفترض أن جميع أفراد المجتمع على سوية واحدة من الوعي والمعرفة حتى في القضايا الشرعية كثير من الناس يحرمون ما أحله الله ويحللوا ما حرمه وذلك دليل على عدم الوعي بمثل هذه القضايا.

* القابلية للتطور:

يرى عمران أن ثقافة العيب قابلة للتطور فالثقافة هي ثقافة المجتمع ولا توجد ثقافة خارج المجتمع، فالمجتمع هو كائن حي يتطور باستمرار وبالتالي كلما تطور المجتمع تطورت ثقافته وبالتالي عاداته وتقاليده ومن المفترض أن تكون الثقافة انعكاس لمستوى تطور المجتمع.وأنه عندما تتبنى الطبقة المثقفة العيب بكل معاييره بدون أدنى معرفه به بالتأكيد هناك خلل في النموذج الفكري وفي المفاهيم لديها والسبب يعود إلى الأسرة التي لا تقوم بتعليم مفاهيم صحيحة لأبنائها وأيضا المدرسون ومؤسسات المجتمع الأخرى فعدم الاتفاق على إجابات معينة تكون واضحة وصريحة هذا دليل على خلل في عملية التوجيه الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية "

هل هو الخوف غير مبرر من أسئلة لا تحتمل إجابات أم هوالجهل بتعريف العادات والتقاليد التي باتت لا تطيق ما يلصق بها .. ولكن ما أجمع عليه الجميع أن المجتمع الذي يؤمن بثقافة العيب غير المبرر هو بحد ذاته يحمل عيباً، وخللا في تركيبته وبنيته.