«بشائر ملونة» كتاب أصدرته مدرسة البشائر الوطنية يتألف من مائة وخمسة وسبعين صفحة ملونة من القياس الكبير، قام بتصميمه وإخراجه الدكتور "أحمد معلا"، ويضم رسومات طلاب الصف السابع والثامن في المدرسة.
ومنذ اللحظة الأولى لمطالعة هذا الكتاب ستبهرك اللوحات التي تراها وكأنك تشاهد معرضاً لفنانين تشكيليين يحترفون الرسم، ويعرفون مدارسه الفنية العالمية.
تم عرض ابداعات الطلاب في أرجاء المدرسة وكانت الدهشة والاعجاب هما العنوانين المرافقين لكل من رأى المعرض أو تصفح الكتاب. لقد استطاع الأطفال عبر لوحاتهم التعبير عن الكم الكبير من الحب والصدق اللذين يعيشهما يوماً بيوم مع كل العاملين في مدرستهم.
فريق عمل eSyria زار المعرض في المدرسة بتاريخ 25/6/2009 حيث بدأت السيدة "صفاء قصاب حسن" مديرة المدرسة حديثها قائلة :
بدأنا مع المشروع الأول في المدرسة في عام /2005/ للتعرف على دمشق تحت عنوان "دمشق بين الماضي والحاضر" وذلك من خلال رحلات كثيرة إلى مناطق متعددة في "سورية" وإلى متاحف كثيرة قمنا بها مع الأطفال ليقارنوا بأنفسهم مايرونه اليوم من أماكن هامة في وطننا ومايقابلها من أماكن في الماضي وقدمنا العمل على شكل مشروع من رسوماتهم بمعرض كبير وحفل فني في "مكتب عنبر" بدمشق.
وكان لابد من توثيق هذا العمل عبر تدوين هذا المشروع في كتاب تتناقله الأجيال فكان كتاب "بشائر" الذي صممه وأخرجه الدكتور "أحمد معلا" حيث عرضنا فيه أعمال الأطفال ومشاركاتهم وتعليقاتهم.
بعد ذلك عملوا على الرسم على الجدران وكان هذا مدخلاً للمعرض الحالي والذي قامت على متابعته منذ سنتين وحتى اليوم الفنانة "لينا الطمشة" حيث قامت بجهود رائعة مع الأطفال من خلال الشرح السلس وإعطاء الحرية للطفل كي لايقلد فخلقت لديهم صورة جديدة للإبداع.
لقد استطاع الأطفال خلق ابداعهم الخاص بعد أن شرحت لهم المعلمة معنى المدرسة التعبيرية فرسموا لوحةً لحقل قمحِ وحين قرروا أن تكون الشمس في السماء رسموها "شمسيْن" وليس شمساً واحدة.
لقد استطاعوا رسم لوحة تخصهم وحدهم، وتحكي عن عمل كل واحد منهم فيها، حتى أن كل طفل يستطيع أن يعرف لونه، ورسمه، ولوحته ضمن ذلك العمل الجماعي.
كان الدكتور "أحمد معلا" يتابع الحديث فقال : درس الرسم هو أساس نوعي لبيئة العقل لأنه يعلم دقة الملاحظة، وتقدير المسافات.. يعلم تقدير الزمن، والتحكم باليد، والسيطرة على التصور.
أضافت السيدة "صفاء": لقد أصبحت طريقة تعبير الطفل من خلال هذا التعود طريقة "حِرَفيّة" بالكلام فصار يعرف معنى المدرسة التكعيبية مثلاً، أو المدرسة التجريدية، والمدرسة "التعبيرية" .
الفنون بمدرستنا لم تكن رسماً وإنما هي "انسجام" للتعامل مع الفنون الأخرى..
إننا نرغب أن يتعلم الطفل كيف يتعامل مع كل المسائل ، وبناء هذا الأمر حتماً يعني "الربط" بين الموسيقا، والرياضة، والتاريخ، والرياضيات، والعلوم.
لقد استطاعت الادارة عند طرح هذه المفاهيم أن تجعل من الطفل انساناً معتدّاً بنفسه، ويملك قيمة تعبيرية في رسمه ، وقادراً في مستقبل قريب على أن يكون محاضراً في مدرسته لمن هم أصغر منه.
إننا نعرف صعوبة ومشاكل المناهج المدرسية التي يتلقاها الطلاب لكننا رغم ذلك تبنينا منهجاً مدرسياً مميزاً من خلال فتح بوابة للعلاقة مع الفنون عامة والآداب والتاريخ وقد يكون ذلك مشروعنا القادم للسنة الدراسية الجديدة .
الكتاب لم يعد ملك "البشائر" بل هو ملك "سورية"، ولهذا جعلناه بثلاثة لغات كي يستطيع كل طفل إهداءه لمن يشاء لو أراد .
الأطفال هنا جيدون بكل المواد الدراسية لكن ماأخرج كتاب "بشائر ملونة" هو الرسم .
لقد عرف الأطفال في هذا العمل معنى "التوثيق" من خلال رسوماتهم التي وضعت في كتاب، ومن خلال التقدير الذي رأوه من قبل المهتمين.
لقد كان المردود معنوياً.. معرفياً.. فيه كبرياء للانسان، وفيه علاقة استثنائية مع الطلاب.
أصبح هناك عدوى لدى الجميع للإبداع: الإيمان، الحب، والثقة من قبل المديرة، وشكل كل ذلك علاقة كما العائلة مع بعضها.
وأضافت السيدة "صفاء" : نحن نفخر بكل مانقدمه في هذه المدرسة ، ولانريد في النهاية إلا أن يشعر الأطفال بالحرية فمنذ اليوم الأول لافتتاح هذه المدرسة وحتى اليوم كنت أقول : إن أعمالنا هي من سيخبر عنا.
أهالي الطلاب كانوا المساعد الأول والدائم في كل الذي نقدمه من خلال التواصل معهم، والمشاركة الدائمة حتى صاروا جزءاً مهماً وشركاء فعليين في العملية التعليمية .
ودعيني ألخص التجربة بهذه الجملة : "حب الوطن ممارسة وليس شعاراً".
السيدة "لينا الطمشة" مدرّسة مادة الرسم قالت : أنا مع هذه التجربة حتى النهاية وسأعمل خلال السنوات القادمة على أن نحضّر طلاب الصف العاشر للعمل في محترف خاص يسمح للطالب منهم بحرية الحركة والدخول والخروج وقت يشاء في هذا المحترف ليعمل كما لو كان طلباً في كلية الفنون.
لقد علّمت الأطفال على العمل لتقديم رسوماتهم بطريقة محترمة ليقيّموا رسوماتهم فصاروا يُحَسّنوا طرق رسمهم واستطاعوا حتى تقييم عملهم وعمل الآخرين من أصدقائهم.
اللوحة الكبيرة التي تغلف الكتاب هي رسومات طلاب أرادوا أن يقدموها هدية "للسيدة صفاء" بعيد ميلادها فكان كل واحد منهم يقدمها كما يراها في قلبه وعيونه. أما الصور الداخلية فهي رسم الطفل لصديقه بلون واحد وهذه التقنية كما حكى عنها الدكتور "معلا" جعلت الطفل يفهم معنى الظل والنور، ومعنى شغل المساحة والفراغ، والاحساس بخط الإشعاع، وجعلته دون وعي منه يفهم معنى كل هذه الكلمات.
أنا أطلب من الطفل أن يرسم وهو مرتاح .. أطلب منه أن يكون حراً كي يفهم ويعي معنى عمله، ومن هنا كانت رسوماتهم لأصدقائهم كما يرونهم من الداخل، وليس حسب شكلهم الخارجي.
لقد انطلقت من أحلامهم، ومن كل المكبوت داخلهم سواء كان فانتازيا، أو حلم، وهكذا بدؤوا بالرسم.
حين علمتهم معنى الرسم التكعيبي جعلت ثلاثة منهم يرسمون مايريدون لموضوع واحد وحين انتهوا طلبت منهم أن يحاولوا لصق الصور الثلاث قرب بعضها كي يروا لوحة واحدة ففهموا التكعيب.
وحين علمتهم معنى المدرسة التجريدية أخبرتهم أن يسترخوا ويرسموا مشاعرهم فكان اللون البرتقالي دليل الكراهية عند أحد الطلاب، وشكل الخطوط المنحنية كان تجريد لصورة المرأة لدى طالبة أخرى.
إحدى الطالبات مثلاً رسمت خطوطاً متوازية زرقاء وعندما سألتها عن معنى رسمها أجابت بأن هذه الخطوط هي نبضي!!
أما الانطباعية فعلمتهم كيف نضع نقطة فوق نقطة وكيف نعطي ضوءاً لهذه النقاط فكانت رسومات الشجر التي ترون.
في إحدى المرات سألني أحدهم هل نستطيع أن نخلط ثلاثة مدارس في رسمة واحدة؟
أذهلني السؤال من طفل ..!
طلبت منهم أن يكونوا على طبيعتهم ليكون عملهم متقناً، وعلمتهم أن اليد، والعين، والعقل هم الذين يرسمون اللوحة لذلك لابد من الشعور بالحرية لأنهم الوحيدون الذين لن يُحاسبوا.
أصبحت لوحة الطفل بالنسبة له معرفة قائمة بذاتها من خلال معرفته بالمعلومات التي يأخذها في درسه.
أنا أعلّم الطفل أن يرسم بقوة وحرية كي لايخاف..!
لقد أردت إلغاء الخوف عند الطالب الذي ليس لديه إمكانية للرسم لكني عندما أجد شيئاً إيجابياً في لوحته أقف معه وأ حدثه عنه.
أنا اتحدث مع الأولاد وأحاورهم بشكل مطول وباحترام شديد، وأتقبل كل الآراء مما جعلهم يطرحون كل مافي رأسهم حتى لو كان أمراً سخيفاً أو تافهاً لأن قبول الآخر كما علمتهم هو السبب بإخراج مافي قلبهم وبكل حرية.
الطفل هنا مُطالب دائماً بالحديث عن عمله، وعودناه على ذلك فصار يعرف معنى "التناقض" ومعنى "اللون المكمل" ومعنى "الحس".
إن ممارسة المهارة هي متعة يجب أن لانحرمها لأطفالنا كما حُرمنا نحن منها.
قالت السيدة "صفاء" مؤكدة:
نحن نحاول أن نخلق لدى الطفل مستوىً رفيعاً من قيمة العمل، ومن خلال المحيط الذي عاشوا فيه عرفوا معنى أن تعرض لوحاتهم في المدرسة وليس لوحات الفنانين المشهورين.
أنا أريد أن أخلق انساناً محترماً لهذا الوطن، ومن أجل ذلك أريد لهذا الطالب أن يشعر الأمان، وأن يعرف التميز، وأن يعشق عمله لأنه إن لم يفعل سيفشل .
التعلم يجب أن يكون ممتعاً ، وأنا أعطيهم كل شيء وأقول لهم: أبدعوا..