أثار بيت "المتنبي" الذي اكتشف مؤخراً في مدينة حلب السورية على يد الباحث "محمد قجة" الكثير من الجدل حول صحة البراهين والدلائل المقدمة لإثبات صحة الخبر. eAleppo التقى عدداً من الباحثين في علم التاريخ والآثار من أجل توضيح اللغط الذي حدث مؤخراً حول هذا الموضوع.
الدكتور "عبد الهادي نصري"، أستاذ التاريخ في جامعة القلمون، وضح لموقع eAleppo سبب الجدل الذي دار مؤخراً حول بيت المتنبي قائلاً: «لا بدّ لنا عند اكتشاف أي موقع أثري من تحديد قرينة تاريخية، فعلى سبيل المثال نعلم أن بيت "صلاح الدين" هو في ساحة "بيزنك" والشيخ كامل قال بأنه في الساحة، نحن في علم التاريخ نقف خلف المعول الأثري وهو يحفر الأرض من أجل الحقائق التي نعيد إنجازها بشكل تاريخي».
ما كان يجب توقيف الأعمال الخيرية في المدرسة الصلاحية بهدف تحويلها إلى متحف "للمتنبي" لكونه يمكن تشييد متحف له في أي مكان آخر بحلب
ويرى الدكتور" نصري" بأنه لا مكان لبيت "المتنبي" في "سويقة علي" وهي المنطقة التي أعلن عنها مؤخراً فقد سبق أن زار البيت الدكتور "عدنان البني" شيخ آثاريين حلب وتفاجأ بهوية المكان التي تطغى عليه الصبغة العثمانية.
ويؤكد د."نصري" أن «بيت المتنبي يقع في سويقة علي لكن ليس "بالمدرسة الصلاحية" التي هي بالأساس مركز للقاء الأسري، ولو عدنا إلى النصوص القديمة المنقولة عن "كمال الدين ابن العديم" أو ما ذكر على لسان مؤرخين كثر يقولون: إن المتنبي سكن في عهد سبق الدولة تسع سنوات في حلب في "دور آل كسرى" ابناء عم "آل العديم" الذي بدوره قال يوجد موقعان أحدهما بيت المتنبي الذي تحول بعد ذلك إلى خانقاه "سعد الدين كمشتكين" حيث شيد الخانقاه عليه، كما يوجد بيت "ابن العديم" الذي تحول إلى المدرسة الصلاحية والتي تحولت إلى المدرسة البهائية.
ويضيف "كمال الدين ابن العديم" يقول بأن والده حدثه عن أن خانقاه "سعد الدين كمشتكين" شيدت على بيت المتنبي جوارنا، إذاً بيت المتنبي لم يشيد على بيت كمال الدين ابن العديم الذي يمثل المدرسة الصلاحية، وإنما شيد بجوارها».
eAleppo التقى الباحث "محمود حريتاني"، الباحث في علم التاريخ، حيث حدثنا عن افتقاد الوثائق الرسمية التي تثبت صحة منزل "المتنبي" المكتشف قائلاً: «المدرسة الصلاحية كانت ومازالت وقفا خيريا لا يمكن المساس به، كما أن شكل البناء عثماني وهذا ما أكده الوفد الذي سبق أن زار المكان برفقة الدكتورة "نجاح العطار". ولا يوجد وثائق تعطينا فكرة عن القرن العاشر وما قدم من أبحاث عن أن بيت المتنبي يقع مكان "المدرسة الصلاحية" مجرد روايات لا تحتوي على بحث علمي، لم يكن في البحث دراسة عن تنقيب أو دراسة معمارية وعمرانية حسب نوعية المنطقة الموجود عليه الآثر، والأهم من ذلك أن يكون هناك دراسة تكون بمثابة تحقيق أثري، كما أن منزل "المتنبي" يقع ضمن خان "خايربيك" آخر مملوكي سكن حلب».
ومن ناحية أخرى عبر الدكتور "محمود عكام" مفتي محافظة حلب، عن رأيه بالقول: «ما كان يجب توقيف الأعمال الخيرية في المدرسة الصلاحية بهدف تحويلها إلى متحف "للمتنبي" لكونه يمكن تشييد متحف له في أي مكان آخر بحلب».
وفي الجهة المقابلة رد الباحث الدكتور "محمد قجة"، المستشار الثقافي لمحافظة حلب ورئيس جمعية العاديات الخاصة بالتراث، عن اتهامه بنقص الدلائل والقرائن بالقول: «أتفاجأ بأن البعض حكم على الموضوع من قراءة العنوان، فأنا لم أقل إن البيت الخاص بالمدرسة الصلاحية هو نفسه بجدرانه وسقوفه تلك الذي عاش به المتنبي. ما قلته هو أن المكان الذي تقيم عليه تلك المدرسة هو نفسه المكان الذي كان يقيم بيت المتنبي عليه».
ويتفق الدكتور "قجة" على ما قيل إن البناء ذو شكل عثماني فيقول: «ذكرت في دراستي أن البناء بحكم الظروف وعمليات الهدم أعيد بناؤه أكثر من مرة وسمي عدة تسميات، لكن لم أقل إن الحجارة الموجودة في ذلك المنزل هي نفسها التي شيدت منزل المتنبي».
وبرأي الدكتور "قجة" أن ما أثير مؤخراً من زوبعة، ناجمة عن عدم قراءة الموضوع بشكل كاف حيث قال: «قيل بأن المكان الذي عاش به المتنبي يبعد عشرون متراً عن المدرسة البهائية، وقد سبق أن قلت بأن البيت الذي عاش به المتنبي كان يحتل مساحة كبيرة، لذا لم أجد مغزى من الدراسات النقدية التي شككت بوجود المكان الذي سكنه المتنبي».
ورداً على سؤال حول عدم وجود نص تاريخي يربط المدرسة الصلاحية وبيت المتنبي يقول "قجة": «المكان سمي بعدة تسميات بسبب المراحل التي مر بها ومن تلك التسميات "المدرسة الصلاحية أو البهائية"، لذا أتمنى إعادة قراءة الكتاب الخاص باكتشاف بيت المتنبي من أجل عدم الوقوع في الأخطاء».
وقد أمر محافظ حلب، المهندس "علي أحمد منصورة"، بتشكيل لجنة للبت في موضوع تحديد بيت المتنبي وضمت أشخاصا معروفين هم: عيسى العاكوب (عميد كلية الأداب)، محمود أبو الهدى الحسيني مدير أوقاف حلب (طبيب بشري)، نديم فقش (مدير الآثار)، محمد قجة (ماجستير أدب عربي)، صلاح كزارة (باحث في الأدب العربي)، فايز الداية (باحث في الأدب العربي)، ترأس اللجنة الدكتور "محمد قجة" وتوصلت اللجنة إلى أن بيت المتنبي "مجاور أو ملاصق أو شرقي" المدرسة الصلاحية التي أكد الدكتور قجة في بحثه أنها المكان الذي أقيم عليه بيت المتنبي، استناداً إلى كتب المؤرخين. وفي السياق ذاته يؤكد الدكتور "قجة" أن وزارة الثقافة وافقت على تحويل المكان الذي يشغل مركز اللقاء الأسري ويسمى المدرسة الصلاحية إلى متحف وقد رصدت له مبلغا من المال. غر أنه حتى الآن ما تزال المدرسة على حالها ولم تتحول إلى متحف بعد.