يستخدم الفلاحون في الريف وخاصّةً في المناطق الجبلية الوعرة حيث لا تصلها الحصادات الآلية مجموعة من الأدوات التقليدية في عملية حصاد محصولي القمح والشعير ونقلهما ودرسهما وتنقيتهما، وقد رافقت هذه الأدوات الفلاحين في رحلتهم منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا.
يقول المزارع "نوري حمو" 68 عاماً لموقع eAleppo حول ظروف عملية الحصاد قديماً في منطقة "عفرين": «قديماً كان الفلاحون يزرعون القمح والشعير بشكل كبير جداً، فقد كان القمح يُستخدم في صناعة الخبز بسبب عدم وجود الأفران الآلية مثل هذه الأيام والشعير كان يُستخدم على نطاق واسع كعلف للحيوانات التي كان لها حضور أساسي في حياة الفلاحين كالحمير والخيول والماشية والأبقار وغيرها.
بعد الانتهاء من عملية الحصاد كان العمل يتم على نقل الحصيد من الحقل إلى بيادر القرية وكان ذلك يتم في الصباح الباكر خلال فترة "سقوط الندى" وذلك لكيلا تسقط الحب أثناء عملية نقلها التي كانت تتم بواسطة الحمير والبغال والجمال والثيران ولعدة أيام، وعلى البيدر وهي ساحة كبيرة من ساحات القرية كان لكل فلاح بحسب العرف مكان معروف لبيدره يضع فيه محصوله وقد ورثه عن آبائه وأجداده
اليوم الذي كان يذهب فيه للحصاد كان مرتبطاً بشكل رئيسي بعملية طبيعية تسمى "سقوط الندى" فسقوط الندى عند الفجر كان يطري السنابل ويمنع الحب من التساقط على الأرض وفي حال عدم "سقوط الندى" وكان الجو /شوب/ كان يتم تأجيل عملية الحصاد».
وأضاف: «في يوم الحصاد كان الرجال يذهبون إلى الحقول منذ ساعات الفجر للاستفادة من فترة "سقوط الندى" قدر الإمكان لأنه وبشروق الشمس تزداد الحرارة ولا يمكن الحصد، ومن خلف الرجال كانت النسوة يقمن بعملية نقل الحصيد إلى وسط الحقل لإقامة الكومة الكبيرة المركزية أو عدة أكوام كبيرة في أماكن متفرقة من الحقل وذلك لسهولة نقله إلى البيادر لاحقاً.
لقد كانت أيام الحصاد القديمة من المناسبات الاجتماعية الهامة للأسرة الريفية ففيها يسود روح التعاون والمحبة والسعادة، الواجب الاجتماعي كان يدفع الأسرة التي كانت تنهي حصاد محصولها مبكراً كي تساعد الأسر الأخرى التي ما زالت تقوم بذلك وهكذا فإن بقي في القرية أسرة واحدة لم تنه حصادها هب جميع رجال القرية ونسائها لمساعدتهم».
وختم: «بعد الانتهاء من عملية الحصاد كان العمل يتم على نقل الحصيد من الحقل إلى بيادر القرية وكان ذلك يتم في الصباح الباكر خلال فترة "سقوط الندى" وذلك لكيلا تسقط الحب أثناء عملية نقلها التي كانت تتم بواسطة الحمير والبغال والجمال والثيران ولعدة أيام، وعلى البيدر وهي ساحة كبيرة من ساحات القرية كان لكل فلاح بحسب العرف مكان معروف لبيدره يضع فيه محصوله وقد ورثه عن آبائه وأجداده».
ويقول المزارع "خليل إبراهيم" 76 عاماً: «بعد عملية نقل المحصول إلى البيدر ننتقل إلى عملية أخرى هي درس الحصيد وكانت تتم في يوم حار من أيام الصيف ولم تكن عملية الدرس تتم في يوم "سقوط الندى" لأن السنابل الطرية لم تكن تُدرس جيداً وبعد الدرس كنا ننتظر يوماً ريحياً كي نقوم بعملية فصل الحب عن التبن /الدراية/ فهبوب الهواء كان ضرورياً لانجاز تلك العملية.
في أيام الدرس كانت البيادر مزدحمة بالناس رجالاً ونساءً وأطفالاً ولكل عمله، الرجال يدرسون ويفصلون الحب عن التبن والنسوة يجلبن الطعام ويغربلن الحبوب ويضعنها في أكياس الخيش والأطفال يستمتعون كثيراً بركوب "الجرجر" ومن ثم يلعبون ويمرحون حول البيادر بألعابهم الطفولية الجميلة.
بعد الانتهاء من عملياتي الدرس وفصل الحبوب كنا نقوم بنقل أكياس الحب إلى البيت لطحنه واستعماله في صناعة الخبز المنزلي أو حفظه كمؤونة لاستعماله في إعداد مختلف الأكلات الريفية، وكذلك كنا ننقل التبن إلى إحدى المغاور /حيث كان لكل فلاح مغارته في قريته/ لتقديمه كعلف للحيوانات وخاصة في أيام الشتاء الماطرة والموحلة».
وحول الأدوات التقليدية المستخدمة في الحصاد يقول الدكتور "محمد عبدو علي*": «هذه الأدوات هي: "المنجل" وهو أداة معدنية مقوسة ذات مسكة خشبية كانت تستخدم أساساً في حصاد القمح وكان هناك منجل أصغر قياساً يُستخدم لحصاد الشعير والأعشاب وأغصان الشجر ومنجل أكبر قياساً يُسمى /كف محلياً/ مع أداة خشبية تثبت على اليد اليسرى لتسريع عملية الحصاد اليدوية.
كان الحصيد يُنقل بواسطة البغال والحمير والخيول وذلك بواسطة آلة خشبية خاصة تثبت على ظهر الدابة ثم ترفع إليها حزم الحصيد بواسطة أداة خشبية من السنديان لها شكل العدد 8 تسمى /شيالة محلياً/ ويثبت الحصيد على ظهر الدابة بحبل في نهايتيه خطافات خشبية متينة لتساق إلى البيادر.
أما درس الحصيد على البيادر فكان يتم بربط قطعة مسطحة كبيرة من الخشب خلف الدابة ويقف عليها شخص لإعطائها الثقل ويتم الدوران حول البيدر حتى ينجز العمل، ولاحقاً ظهر "النورس" /"الجرجر" محلياً/ وهي ذات دواليب معدنية مسننة يركب عليها شخص ويربط النورس بدابة ويتم الدوران حول البيدر للدرس مع ربط عيني الدابة كي لا تلتهي بأكل القمح أو الشعير من البيدر.
أما معالجة الدريس فتتم بأداة معدنية ذات أشواك هي "المذراة" وآلة أخرى خشبية للم الدريس، ولذراية الدريس كانت تُستخدم آلة تشد أصابعها الخشبية إلى بعضها، وبعد ذلك يتم فصل الحب عن التراب ويُستعمل فيها نوعان من المناخل اليدوية المصنوعة من الخشب وخيوط الجلد، الأول ذات ثقوب صغيرة وبه يعزل الحب عن التراب الناعم والثاني ذو ثقوب أكبر قليلاً وبه يتم آخر مرحلة من مراحل فرز الحب من الشوائب، بعدها يتم نقل المنتوج إلى المنزل ليخزّن في أكياس خاصة أما الفائض من الحبوب فكان يخزّن قديماً في حفرة عميقة تحت أرضية البيت وتُغطى بالتبن وتُسقف بجذوع الشجر كي لا تظهر معالمها أثناء مداهمات الدرك العثماني أو الفرنسي».