الكتابة في الآثار بحثاً وتنقيباً في مضامين التاريخ والتعمق بالمكان، تحتاج إلى مجهود كبير للحصول على المعلومة من مؤسسات تعنى بهذا الشأن.
«استطاع الباحث الأستاذ "جمال أبو جهجاه" أن يلقي الضوء على أكثر من منحى أدبي وثقافي، وفي علم الآثار، حيث قدم كتاباً عن مدينته شهبا، وضع فيه مجموعة من الوثائق التي اكتشفها في بحثه الفردي».
استطاع الباحث الأستاذ "جمال أبو جهجاه" أن يلقي الضوء على أكثر من منحى أدبي وثقافي، وفي علم الآثار، حيث قدم كتاباً عن مدينته شهبا، وضع فيه مجموعة من الوثائق التي اكتشفها في بحثه الفردي
الحديث كان للمهندس "علي هوارين" من أهالي مدينة "شهبا"، وأضاف بالقول: «في كتابه مدينة "شهبا" وضع الكاتب "أبو جهجاه" معلومات عن مدينة "شهبا" لم تقتصر على الجانب الأثري فقد بل تطرق إلى الجانب الاجتماعي والتاريخي وأهم الأحداث التي جرت بها، وإلى الحالة الديمغرافية، إضافة إلى الواقع الزراعي والفلاحي والعائلي، وبالتالي جاء بحثه في آثار مدينته "شهبا" فاتحة لآفاق معرفية كبيرة في الزراعة والصناعة والتجارة والتاريخ، ما جعل كتابه يحمل الأهمية، عن مدينة "فليب العربي"، وهو كاتب وله كتابات أخرى في النقد الأدبي والاجتماعي».
موقع eSwueda التقى الكاتب والباحث "جمال أبو جهجاه" عضو اتحاد الكتاب العرب بالحوار التالي:
** إنّ قراءة الآثار المادية بين علماء الآثار متقاربة إلى حد ما، إلا ما ندر، وقد يحدث أحيانا تباينا في الرأي أو القراءة وذلك لعدم وجود مدونات مكتوبة مرافقة تاريخيا لتلك الحضارة، وإنْ وجدت فهي قليلة ونادرة ومقتضبة لكن المقاربات للقراءة قائمة وصحيحة وتعتمد على الاطلاع والبحث في الكتب التاريخية القديمة، ونقدر علماء الآثار في سورية وكتاباتهم التاريخية وبحوثهم وتنقيباتهم التي تُظهر للعالم أنّ سورية بلد الحضارات المادية، الموازية والمرافقة للقيم الإنسانية والأخلاقية الروحية العالية.
** إنّ أهم عمل اكتشفته في علم آثار مدينة شهبا، هو لوحات الفسيفساء القائمة في متحف شهبا منذ إنشائها قبل سبعة عشر قرنا مضت، وكل لوحة تروي لنا حكاية أو أسطورة تهدف إلى تهذيب النفس الإنسانية وتبعدها عن الفواحش، وتجعلها تعيش في الفضيلة وعمل الخير باستمرار، بل تتحدث عن فلسفة إنسانية لها علاقة بالكون أو الطبيعة، والناحية الأهم التي اعتنى بها فيليب العربي في عهده هي بناء الإنسان جسدا وروحا، أما بناؤه الجسدي، فهو الاهتمام بالتدريب على فنون القتال التي كانت روما تعتمد فيها على حماية أطرافها المترامية، أما البناء الروحي فهي ثقافة التمثيل المسرحي أو فنون المسرح، لقد بنى فيليب العربي المسارح التي كانت تمثل على خشبتها المسرحيات الهادفة إلى إصلاح النفس، فالمسرحية التي تنتهي بالمأساة تبين للمشاهدين الخطأ الذي وقع فيه الإنسان ونال جزاؤه من الآلهة، لقد عظّـّم فيليب العربي إنسانية الإنسان وبناها متأثرا بالفلسفة الرواقية التي كانت ترى الفضيلة في الإنسان متحد بالآلهة.
** الإنسان ابن بيئته، ومدينة شهبا بيئة تشجع الإنسان على البحث في هذا الجانب التاريخي وإنّ تلك الآثار في شهبا تجعل الفكر يبحث فيمن بنى هذه الحضارة فأنا أخذت من هذه الآثار جانبين: الجانب المادي القائم من الحجر البازلتي الذي لا يقوم إلا بالجانب الروحي الفكري الإبداعي الثقافي المتنور، فعلى الرغم مما نحن به الآن من التطور التقني والعلمي، لا نزال نتعجب ونسأل عن القوة الفكرية التي خططت وعن القوة الجسدية التي بنت، وذلك ما يدهش الفكر الحاضر.
** المراجع والمصادر كثيرة وكنت أبحث عما هو مدون عن مدينة شهبا في المراجع كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، وأحيانا كنت انهي قراءة مرجع تاريخي ما، دون أن أجد عبارة او كلمة عن شهبا. ولكنّ من يتوه بين العناوين والمصنفات، فإنه يجد نفسه أمام أفلام مصورة لصحف قديمة ووثائق تاريخية غنية ترشد التائه في البحث، حين يدخل الصرح الحضاري الثقافي الشامخ لمكتبة الأسد في دمشق فإنه يجد نفسه. وإنني أرى الجديد الذي قدمته في كتابي عن مدينة شهبا ما عبّر به الدكتور "بسام جاموس" مدير الآثار والمتاحف في سورية قائلا عن كتابي "إنه بحث جدير بالاهتمام وخاصة فيما تحدثت به عن الفترة الرومانية، وما كتبته في دراسة معمقة عن الفيلسوف الإمبراطور فيليب العربي"، وهذا أراه واجبا إنسانيا ثقافيا ملزما للذي يرى في نفسه القدرة على إنجاز ذلك.
** النية موجودة، والرغبة قائمة، والهمة عالية من أجل هذا العمل، ولكني سأبدأ بآثار منطقة شهبا وقراها، فلم تخل قرية من أوابد تاريخية تنبئك عن حضارة ذلك المجتمع البشري العربي الذي عمل على بناء القيم الروحية قبل المادية.
** أركز الآن في بحثي ومحاضراتي على القيم الروحية التي كان يتمتع بها الإنسان العربي منذ فجر التاريخ وأرى في شهبا حضارة الأنباط امتدادا "لفيليب العربي" في إمبراطوريته النموذج الحي في ترسيخ القيم الروحية العالية التي تحدث عنها فلاسفة ذلك العصر وتأثر بها "فيليب العربي" وعمل عليها ثقافة وفكرا وسلوكا. فكان ينظر إلى الإنسان على أنه الفيلسوف الذي يبني نفسه قيما أخلاقية عالية ليصل بسلوكه اليومي الآني إلى المدينة الفاضلة التي كان ينشدها.