للأمثال الشعبية في تراثنا المحلي مكانة بين الناس فهي وليدة حكايات ووقائع منها اجتماعية وإنسانية وتاريخية، حيث أصبحت الأمثال محطة للباحثين في مجال التراث الشعبي اللامادي لتدوينها وتوثيقها لأهميتها في حياة الشعوب.
ومثال عليها ما جاء في كلمة "إجا" أي "جاء" من أمثال حيث دوّن حولها أمثلة كثيرة جمعها الباحث التراثي "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب وصاحب كتاب "من حكايات الأمثال وأصول التعابير الشعبية في جبل العرب"، الذي التقته "مدونة وطن" eSyria بتاريخ 1/2/2013 مشيراً بالقول: «جاء في تراثنا الشعبي أمثال عديدة اذ حمل كل مثل من الأمثال حكاية خاصة به وعبرة وحكمة منه، وعلى سبيل المثال دونت حول كلمة "إجا" أي "جاء" من أقوال شعبية فيقولون: "إجا الحمام البري يكحش (أي يطرد) حمام الدار" وهذا يقال في الكنة التي ما إن تأتي إلى بيت زوجها حتى تعتبر أن الدار دارها، من دون الآخرين، وإن حماتها وبنات حماها هم غرباء.
لعلنا اليوم وفي ظل العولمة وثورة الاتصالات ابتعدنا عن مفرداتنا المحلية، وأصبحنا بمنأى عن تراثنا المحلي، ولهذا أشعر بأن الأمثال الشعبية وتداولها بشكل يومي يجعلنا نهتم بها ونبحث عنها لرفد سلوكنا بأمثلة وهذا ما قام به الباحث "فوزات رزق" بربط الماضي بما يحمل من التراث اللامادي بالحاضر وواقعه بميزة إضافية جديرة بالذكر وهي حكاية المثل ومعناه ودلالته
وكذلك "إجا الذيب عالغنم، راح الكلب ليشخ"( أي حتى يبرز) بمعنى في الشيء تفتقده عندما تكون في أمسّ الحاجة إليه، وفي الشخص يتوارى عن الأنظار في الوقت الذي يتطلب فيه حضوره، والمثل يروي حكاية الذئب الذي جاء ليفترس القطيع فما كان من الكلب الذي يحرس القطيع إلا أن ذهب في هذه الساعة الحرجة لقضاء حاجته، وهناك "إجا عتالي رية" في الشيء يأتي بعد انقضاء الحاجة إليه، وربما روى حكاية الشخص الذي يأتي ليقدم لك معونة بعد أن تكون حاجتك قد انقضت، فتقول له: "وصلت فزعتك"، أي وصلتنا معونتك متأخرة.. (عتالي: على تالي، آخر.. وتالي رية: آخر ما يسقط من مطر متأخر ولا ينفع المحاصيل) وفي التنبيه إلى الخطر القادم، مع إظهار التشفي.
"إجاك السمرمر يا جراد" والمثل يحكي حكاية طائر السمرمر الذي ينقض على الجراد فيفنيه، وهو في حقيقة الأمر يروي حكاية ذلك الخطر القادم على هيئة السمرمر الذي يغشى الجراد، ويظهر التشفي من خلال العبارة المحذوفة وتقديرها إذا استطعت أن تصمد فاصمد، في الدعي الذي يتفاخر ببطولاته دون أن يجد من يكشف حقيقة كذبه، وفجأة يأتي من يستطيع أن يفند ادعاءاته الفارغة، وللمثل حكاية وهو القائل "إجاك مين يعرفك يا بلوط"، و"إجاك الموت يا تارك الصلاة" حكاية من يقصر في أمر ما، فيأتي وقت محاسبته، والمثل يروي حكاية رجل قد ترك صلاته، فجاء عزرائيل ليحاسبه على تقصيره في أداء الصلاة».
تابع حديثه: «هناك أمثلة طريفة كأن تقول: "إجا للعميان صبي، قتلوه باللحمسة" أي حكاية قوم يحصلون على بغيتهم بعد عناء، فيسرفون في العناية بما حصلوا عليه، والمثل يروي حكاية زوجين أعميين طال انتظارهما لصبي يؤنس وحشتهما، وحين جاء هذا الصبي أخذا يحيطانه بالرقى والأدعيات حتى كاد يموت، (واللحمسة: التلمس، فحين يرقون الطفل، يقرؤون الرقية مع تمرير كف الراقي على وجه الطفل ويديه وكامل جسمه، لاعتقادهم أن الرقية يجب أن تتغلغل في أعضاء الطفل كافة لتحميه من المرض والخطر).
و"إجا للفلاح ولد، إن عاش بلا قمصان، وإن مات بلا أكفان" حكاية الفقير الذي لا ينتظر أولاده سوى الفقر، والمثل يحكي حكاية فلاح رزق بولد، فأخذ الناس يتحدثون سخرية أو إشفاقاً، إن عاش فلن يجد له قميصاً، وإن مات فلن يجد له كفناً.
وأيضاً "إجا ليكحلها عماها" حكاية من يحاول إصلاح شيء، فيزيد في خرابه دون قصد، والمثل يروي حكاية إنسان حمل مكحلته ليكحل عين صديقه بغية تجميلها أو علاجها، فلا يلبث هذا الكحل أن يتسبب في عمائها.
ويقال: "إجت والله جابها" وهو في الأمر يأتي فجأة ملائماً للمراد، والمثل يروي حكاية رجل ينتظر تحقيق مراده، فتواتيه ريح ملائمة، فيفرك كفيه فرحاً: "إجت والله جابها"، وقالوا: "إجوا يعاونوه على دفن أبوه، حمل الفاس وهرب" حكاية الرجل الذي لا يحسن التعامل مع الآخرين، والمثل يصور لنا رجلاً مات والده، فخف الناس لمساعدته على دفن والده، فهرب من طريقهم رافضاً المساعدة».
الأستاذ "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتاب العرب ورئيس فرع جمعية العاديات بالسويداء بيّن علاقة الأمثال بالتراث اللامادي قائلاً: «ضمن جمع التراث الشعبي اللامادي في محافظة "السويداء" رصد الباحث "فوزات رزق" العديد من القضايا والحكايات التي تسقط وقائعها في أمثال شعبية لها علاقة بمنظومة عادات وتقاليد اجتماعية، والحكايات الخيالية والواقعية ذات البعد الفردي إنما هي شائعة على ألسنة الناس في أكثر من مكان، والحكايات الواقعية ذات البعد الاجتماعي أو الوطني أو تلك المرتبطة بقرية من قرى المحافظة أو إحدى عائلاتها أو أحد أفرادها، مستندين عن رواة شاهدوا الأحداث أو سمعوا بها، وحينما كنا نلجأ إلى الذاكرة البعيدة، كنا ننقل ما سمعناه ومما علق في الذاكرة، لكن الباحث "رزق" أعاد في ذاكراتنا إيقاظ الماضي بتدوين الأمثلة جاعلاً من بعض الكلمات التي بدأ بها المثل "إجا" أو جاء وهي كثيرة في موروثنا مثل "إجت والله أجابها" وغيرها من الأمثال موضحاً معناها أيضاً ودلالاتها».
الشاب "غياث الشوفي" تحدث عن أهمية الأمثال الشعبية بالقول: «لعلنا اليوم وفي ظل العولمة وثورة الاتصالات ابتعدنا عن مفرداتنا المحلية، وأصبحنا بمنأى عن تراثنا المحلي، ولهذا أشعر بأن الأمثال الشعبية وتداولها بشكل يومي يجعلنا نهتم بها ونبحث عنها لرفد سلوكنا بأمثلة وهذا ما قام به الباحث "فوزات رزق" بربط الماضي بما يحمل من التراث اللامادي بالحاضر وواقعه بميزة إضافية جديرة بالذكر وهي حكاية المثل ومعناه ودلالته».