تمثل قرية "الحسينية" جمال قرى الجولان السوري المحتل بما تشتهر به من بينابيع عذبة وطبيعة ساحرة، تعانق أشجار التين والزيتون ونباتات العليق سفوح أوديتها المتعرجة، ورغم بساطة الحياة قبل النزوح، فقد كانت بالنسبة لأهلها أجمل بقاع الأرض.
أرض معطاءة
تقع القرية في الجنوب الغربي من الجولان المحتل، في عمق سهول خصبة شمال شرق بحيرة "طبريا"، وكانت تتبع إدارياً لناحية "البطيحة" ومنطقة "فيق"، يحدها شمالاً قرى غزيّل والمحجار والدردارة، وجنوباً قريتا قطوع الشيخ علي وعين عبد الله، وشرقاً قرية خوخة، وغرباً قرية المسعدية.
يقول "ادريس ذياب" مدير المركز الثقافي بالبطيحة لمدونة وطن: إن القرية اشتهرت بعدة أودية منها وادي "الدالية" الذي يبدأ تشكله في أراضي قرية "جرمايا" متجهاً غرباً ليأخذ اسم وادي الدالية ماراً بقرى "الحسينية والمسعدية، ويصبح اسمه من جديد وادي "زبيد" أو وادي "قطوع الشيخ علي"، ويصب في بحيرة "طبريا"، أما ينابيع القرية فهي عين "عبد الله" شرق القرية، وعين "ندوة" في وسطها، وعين وادي "أبو شل"، وجميعها عذبة دائمة.
ويشير "ذياب" إلى أن النشاط السكاني يتركز في الزراعة التي تتمركز في سهل "أم يجرس" غرب القرية، ورجم "عريب" وسهل "الموح"، التي تروى من نهر الأردن، ويزرع أهالي القرية القمح والشعير والعدس والحمص والذرة البيضاء والصفراء والترمس، فضلاً عن زراعة الخضراوات كالبندورة والفاصولياء والخيار والباذنجان والبامياء والفليفلة والبصل، حيث كانت أراضيها خصبة وتنتج ثلاثة مواسم في السنة، وكان يتم تصدير الخضراوات إلى مدينة القنيطرة"، "فدمشق"، أما الأشجار المثمرة فيأتي الموز في المقدمة، ثم الزيتون والتين والرمان والعنب، إضافة للقليل من أشجار الليمون والبرتقال.
ولا تخلو القرية حسب قوله من شجيرات حراجية متناثرة هنا وهناك مثل: الربيض والسدر، كما يزرع السكان شجر العنبر بكثرة حول بساتين الموز كمصدات للرياح، أما النباتات التي تنبت ربيعاً في سهول القرية فكانت نباتات غذائية وطبية وعطرية مثل (الخبيزة، العليكة، المرار، الحلفا، القرة، الفطر، الحويرنة، السنيرة، العكوب، البختري، اللوف، الشومر، الدريهمة، النفل، النرجس، الخرفيش).
واعتمد سكان القرية أيضاً على تربية البقر الجولاني والجاموس والأغنام والماعز، إضافة للدواجن المنزلية وبعض الخيل وحيوانات الحمل والركوب، فيما نسبة قليلة منهم تعتاش من صيد السمك من بحيرة طبريا.
ذكريات راسخة
بدوره يعود "عبد الله الجمعة" من الحسينية تولد عام 1948 بشريط ذكرياته ليبين أن مساحتها كانت تقارب 15 كيلو مترا مربعا، وكان يصل تعداد سكانها إلى 1072 نسمة قبل النزوح، وظهرت في القرية أواخر سنوات الخمسينيات البيوت الإسمنتية الحديثة بعدما كانت من طوب اللبن والخشب، إلا أن طرقاتها لم تكن معبدة ولكنها مرتبطة بطرق إسفلتية بين قرية الكرسي مع أغلب قرى ناحية "البطيحة" وصولاً لمدينة "القنيطرة"، ومرتبطة مع القرى المجاورة بطرق ممهدة، مشيراً الى وجود مسجد قيد الإنشاء حينها وهو مشيد من الحجر وسقف من الإسمنت المسلح.
ويشير "الجمعة" إلى أنه درس للصف الرابع في قرية الدوكا، والخامس والسادس في قطوع الشيخ علي، بينما الإعدادية بقرية أم السنابر ، ليستكمل البكالوريا التجارية في درعا بعد النزوح عام 1967، بينما كان المدرسون يأتون من الخارج من فلسطين ودرعا، لافتاً إلى أن نسبة كبيرة من أهالي الحسينية قد نزحت إلى الشيخ سعد والمزيريب ودرعا، بينما انتقلت أسرته الى بصرى الشام.
ويضيف: "كانت القرية تضم معصرة زيتون يدوية، وهي الوحيدة بكل منطقة البطيحة يملكها والدي "محمد عبد الله الجمعة" كانت تعمل على الحجر والدابة من خلال الدوران ، حيث قطر المعصرة يبلغ حوالي مترين بشكل دائري تتخللها فتحة لصب الزيتون الحب في القفة، ويتم تكسير الزيتون بواسطة المكبس اليدوي، ثم يمتلأ الزيت عبر المزراب في الحوض، ثم المكيال والتنك، حيث كان أهالي جميع القرى من قرية جرابا والمجامع والسنابر ومن البطيحة وقطوع الشيخ علي والمسعدية يأتون اليها لعصر زيتونهم".
ويلفت " الجمعة" إلى أن وادي ابو دركل والزبيد كانا يفيضان بالذكريات وخاصة أيام الذهاب لقرية الدوا، دون نسيان الأوقات السعيدة التي كانت تقضى عند أحد الوجهاء في قرية قطوع الشيخ علي، وخاصة حين يكون هناك طوفان مياه الأودية، فكانت هناك غرفة مخصصة لأهل قرية الحسينية يبيتون فيها أثناء الفيضان.
الفنان "علي القاسم" تولد عام ١٩٥٧ والذي تربى ببيت جده أيام طفولته في القلاية يقول: " قريتي الحسينية بالجولان المحتل.. أجمل ما فيها لحظة وشروق الشمس كل يوم وسط الطبيعة الخلابة والذهاب الى الأرض، بينما النسوة يقعدن في الصباح الباكر لتجهيز خبز الصاج ويقمن بتوزيع قطع الخبز الساخنة على كل من يمر بجانبهن".
ويضيف: "هناك ذكريات الطفولة الممزوجة مع جمال الحسينية من أشجار التين والعليق المتعربشة على كتف وادي "ابو خلال" القريب من القرية، حيث كنا نلهو بأشجار التين ونلعب ونأكل من ثمارها، هذا غير اللهو والسباحة بمياه الوادي، وهناك مدرسة تابعة للأونروا، وكان اسمها "اليازور" والتي درست فيها للصف الرابع.
طقوس الفرح
الشيخ "حسين عوض أبو أمير" تولد قرية الحسينية المحتلة يقول: "من أهم العادات في قرية الحسينية عند الإعلان عن قرب زفاف أحد أبناء القرية كان يجتمع السكان ويتعاونون في بناء المسكن و تجهيزه بكل ما يحتاجه، وذلك بدون أي مقابل، وكل صاحب مهنة يساعد الآخرين بمهنته مجاناً، وبالمقابل عند حصول مناسبة عنده ترد هذه الخدمة بكل طيب خاطر وسعادة.
ويبين الشيخ أن الأعراس كانت تستمر من أسبوع لعشرة أيام ويشارك بالعرس جميع الأهالي، وينصب أهل العريس الخيمة ويضعون بيرق (علم) للتعريف، وفي حال تم نسيان إحدى العائلات، يقوم والد العريس بتحضير ذبيحة ودعوة شيوخ وكبارية العشيرة والذهاب إلى العائلة أو العشيرة التي لم تتم دعوتها.
في يوم العرس، كما يقول "العوض" تجتمع النساء، وتأتي كل منهم بحزمة حطب وتتوجه إلى بيت العريس، ليقمن بالطبخ وتكون الذبائح جاهزة ويطبخن المليحي وتفرد المناشف عند الغداء وترسل مناسف لبيت العروس، وبعد الغداء يذهب النساء والرجال من بيت العريس إلى بيت العروس ويغنون لها ويقوم الرجال باستئذان والد العروس لإخراجها والنساء تغني لوالد العروس لإخراجها من منزله، والمناداة بقول "قوم اطلع عروسنا يا أبو فلان"، وهنا يكون أهل العريس قد جهزوا هودجاً مزيناً على جمل ليضعوها فيه بعد أن يخرجها والدها ويسلمها لأهل العريس وتسير ويحيط بالهودج مجموعة من الفرسان الخيالة والنساء خلفه يغنين، وتتوجه العروس إلى منزل يستضيفها غير بيت العريس، ويكرمونها ويكون حفلة للنساء عند العروس وحفلة للرجال ومن ثم تزف العروس للعريس.