- عندما وقع علي الحسن على السند أحسّ أن شجرة العمر قد قطع أحد جذورها و بدأت تستعد للسقوط ... ها هو يقوم بما نهى الناس عنه خلال سنوات العمر .. أولاده الخمسة ، كل يتطلع منهم إلى الآخر .. يتمنى لو قبل أحدهم الفداء به و بقيت الأرض .. بعض أهالي القرية قالوا فعلها علي الحسن و ماذا لو تقاسمنا نحن المبلغ .. فيجيبه آخر الكلام سهل .. و الفعل كقلع الأضراس .. و هل بقي لنا أن نأكل حتى ندفع .. و يردد بعضهم ماذا فعلنا لندفع .. ؟ و يقول آخر كرامة الرجل أغلى من المال .. فماذا يفعل .. ؟
- في ساعات الحزن و الفراق يصبح الإتحاد بين الفكر و العاطفة أمراً لا مفر منه .. وفي ساعات الموت يشعر الإنسان بالإنكسار و الضعف و يستوي في هذه اللحظات القوي و الضعيف و الفقير و الغني .. و لكن هذا الشعور سرعان ما يتلاشى بانقضاء المناسبة فيعود كل إلى ما كان عليه .. فكأن الحياة كلها صراع و لكل شيء خاتمة بالموت .. و أما المسافة بين الولادة و الموت ففيها سرّ الحياة و وعي الإنسان للزمن ..
- حتى في السجن ترق مشاعر الناس و تكبر محاكمة الضمير .. و يشعر الكثيرون بالندم على الأفعال التي لا يرضاها الله .. أما في الأفعال التي يشعر صاحبها أنه يخدم الوطن أو مصلحة الجماعة أو يدافع عن قضية فإن السجن مدرسة للألم الذي يولد الرغبة في المتابعة أو يخلق نوعاً من الشعور بالرضى أو الراحة . بعض السجناء يستسلم للقدر براحة عجيبة و يقول إن الله هو الملهم لفعل الخير و ما دام اختيار الطريق لإرضاء الله فليكن كل شيء وفق مشيئته ، و بعضهم يقول إن اختياري كان بملء إرادتي و ما دامت الأشياء قد خلقت بفعل الإرادة فإني مسؤول عن تصرفاتي بالقدر الذي كنت فيه حرّاً و ما دامت في القيد فإن الصبر و العذاب و الألم أفضل الطريق إلى الحرية .
- كانت تلك الليلة من أسعد أيام حياة المعلم حسن الظاهر .. و لا سيما حين يتوحد الحب في قضية الوطن .. و كثيراًما كان يردد : الفقراء هم أكثر الناس إحساساً بالحب لأنهم يتلمسون الوطن من خلال المحبة فإذا فقدوا الإحساس بها كانوا بلا وطن .. و كيف للفقراء أن يشعروا بالمحبة إذا كان الوطن أسيراً و كان المواطن لا يملك فيه لقمة العيش أو ثمن الدواء أو مجانية الكلمة التي يعطيها العلم و المعرفة .. إن الحب بغير الوطن .. يجعل من الحب قضية ممسوخة لا تتعدى حدود الغرائز .. و الحيوانات لها غرائز ... و الطيور لها غرائز .. و لكن عندما تضع أولادها لا بدّ لها أن تبحث عن أوطان تضع بها بيضاً أو تضع فيها أعشاشها .. فهل تتسع قرية رويسة الطير أو قريته الأصلية أو الوطن ... لحسن الظاهر و أمثاله لكي يقيموا عشاً يشعرون فيه بالطمأنينة و الحرية و الحب ؟
|