الصورة غير متوفرة

ـ كان الجميع يداً واحدة، جعلوا الأتراك يستغيثون، ويبدون مسالمةً مكشوفة، وعندما جاءت قافلة من الأرمن لم يرحل منها أحد إلى "حلب" أو "بيروت"، فقد تمّ استيعابها في المدينة وحدها أمام أعين الأتراك دون أن ينبسوا ببنت شفة، حتى أصبحت تعجّ بالأرمن، وكان التجار والإقطاعيون يؤازرون الأهالي باحتضانهم، والزواج من فتياتهم، فأخذوا أسماء العائلات الديرية.

ـ بسرعة عجيبة جمعت الوثائق والمستندات، وتم إرسالها إلى " أورفه" ، وبعد أيام غادرت القوات التركية "دير الزور"، واحتفل أبناء اللواء بيوم السادس من تشرين الثاني عام 1918، وعدّوه عيد الخلاص

العيون ترقب بحذر شديد الموقف الصعب الذي يمر به لواء الزور، والهلع الكبير الذي اقتحم حصون المحتل وهو ينسحب من "دير الزور".

وانقسم الناس ثانية بين مؤيد لبقاء الأتراك المسلمين، ومعارض لهم ، بل وجدت هذه الفئة أن الدول الأوروبية تحمل في احتلالها عناوين مهمة أبرزها: الحرية و الديمقراطية والتنمية .. وقد أكّدت هذه الفئة على أنّ مقاومة الاحتلال الأوروبي أسهل بكثير من مقاومة الاحتلال العثماني الذي حكمنا باسم الدّين.

ـ نهر الفرات لم يهدأ, تتماوج تياراته بصخب، فتلقي في الأذان موسيقا جنائزية، وعلى الوجوه ظلالاً من الشك...

كان الرجال يسيرون بتؤدة، وألف سؤال يدور في رؤوسهم المثقلّة بالهموم والأحزان, ولعل أبرز سؤال يطرحونه في مجالسهم:إلى أين سنمضي؟ وإلى متى؟ ودّع الرجال قائدهم الكبير, ومحرر لواء دير الزور من الإنكليز بهتافات ناشجة، وكان يرّد عليهم بعبارات ملؤها الثقة بالنصر، ويطلب منهم مواصلة التضحية والفداء , والتنبّه لكل ما يُحاك ضدّهم.



ـ يا لوفاء الأرمن! والله إن أعمالهم ترفع الهامات عالياً، في عام 1936 قام "جان ماتوسيان" الأرمني عندما شعر بأن المؤامرة التركية الفرنسية على لواء اسكندرون مُحكمة أحصى الأرمن الذين يحملون أوراق نفوس من اللواء، وهم بالمئات فساعدهم على السفر إلى اللواء يوم الاقتراع، يوم الاستفتاء، لأنَّ اللجنة الدولية ستدرس رغبات السكان، وجاءت النتيجة لصالح سوريا، واتّهمت لجنة الاستفتاء بالتواطؤ مع العرب، ثمَّ اتّفقت تركيا مع فرنسا على احتلالها بالقوة.



ـ أسرع علي بك والمحافظ والأستاذ "جلال" والأستاذ "ثابت" إلى الشيخ وهو يكاد يبلّل الوريقة الصفراء بدموعه...

قال علي بك مستغرباً:

ـ ماذا أصابك يا شيخ؟ لقد أفزعتنا.

كانت الدموع تملأ عيني الشيخ، وهو يقرأ تلك الوريقة. أخرج الشيخ منديله، فجفّف دموعه، وقدّم الوريقة إلى علي بك الذي صاح بأعلى صوت عندما قرأها:

ـ الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر.

وتعالى صياحه عندما رأى توقيعه أيضاً عليها.

ـ ما هذا يا شيخ؟

ـ إنها الحقيقة يا أبا راغب، التي لا تخفى وإن طُمست إلى حين.

ـ اسمعوا يا إخوتي... إن هذا الشاب هو /سورين/ ابن الشهيد أحمد الصباغ.

عودة