نادر عبد الله

أولاد الجيران ل "فايز حمدان"... غنائية أصلية, وبخل بيولوجي



عندما فكرت أن "فايز حمدان" شاعر مضيّع لموهبته بعد قراءة ديوانه "أولاد الجيران"

وأمسكت قلمي لأخط ذلك ذات ظهيرة عدلت على الفور حين استعدته في خيالي وكأنما برمجته الوجودية هكذا .. عياش أولا والشعر جزء من هذا العيش وأحد تجلياته التلقائية .

وبالتالي فإن غنائيته التي تلاحق العيش واحتمالاته وممكناته تصب في طريقها هذه النترات الشعرية وهي ليست سوى إفراغ للرغبة المتراكمة في خلفية المصدات التي تعترض عيشه.‏‏

واعتقد أن "حمدان" لولا ارتياده "لمقهى الروضة" كلون من ألوان عيشه لما بعث نتراته هذه بين دفتي كتاب حيث في هذا المكان "الروضة" يهيئ أولاد الكار للعياشين من نمط " حمدان " المضي في اشتعالات هذا اللون العيشي - الشعر إلى منتهاه الورقي على الأقل.‏‏

وحسنا أنه لهذا السبب ربما تسنى لنا الاطلالة على هذه الاشعار البسيطة للغاية لكنها تدلنا من داخل بساطتها هذه على تلك الجذوة والمنبع.‏‏

ذات النوع الغنائي‏‏

تسوق أشعار "حمدان" نفسها ببساطة ودون عناء إلى تلك الأفران الشعرية التي منها تنتج تلك الغنائية الفريدة التي صدحت منها ذات يوم مفردات "رياض الصالح الحسين" و "منذر مصري" في قصيدته الأولى الملوعة حقا من ديوانه "تواريخ وبشر وأمكنة" والتي تنفع البوم - تلك القصيدة- رغم أنها كتبت في العصر الامبريالي حسب مفهومنا آنذاك أن تكون شاهدة إنسانية يتأملها الآخر الأجنبي ليقتات منها بعضا من الدراية وربما لا يقتات من شيء فقط ليتحلى بطعم انسانيتنا في المشهد الخلفي للواجهة ذات الهيئة المحنطة.‏‏

اذا شعرية " فايز حمدان" تنتمي إلى هذا النوع الغنائي الذي هو في الحقيقة اس الشعر وجوهره لأنه ببساطة يحيل اللغة إلى كائن أسمى للوجود الإنساني بوصفها - اللغة- ترفع الإنسان فورا من عاديته أو هو في عاديته - إلى الجوهر الصافي والساحر للعالم.‏‏

ولو تتبعنا الشعر العظيم في التاريخ لوجدنا جميعه يضمر هذه الخصلة من بوشكين إلى لوركا إلى رامبو إلى بودلير حيث الغنائية هنا عند بودلير تسكن اللألأة والوضاءة الكلية للقصيدة ثم محمود درويش حيث الغنائية تسكن الإيقاع وصولا إلى أمجد ناصر الشاعر النثري الذي تنفلت غنائيته في قيعان روحه وحالته الوجدانية المصبوبة في المفردات.‏‏

يبقى من نافل القول :إن انتماء "فايز حمدان" لهؤلاء يظل ناقصا فالفرق في المنجز كبير لكنني أحببت أن أثبت أنه يسبح معهم في ذات الينابيع لكنه يسبح في السطح على سبيل اللهو العيشي لم يشأ بعد أن يغطس ليصطاد بعض اللؤلؤات العاصيات المتنمنمات في القاع وبطبيعة الحال فإن هذا لن يأتي بدون شيء من التبذير وأقول التبذير لأني اعتقد أن الشعر يستحق أن يبذل الإنسان والشاعر حياته من أجله "ففايز حمدان" على ما أظن برمجته البيولوجية مؤسسة على البخل.‏‏

عودة