"أحمد داود" أديب الإبداع والتجربة

نورس علي

الأديب "أحمد يوسف داود" يرى أن المتنفس الطبيعي للروح الداخلية التي يعيش خلالها هي أفق التعبير عن الأفكار التي تشغل مخيلته والأجناس والقوالب الأدبية التي يمنحها لها، فمحاكاته لألفاظ متضادة لا رابط بينها رغم تشابهها يخلق ائتلافا ورابطا وثيقا يشعرنا بأن لديه رغبة بتغيير العالم.
موقع  esyriaالتقى بالأديب "أحمد يوسف داود" بتاريخ "5/10/2011" وأجرى معه الحوار التالي:
* ماذا يعني الأدب بالنسبة للأستاذ "أحمد داود"؟
** الأدب والبحث أشعر وأنه من تكويني الشخصي والثقافي الذاتي  فهو مني سواء كان موروثا أم مكتسبا، فهو ردود فعلية تجاه الحياة الواقعية، وأحياناً أعبر عما يجول في خاطري بقصيدة ما فأجدها غير مستوفية لما أردت التعبير عنه  فالجأ إلى كتابتها على شكل رواية، ومنها سير الحب وقضايا الفساد الإمبريالية.
* متى بدأت علاقتك بالكتابة، وما هي العوامل الأساسية التي ساهمت في نشوء وتكوين شخصيتك الأدبية؟
** بدأت منذ الصفوف التعليمية المتوسطة، وكتبت حينها عن أسد سجين ونملة حرة، فأعجبت أستاذي وشجعني على المتابعة وقال لي أتمنى أن تكون من الأدباء اللامعين في بلدنا مستقبلاً، وهذا شجعني كثيراً وشكل دافعا لي، حيث تعلمت كيف أبدأ بأن أكون شاعرا وكاتبا أو حتى باحثا.
* كيف يمكن للأديب أن يتقمص شخصياته الأدبية؟
** بالحقيقة علينا العودة إلى تكوين الإنسان في الواقع، أي إلى ما هو أبعد من كونه عواطف أو عقل، فهناك جذور تضرب نحو الميثولوجيا التي هي أساس الموروث القائم فينا، سواء أخذنا الشعور الجمعي أو ما قبل الشعور الجمعي، فدائماً يوجد غربال لوعي العالم ينسق تمثلاتنا للعالم وليس رد الفعل أو ما يتقمصه هذا الإنسان، فالإنسان غير متقمص للشخصيات، وعندما يصور الأديب بطل في رواية فهو لا يتقمصها، وإنما يتمثل حالة معينة من حالات سمعها أو قرأ عنها أو تخيلها نتيجة خبرة أو معايشة لجو ما، فالكتابة تبدأ من نقطة ما أو نقطتين ومن ثم تتوسع وتخرج إلى مسار لم يخطط له.
* لماذا الأديب هو صرخة المجتمع دوماً؟
** من حق الإنسان أن يكون مكتفي، وعندما يصل إلى مرحلة الاكتفاء الأديب لا يشيد بهذا الاكتفاء وهذا من منطق الأشياء، فإنجاز ما هو إيجابي في الحياة شيء طبيعي وواجب من يقومون بإدارة المجتمع، وعندما يوجد خلل في هذا فمن الواجب تسليط الضوء عليه، لأنه نشاذ  في هذا المجتمع، والجميع يرد عمل إيجابي يصل إلى حالة الاكتفاء، أي الوصول إلى حالة من التوازن بينهم وبين المجتمعات الأخرى، والشعر ألصق بالحياة الوجدانية الداخلية رغم أنه يتطرق إلى أمور هامة ولكن بطريقة مختلفة عما يتطرق فيها إنسان آخر، لأنه متقن للغة وهذا ما يعطي المتلقي إيحاءات وحالات خاصة.
* كيف استطعت تحقيق توافق بين أجناس الأدب المختلفة؟
** "جبران خليل جبران" يقول "قل كلمتك وأمشي". أنا لا اعرف كيف تمت عملية برمجة الأمور في حياتي وتحقيق التوافق بين مختلف الأجناس الأدبية.
 * رواية "الخيول" قراءة في تأريخ للمجتمع، فما سرها؟
** عندما تقرأ مجموعة رواياتي تقرأ تأريخاً للمجتمع السوري ضمن موروث واضح وصريح في مجريات الأيام التي عشناها، فرواية "الخيول" تبدأ من فترة الاستقلال وما قبل ولكنها لا تبدأ بالحقيقة، وما يجري فيها هو انعكاس لما كان يجري في تلك الأيام دون أن يقال هذا بوضوح.
* رواية "فردوس الجنون" صرخة في الموروث المجتمعي الذي يعيد ذاته أحياناً، أرجو توضيح هذا؟
** في هذه الرواية ما جعل الكثيرين يقولون أنني خرقت سقف الرواية العربية، ففيها سخرية وتراث ومفهومات شعبية موجودة  تعود إلى آلاف السنين دون أن تنطق بها، لأنها مستمرة بالوجود وتعيش بنا .
* الشعر مرتبط بالبيئة والمجتمع والواقع، فمتى يفقد الشعر هذا الدور؟
** الشعر مرتبط بالذات وموقفها من المهمة، أي مرتبط بعمق الذات فينا وموقفها الانفعالي من العالم، أي كيف يستجيب الإنسان لحالة معينة من خلال إطار عاطفي، ليس عاطفيا تجاه امرأة مثلاً، فيمكن أن أعطيك قصيدة عن طفولتي وحتى الآن وليس فيها المرأة وأنوثتها وعشقها، ولكن فيها ذكرياتي وأحلامي وهي ألصق بذاتي وتعطيك الأفق الاجتماعي، أي أفق التحولات الاجتماعية في قرية صغيرة تبدو عنوان للعالم.
* كيف تفهم الالتزام بالشعر؟
** أنا شخص أؤمن بأن هذه الأمة هي التي أسست الحضارة ومنها استمد العالم بكل ما للعربية من ثقل وامتداد في التاريخ، طبعاً هناك نظام لغوي بدأ مع تكون هذه الحضارة التي أسسها العرب دون سابقة عليها، بينما لا نجد حضارة أخرى تأسست قبل العرب، ومن هنا بدأ الالتزام.
* البعض يقول أن الشعر النثري لا موسيقا له؟
** من يكتب الشعر يجب أن يكون متمكنا من فهم اللغة العربية وفقه العربية وعلم اللغات، فاللغة العربية مختلفة، والعرب عندما وضعوا دراسات في فقه اللغة صنفوا سلاسل من الألفاظ الكثيرة التي لها مدلولات متقاربة وهي غير الاشتقاقات السبعة من الفعل والمصدر، ففقه اللغة يحيلك إلى مسألة هي أن اللغة العربية هي لغة مموثقة داخلية، أي أن هناك أحرفا لا تجتمع مع أحرف أخرى في اللغة العربية لأنها تشكل نشاذ اعلى الأذن، إضافة إلى أن هناك خبرة طويلة وهائلة تمتد إلى حوالي /3500/ سنة قبل الميلاد زائد /2000/ بعد الميلاد في الاستعمال اللغوي، حيث بدأ البناء اللغوي العربي محملا بالأبعاد الدينية، وهنا تقع مجازات اللغة ومن لا يستطيع فهم هذا لا يستطيع أن يكتب قصيدة النثر، فهي ليست مجرد كلمات وإنما هي بناء كامل، فعندما أريد وصف غرفتي مثلاً بقصيدة فعلي أن أبدأ بنوع من القرار وأنتهي بنوع من الجواب وكأنما اكتب موسيقا بالألفاظ، إضافة إلى أنه عندما أريد جمع كلمتين متضادتين فيجب البحث عن قاسم مشترك بينهما يكون بمثابة موسيقا ائتلافية.
* كيف ترى تطور الكتابة ونموها معرفياً لديك بين مختلف الأجناس الأدبية التي تكتبها؟
** بالنسبة للدواوين الشعرية اكتملت الأدوات ونضج الإحساس بالإنسان والعالم والطبيعة من حولي، وارتقت العواطف وأدوات اللغة فأصبحت طيعة أكثر بين يديك. أما بالنسبة للنقد والدراسات فلم تتغير رؤيتي بخصوصية اللغة العربية، فهذه الخصوصية تحتاج إلى أيجاد نقد خاص لما ينتج فيها، فالمفردات فيها تتوالد توالداً، لتصبح الجمل الشعرية أكثر قدرة على التعبير والتأثير والإعجاب.
* في أغلب حديثك تحدثت عن اللغة العربية بشكل لافت، فهل يمكننا اعتبار هذه رسالة للمجتمع؟
** أنا أريد أن يهتم الناس بغلتهم لسبب هو أن اللغة هي حامل الهوية، والهوية دين الملكية، فاللغة الفصحى قابلة للتطور في الأداء المثمر للكتابة وليس عبر مجامع اللغة، أنا أقول أن اللغة حامل الهوية والهوية ديناميكية بمعنى أن لها ثوابت موجودة قادرة على امتصاص المعارف الجيدة وإعادة تنسيقها ضمن المنظومة الأساسية التي تتكون منها الهوية، والمعبر عن ذلك اللغة العربية ذاتها. 
* هل يمكن اعتبار الأدب محاكاة للواقع بالنسبة لك، أو أنه أمنيات ومشاعر؟
** الإنتاج الأدبي هو لي ولأي شخص يتعاطى الكتابة، والأدب بالنسبة لي أداء لإظهار تمثلاتي للعالم مشحونة بعواطفي ومواقفي، منها ما شغل العقل أو الميراث الثقافي أو الروح، ودائماً نعود إلى هذه الأصول الميثولوجية . 
* لماذا أدب الأطفال؟
** الكتابة للأطفال بدأت مع مجلة "أسامة" عندما كنت في الطلائع، حيث كان التعامل مباشرة معهم، ونشرت حينها قصص قصيرة وحتى بعدها نشرت حوالي /4/ قصص للأطفال، وبعدها كتبت للفتيان وأخذني هذا الجانب وتابعت به.
* هل لمخزون الطفولة دور في أدب الأديب "أحمد"، وهل كان هذا سببا لتوجهك نحو أدب الأطفال؟
** أنا ممن يأخذون بأفكار "كاليونج" عن الشعور الجمعي وممن يصدقون أيضاً "فرويد" في أهمية دراساته النفسية هو وأتباعه للقص والروايات التي درسها، وأخذ بفكرة فرضيات "كاليونج" عن بنيان النفس الإنسانية، وكيف تتمثل، وكيف تعطي ما يسميه هو النماذج البدئية، فهي تقع في المنطقة المجهولة التي لا يمكن الاقتراب منها، وبعدها يأتي اللاشعور الجمعي وكيف يمتلئ عندنا من خلال التجربة بتمثلات معطيات الشعور الجمعي الكامن فينا، ثم يأتي اللاشعور الخاص وثم الوعي، وأنا أؤمن بأن لكل إنسان شبكة من العقد وهنا لا أعني بالعقد العقد المرضية، فهو مركب من توازنات داخلية تنعكس عند إنسان بغير ما تنعكس عند الآخر، وإنما ينعكس بطريقة تتناسب مع تكوين هذا الفرد.
يشار إلى أن الأديب "أحمد يوسف داود" من مواليد قرية "تخلة" التابعة لمدينة "الدريكيش" عام /1945/، لديه /6/ مجموعات شعرية "حوارية الزمن الأخير" و "القيد البشري" و "قمر لعرس السوسنة" و "أربعون الرماد"  و"مهرجان الأقوال"، وخمس روايات هي "دمشق الجميلة" و "الخيول" و "الأوباش" و "تفاحة الشيطان" و"فردوس الجنون" وكتاب في النقد الشعري صدر في السبعينيات تحت عنوان "لغة الشعر"، إضافة إلى حوالي /12/ مسرحية منشورة وقصص الفتيان، عمل في مجال الإعلام والثقافية لفترة طويلة.