أخبار من صحافة الماضي- مجلة الثقافة-

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة الثقافة في دمشق في نيسان من عام 1933 وكانت مجلة شهرية جامعة تبحث في الأدب والفنون والاجتماع والتاريخ والعلوم والفلسفة، وغايتها نشر الثقافة العامة في بلاد الشرق العربي وهدمة النهضة فيها، كما عرفت عن نفسها، وكانت مجلة مصورة، وضمن (104) صفحات، وقد استمرت لمدة عام واحد، وصدر منها عشرة أعداد فقط.

وقد أسس المجلة وأشرف عليها كل من الأستاذ خليل مردم بك (1895-1959) والدكتور جميل صليبا (1902-1976) والدكتور كاظم الداغستاني (1898-1985) والدكتور كامل عياد (1901-1987) كانت مجلة الثقافة تنشر في كل عدد من أعداده في صفحاته الأخيرة عدة أبواب تنقل أخبار العلم والأدب وكذلك أخبار الكتب والصحف.

نجد في العدد الثامن السنة الأولى الصادر في 31 كانون الثاني عام 1934 في باب (الكتب والصحف) عدة أخبار ثقافية وعلمية في ذلك الوقت، ومن هذه الأخبار ما يلي:

تحت عنوان ( السيد ممدوح الشريف) جاء ما يلي:

(توفي خلال هذا الشهر السيد ممدوح الشريف، نابغة الخطوط العربية عن عمر يناهز الستة والأربعين، وذلك في المستشفى الوطني بدمشق بداء الرئة الذي لم يمهله إلا أياما معدودة.

والمرحوم من عائلة عريقة في المجد إذ ينتسب إلى الشريف عون أحد أشراف مكة وكان أبيا، كريما، تخرج على يديه كثير من الخطاطين، واكتسب الدرجة الأولى الممتازة في مسابقة وزارة المعارف لانتخاب خطاط للمدارس التجهيزية، وإليه يرجع الفضل في تتبع الخطوط القديمة وتصحيح الخط الديواني والكوفي، وكان يجيد مئة وخمسين خطا وقد ترك آثارا فنية قيمة، ونال في حياته الجائزة الأولى الممتازة في الخطوط في معرض الصناعات الوطنية بدمشق عام 1929 كما نال هذه الجائزة من المعرض العربي بفلسطين.

وقد كان مولعا بالخط ولع الفنان بفنه ولا غرو فإن الخط العربي هو من الفنون الجميلة التي لا تقل قيمة عن الفنون الأخرى.)

وتحت عنوان (تحت سماء دمشق) نقرأ ما يلي:

(إذا ذكرنا فقر هذه البلاد في كل شيء، وقلة المناصرة التي يلاقيها أصحاب الفنون، والعراقيل التي تعترض سبيلهم فتمنع تجويد العمل وإتمامه على الوجه المرغوب، وإذا ذكرنا أن دمشق لا تزال بعيدة عن المساهمة في رقي العالم الفني، لا يسعنا إلا التهليل لكل عمل يدرأ عن هذه البلاد وصمة التأخر ولهذا نرحب بالفيلم السينمائي الصوتي الذي أخرجته لأول مرة في تاريخ هذه البلاد شركة (هيلوس فيلم السينمائية السورية) المؤلفة من الشباب المثقف وعلى رأسهم السيدان عطا مكي وفريد جلال.

(تحت سماء دمشق) مأساة تدور حول موضوع اجتماعي يصور حالة الشباب المنغمس في الموبقات حتى الآذان، وآلام المرأة السورية في حياتها الزوجية، إلا أنها ملأى بالوصف الطبيعي لأشهر متنزهات دمشق وشوارعها وحاناتها وهي من حيث الإخراج والتمثيل تستحق المدح لأنها أول ثمرة من نوعها، زد على ذلك الموسيقى التي تبهج القلب.

لقد لحظنا النقص الموجود في أخذ المناظر وترتيبها وتظهيرها ولحظنا ما يثير ختام الرواية من المفاجآت اللذيذة بعد ذلك الانتظار الطويل الممل والحيرة المؤلمة التي تستولي على المشاهد حتى ليكاد أن يغمض عينيه، ولحظنا البرودة في بعض الممثلين، ولكننا نفتقر ذلك وغيره في جانب الجهود الجبارة التي يبذلها القائمون بالرواية والتي تدل على النشاط والإرادة والتضحية، ونأمل أن تتابع شركة هليوس فيلم أعمالها لتكون روايتها الجديدة أكثر اتقانا ورقيا سواء في الإخراج والتمثيل أو انتقاء المواضيع التي توافق النهضة السورية.)

وتحت عنوان (العلم واثبات الطوفان) جاء ما يلي:

(مازال العلم يميل إلى اعتبار كثير من الحوادث الطبيعية والتاريخية المذكورة في الكتب الدينية المقدسة كأساطير بعيدة عن الحقيقة، وهكذا كان الأمر مع الطوفان أيضا، إلا أنه في السنين الأخيرة أخذ بعض علماء طبقات الأرض والجغرافيا الطبيعية يبحثون في حقيقة الطوفان الذي تتكلم الكتب المقدسة عنه.

وقد قامت بعثة أثرية انكليزية في سنة 1928بحفريات لهذه الغاية في العراق فعثرت في عمق ستة أمتار عن سطح الأرض على طبقة من الوحل تمتد إلى مسافة بعيدة، ويمكن أن يستدل من وجود هذه الطبقة على أنها من آثار كارثة طبيعية تنتج عنها فيضان المياه فوق سطح الأرض.

ومنذ ذلك الوقت كثرت مثل هذه الحفريات في محلات أخرى أيضا بالقرب من مدينة (أور) القديمة حيث عثرت البعثة الألمانية أخيرا على طبقة من الوحل تحت الأرض.

ولذلك فإن العلماء يرجحون اليوم القول أن هذه الآثار ليست سوى نتيجة للكوارث الطبيعية المذكورة في الكتب المقدسة.

ومما يؤكد هذا الرأي الأنقاض والآثار نفسها التي تكشف عنها الحفريات، فإن بقايا الأبنية تحت طبقة الوحل تختلف كل الاختلاف عن الآثار الموجودة فوق هذه الطبقة.

ومعنى ذلك أن الطوفان يفصل بين شعوب لا تربطها أية صلة بعضها مع بعض، فقد انقرضت بالطوفان أقوام خلفها غيرها فيما بعد، ويقدر العلماء بأن الطوفان قد حدث سنة (3000) قبل الميلاد).

ونقرأ تحت عنوان (نسبة عدد الذكور إلى الإناث) ما يلي:

(تدل مباحث العلماء على أن نسبة عدد الذكور إلى الإناث ليست ناشئة عن المصادفة والاتفاق بل هي خاضعة لقانون طبيعي قد أثبتت الإحصاءات أن عدد الذكور في البلاد المتمدنة يزداد بصورة تدريجية فيقابل كل (100) فتاة (106) صبيان إلا أن هذه النسبة لا تنطبق على فرنسة لأن عدد الذكور فيها أميل إلى التناقص منه إلى الزيادة، ولا شك أن نسبة المواليد تابعة أيضا للشروط الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في صحة الوالدين، ومن أغرب ما دلت عليه الإحصاءات أيضا أن عدد الصبيان قد ازداد أثناء الحرب العامة في الممالك المتحاربة وقد ازداد أثناء الحروب السابقة، حتى لقد زعم (ف. سارفونيان) أن زيادة عدد المواليد في الذكور ناشئة عن غياب الأزواج الطويل كان الطبيعة تريد أن تبلغ غايتها فإذا مات الذكور في الحرب صار مواليد الصبيان أكثر من مواليد البنات)