"أيمن السليم": العمل التشكيلي مكافأة للذات

نورس علي

(الفن هو نوع من الرقي الاجتماعي والتنوع الفكري وهو بمجمل مكنوناته حالة صحية يجب العمل بها لتنشيط الرؤى والأفكار.

كنت أنظر إلى جوانب الحياة من منظور يختلف عما يتلقاه من بقية أقراني من الأطفال، مما دفعني للتعبير عن رؤاي بمزج الألوان وتنسيقها على أوراقي لأشارك بها في أنشطة ومسابقات الطلائع وبعدها الشبيبة لتمتد بعدها إلى مهرجان ومسابقة الشيخ "صالح العلي" ومهرجان ومسابقة "يوسف العظمة".)

هذا ماقاله  الفنان "أيمن السليم" لموقع eCal خلال الحوار الذي أجريناه معه بتاريخ "24/10/2011":    

* بما أن الموهبة بدأت مبكرة لديك فهذا يعني أنها كانت حافلة بالأعمال، فكيف ترى حالياً تلك الأعمال؟

** بصراحة أنا ممن يعتزون كثيراً بالماضي الخاص بهم بشكل كبير وهذا طبع ذاتي، لذلك يمكنني القول أني فخور بكل انجازاتي في تلك المرحلة السابقة، وهذا ما يجعلني أقرؤها بكل حب وشغف، حيث تكاد عيني لا تمل من التأمل بها، فهي لي كالمولود الذي أصبح شاباً حيث لا يمكن نسيان فترة طفولته أبداً.

في فترة الطفولة ومع بدايات ظهور موهبتي كنت أجلس في صيدلية والدي وأمسك بيدي القلم والورقة وأرسم كل من يدخل إلى الصيدلية خلال فترة قصيرة جداً لأسلم الرسمة لصاحبها قبل أن يغادر فيرى فيها أدق التفاصيل.

 

* بما أنك تحدثت عن تطور التجربة فهل تعتبر أن موهبتك أنهت مراحل نموها وأصبحت ناضجة؟

** هنا يمكن القول والتوضيح لأمر مهم جداً وهو أن الفنان لا يملك القدرة على تقييم أعماله من حيث الإنتاج وتطور المراحل التي مر عليها، وإنما هو في صدد تقييم فكره وكيف بدأ يتعامل مع الأفكار التي تخلط  ذهنه العملي، لأن الاحتكاك المستمر يجعلك على تواصل عبر اللاوعي المباشر مع المراحل كافة، كما يحدث في حال تربية الأولاد حيث يسعد الوالد بالتعليق الذي يتلقاه على نضج أبنائه وهو غير منتبه للأمر بشكل مباشر، وهذا ما يحدث في الفن، فالآخر هو المتلقي المتابع هنا لأنه الأقدر على تقييم نضوج الموهبة.

* كيف تقرأ معطيات لوحاتك على سطوحها الغرافيكية، وفي أي المدارس الفنية تصنفها؟

** أبحث في أعمالي عن الدقة لأصغر التفاصيل، وهذا ما جعلني ميالا للدخول في خضم المدرسة الواقعية التي تعنى بالدقة لتدل على الموهبة منذ البدايات، فأنا أعتقد أن الهاوي المبتدأ من المدرسة الواقعية الكلاسيكية يبقى في تطور ملحوظ بأعماله وموهبته، وهنا لا يمكن جعل ما أعتقده مقياسا للمنتمين إلى بقية المدارس الفنية.

كثيرا ما أصور في أعمالي الشخصيات الواقعية ذات الفضل على المجتمع، وهذا نابع بحسب توصيفي من إيماني بدور "المؤرشفين القدامى للتاريخ" الذين جسدوا لنا صورا وأعمالا لشخصيات أبدعت بما توصلوا إليه من علوم ومعارف وتاريخ حافل وحضارة وعراقة.

* من يعمل على أدق التفاصيل في أعماله فهذا يعني أنه يقصد محاكاتها فلسفياً، فما هي رؤيتك الفلسفية للعمل؟

** أنا أؤكد هذا التوصيف، لأنه وخلال العمل يدخل الفنان في حالة من اللاوعي الشعوري الذي يدخله في غياهب العمل فيرى فيه ما لا يحتمل أحد غيره رؤيته، فمخاض الولادة ينمي الحس الشعوري بالعمل فترى الفنان يحاول تلمس العمل بروحه قبل حواسه.

* ما أهمية أن تكون الموهبة موروثه لدى الفنان؟

** في الرابعة عشرة من عمري قدمت عملا فنيا تشكيليا للوحة بطول خمسة أمتار هي بمثابة بروشور عرض فيلمين سينمائيين في إحدى صالات العرض التي كانت متوفرة في المحافظة، وكانت هذه اللوحة هي الأولى من نوعها في المحافظة من حيث الطول والدقة في بنيتها التشكيلي، طبعاً أنا أؤكد أن ما قدمته في تلك الفترة لم يكن سوى موهبة موروثه بدأت بالاتقاد، ولكن هذا لا يعني أن الموهبة قد تكفي لنجاح الفنان واستمراريته في الحياة الفنية المهنية.

 

* هل البدء بالعمل الفني تشكيلياً كان أم نحتيا يحتاج إلى مقدمات أو مدلولات نفسية لديك؟

** لا يمكن لأي فنان تقديم عمل فني وفق الخط الفني الذي يلتزم به إلا عند نضوج الفكرة في اللاوعي من خلال إيقاعات لونية أو سيمفونية لونية من خلال التجريد البعيد عن الأشكال، فالتوزيع اللوني هو ما يفرض نفسه ضمن اللوحة عند النضوج، فتراها مميزة وتوحي بالقالب المناسب بها.

* كيف ظهرالموروث الثقافي والاجتماعي ضمن أعمالك الفنية؟

** إن الإطلاع الجيد على التاريخ الحافل بالعراقة والفائدة للمجتمعات جعل من مخزوني الفكري حافزا لتحريض الرؤى والأفكار الخاصة بهذا الجانب المشرق الذي لا يجب أن يُخفى على أحد، فعلى الجميع توصيفه وفق وجهة نظره وعمله،

فمن خلال العمل النحتي قدمت مثلاً مجسما للشيخ الجليل والقائد الثوري المجاهد "صالح العلي" كرمز من رموز الثورة السورية، إضافة إلى توجهي نحو توصيف الحضارة والعراقة التي كانت منبعا ينهل منه الجميع في المنطقة والعالم من خلال التشكيل الفني "للمعبد الفينيقي" في مدينة "عمريت" الأثرية، وهذا ما اعتبره رسالة خاصة بي وبكل فنان سوري.

* أي من أجناس أعمالك أقرب إليك، التشكيل أم النحت؟

** إن الرسم التشكيلي والنحت بمختلف أنواعه يندرجان في خانة الفن التشكيلي، إذاً هما وجهان لعملية واحدة، وأنا أرى أن كل رسام هو نحات حقيقي وكل نحات هو رسام بالفطرة، فكلاهما شيء من ذاتي.

* ما دور الملتقيات النحتية في الحياة المهنية للفنان حسب رأيك؟

** من خلال مشاركاتي في عدة ملتقيات فنية تطورت مهاراتي وازدادت خبرتي وتوسعت أفاق الرؤى الفنية التي كنت أملكها، فالتحاور فيما بين الفنانين هو بمثابة تعليم أكاديمي يتلقاه الموهوب من المختصين.

* أنت ابن "طرطوس" الساحلية ففيها تاريخك ونشأتك وذكرياتك، كيف ترسمها في لوحاتك وأعمالك النحتية ؟

** البحر ذاخر بالجمال والعطاء، وهو ملهم لأغلب الفنانين في "طرطوس"، وكل شيء عظيم وجميل يُشبه وفق نظرنا بالبحر، وقد يستحوذ على عدة تشبيهات لتشعب مكنوناته ومدخراته وصفاته، فأنا والبحر صديقان وهو حاضر موجود في أغلب أعمالي ولو حتى في لون زرقته، لأن العلاقة البصرية والمباشرة بيني وبينه هي برأيي محفزة للمخزون الفكري المتجدد بتجدد أيام السنة، ومن دونها يتوقف اللون لدي.  

* كلمة أخيرة للفنان؟

 أتمنى أن يدخل العنصر الفني عبر فنانين تشكيليين في المخططات التنظيمية التي توضع للمدن والمحافظات، فلو تم هذا في مدينة "طرطوس" سابقاً لكنا زدنا هذه المدينة الساحلية جمالاً وبكافة المقاييس، حيث تشاهد البحر والشاطئ كيفما تجولت في شوارعها.

 

 

يشار إلى أن الفنان "أيمن السليم" من مواليد حمص عام /1962/ ومقيم في محافظة "طرطوس" منذ زمن بعيد.