"إبراهيم الجبين" : الواقع يفهم لغةً مختلفةً ومتأخرةً عن لغة المبدع

ربما إذا أردنا التعريف بـ "إبراهيم الجبين" بالطريقة التقليدية، أي من خلال ذكر تفاصيل حياته الأدبية واستعراض نتاجه الثقافي، سنحتاج إلى مساحة كبيرة جداً، فهو الشاعر والصحفي والكاتب والقاص والروائي والسيناريست التلفزيوني والسينمائي، والمؤسس والمشارك في تأسيس أكثر من صحيفة، وله الكثير من الأعمال المنشورة. لذا سنترك هذه المهمة للخاتمة.

ومؤخراً، فاز الفيلم الوثائقي (مطموراً تحت غبار الآخرين) وهو فكرة ونص "الجبين"، وإخراج "علي سفر"، وإنتاج الفضائية السورية، بجائزة الإبداع الذهبية في مهرجان القاهرة للإعلام، من بين أكثر من ستمائة فيلم وثائقي قدمت في المهرجان، مع العلم أن (مطموراً تحت غبار الآخرين) هو التعاون الأول بين "الجبين" والتلفزيون السوري.

مراسل موقعeDair-alzor أجرى مع "الجبين" بتاريخ 23/11/2008 حواراً، للتعريف من خلاله على قصة وشخصية الفيلم

.

عن الفيلم قال "الجبين":

«يتحدث الفيلم الذي يمتد على مدى 31 دقيقة، عن الشاعر السوري "إسماعيل العامود"، وصوّر في مسقط رأسه في بلدة "سلمية" السورية.

يتحدث عن حياة وتقلبات أحد رواد الشعر السوري الحديث المولود في العام 1928 والذي كان من أوائل الذين اجترؤوا على كتابة القصيدة الحديثة (قصيدة النثر) في أربعينيات القرن العشرين.

يبدأ الفيلم بمحاورة بين مجدد آخر سابق للعامود هو الدكتور "طه حسين" ورئيس نيابة مصر "محمد نور" الذي أجرى التحقيق مع عميد الأدب العربي، حول كتابه في الشعر الجاهلي، وقام بمساءلته مسائلة ثقافية حول أفكاره التي وردت في الكتاب، وحول نقضه لنظرية الشعر الجاهلي واللغة الجاهلية التي لم تتغيّر والتي لم يطرأ عليها أي تبديل..!

البداية هي مدخل للحديث عن التجديد في الشعر واللغة، بعدها يبدأ سرد تفاصيل حياة العامود والبيئات التي عاش فيها، والتي تأثر بسكانها وكتابها، وعن المنابع التي استقى منها معرفته وكيف قام بإدارة موهبته».

وأضاف:  للفيلم آراءه النزقة والحادة حول الشعر والشعراء، ويشرح مراده من الكتابة، وجدواها في حياته، ويتحدث عن رفاق طريقه في سنوات التجديد "أدونيس و الماغوط" وغيرهما  كما يمر فيه حديث قصيدة النثر السورية وتطورها وشخوصها، وكيف أثرت مجلة "شعر" في الجيل، وكيف اختلف عنها العامود ومعها، وكذلك من تلاه من شعراء سورية في العقود التالية».

*ما سب اختيارك لهذا الشاعر بالذات؟ هل لأن تجربته الشعرية تستحق الدخول في تفاصيلها؟ أم لمجرد أنه اسم غير معروف – بالنسبة لغير المختصين والمتابعين طبعاً – وسيلاقي تناوله في فيلم صدى جيداً؟

**لم يكن اختيار الشاعر "إسماعيل العامود" اعتباطياً، ولكنه مفتاح للحديث عن الإنسان السوري، الذي يجب الالتفات إليه كصانع للكثير من الإنجازات المحلية والعربية وربما العالمية، بحيث أننا نمتلك ما لا نتحدث، ونتحدث عما لا نمتلكه، وإسماعيل العامود شاعر ولد في العام 1928 ونشر أول قصائده في العام 1946 وكانت من قصائد النثر، أي في الوقت الذي لم يكن هدير صدمات "نازك الملائكة والسياب والبياتي" قد هدأ بعد، وهم عملوا على قصيدة التفعيلة، فجاءت قصيدة إسماعيل النثرية وقتها رائدة ومبشرة، بما كان كفراً وتجديفاً في أعراف النقاد وشعراء الكتابة التقليدية، أما "العامود" فكان معبراً لي نحو الحديث عن القصيدة والشعر، وهو موضوع لم يعد جذاباً أو هو بالأساس كذلك، بالنسبة إلى المشاهدين الذي يجتمعون على شاشة تلفزيونية تعرض فيلماً ما، أما وقد صار موضوعنا هو الشعر، فقد أصبح من واجبنا أن نصنع مادة بصرية متفوقة، تشد المشاهدين، وتحقق الغرض المرجو منها، وهذا ما حصل.

*  اسم الفيلم لافت.. لكن من هم (الآخرين)؟ هل تقصد الجمهور، أم بعض الشعراء من الذين ذكرت بأنه سبقهم إلى كتابة قصيدة النثر؟

**الآخرون يا عزيزي، هم نحن جميعاً، المعروفون منا والمغمورون، الصاخبون وأصحاب السكتات الطويلة، المنتبهون والغافلون، لأنني شخصياً كنت أتعثر باسم "إسماعيل العامود"، بين السنة والأخرى، في مقالات لنقاد وكتاب مهمين، مثل "أدونيس" وغيره، ممن رصدوا تطوّر الشعر ومساره، ولم أكن أعرف عنه شيئاً لا هو ولا تجربته، فكان الفيلم امتداداً للبحث عن إجابة لتلك الأسئلة، من هو؟ وما هو ملفه؟ وما هي قيمته؟ ومع ذلك لم أحاول أنا ولا المخرج الصديق "علي سفر" أن نجيب على تلك الأسئلة في داخل الفيلم، بل كان الهدف أن تستمر الأسئلة وأن يتشارك معنا الجمهور بها.

* ما هو سبب اختيارك لهذه المقدمة (التحقيق مع طه حسين)؟ وما مدى انطباق هذا الإسقاط على الواقع الثقافي الحالي؟

**موضوع التحقيق مع الدكتور "طه حسين"، عميد الأدب العربي، والعبقري الفذة، في فهم وقراءة التاريخ، موضوع مختلف، فهو ليس من اهتماماتي الآن فقط، بل إنني عملت عليه ونشرت أجزاء من تحقيق رئيس نيابة مصر معه، في كتابي (لغة محمد) قبل سنوات، وأردت تناوله، من زاوية مختلفة، هذه المرة، أو من زوايا مختلفة إذا أحببت، فهو في الفيلم، مجرد إشارة، علامة، وصورة عابرة، تقول إن تجديداً ما كان يطرأ على الثقافة العربية وقتها، (القاهرة 1926) ..أي قبل ولادة إسماعيل العامود بسنتين فقط، في الوقت الذي كان دمشق تمور بمثقفيها وكتابها وصحفييها وشعرائها وأدبائها، إذا شئت أن ترى الأمر إسقاطاً على الواقع، فهو مثال حي، يصلح لكل زمان ومكان، في الماضي والحاضر وعندنا وعند غيرنا، من "غاليلو غاليلي ودافنشي" حتى "السهروردي والحلاج وطه حسين وحيدر حيدر" وآخرين....فالواقع يفهم (لغة مختلفة متأخرة) عن لغة المجدد والمبدع، ولذلك قالوا فلان يسبق عصره، أما الواقع الثقافي الحالي، فهو دائماً بخير، إذا كان يتحرك وتنبض فيه الحياة.

* ما هو عدد الأفلام الوثائقية التي شاركت في المهرجان؟

**هناك أفلام كثيرة بالعشرات، أما الأعمال جميعها فهو تفوق الستمائة عمل.منها ما هو سياسي وكوميدي واجتماعي وثوري وغيره، واللافت هو اختيار فيلم، عن الشعر، وعن قصيدة النثر، هذا هو اللافت، والمختلف، فقصيدة النثر ما تزال حقل خلاف، واختلاف، وسجال، وتبحث عن شرعيتها هنا وهناك....وأن يجمع النقاد على اعتبار أن فيلماً ما هو مهم مع أنه يتحدث عن قصيدة النثر، فهو انتصار للموضوع، علاوة على الصورة الرائعة التي شارك بها المخرج علي سفر، ولذلك استحق العمل جائزة الإبداع الذهبية لأحسن إخراج.

*هل من الممكن أن نرى أو نقرأ قريباً لـ "إبراهيم الجبين" عن أحد (المطمورين) من أبناء "دير الزور"؟

**هل يوجد مطمورون في "دير الزور"؟! تعبير مطمور لا يستعمل في "دير الزور" إلا بصيغة فعل الأمر لكل تجديد يحصل ما بين الفئات المختلفة، ولذلك فلا يوجد مطمورون ولكن (طامرون) ...طبعاً أقصد ثقافياً واجتماعياً وإبداعياً وعلمياً ورياضياً ..إلخ فقط!!!

أما إذا شئت أن تسمع جواباً مختلفاً فهو أنني أبحث عن أولئك الذين لم يقبلوا الدفن تحت الغبار، ولم يبحثوا عن الضوء، باللهاث الرخيص، ليت "الفراتي" كان حياً...وليت "عبد القادر عياش" بيننا الآن!!

*ما هي رسالتك في هذا الفيلم؟ وهل تعتقد أنها وصلت؟

*رسالة الفيلم كما قلت، ليست رسالة عريضة، ولكنها واسعة جداً ورحبة، وطامعة، ومطلبها كبير، أن نتشارك من أجل الإنسان السوري، لإظهاره، وإبراز منجزه، لأنه يستحق ذلك، ولأنه جدير بذلك، ولأنه لا يملك من يؤدي له هذا الدور غيرنا، فأهل لبنان مشغولون بأناسهم ـ مع أن معظمهم مستعار من سورية! ـ وأهل العراق يقولون : إن الشعر عراقي!! ومصر تخرّج كل عقد من الزمان (أميراً للشعر العربي) حتى لو لم يكن يتقن فك الحرف العربي..وإنساننا نبقيه معلباً داخل صناديق العقد، والترهات، والإهمال، وصعوبة الحياة....الرسالة وصلت نعم...وتصل كل يوم، وسنعمل ـ مع الجميع ـ  على أن تصل...يكفي أننا اكتشفنا بطلاً هاماً وجديداً هو التلفزيون السوري، الذي ينفتح علينا، ويقبل ما نقدمه من أفكار، لا تهدف إلى التكسّب المادي، ولا إلى الشهرة، ولكن إلى ضربات لونية مختلفة، وإلى إضافات لنا جميعاً.

*كيف هو العمل مع المخرجين؟!

** العمل مع المخرجين متعب ..ولكن العمل مع صديق في صيغة الشركة والتآلف أمر آخر..فالصديق "علي سفر"، شاعر إضافة إلى كونه مخرجاً، مما أعطى العمل نكهة خاصة، وإضافة نوعية، وروحاً خلاقة.

*بماذا تحب أن تختم؟

**أختم بأن ما نفعله ليس جديداً وليس عبقرياً، ولكنه إضافة، ودعوة لإنجاز أعمال من هذا النوع، أعمال راقية، تحصد إعجاب الآخر، خارج دوائرنا الضيقة، لأن المردود هو لنا جميعاً، للسوريين كلهم، وللدولة التي نراها الآن ضرورة، وحاجة من حاجات الوعي الفردي، دون أن يستمر بالنظر إليها كأم يبكي أمامها كي ترضعه، بل أن يتباهى بها ويقدم لها ما تتباهى هي به، منجزه الشخصي كمواطن وفرد يحمل هوية

 

"يذكر أن الجبين" عضو اتحاد الكتاب العرب، وعضو اتحاد الصحفيين، وله:

برنامج "علامة فارقة" إعداد وتقديم ـ القناة الفضائية السورية.

برنامج "أهل الرأي" إعداد وتقديم ـ لقناة الرأي الإخبارية السياسية الفضائية السورية.

برنامج "شارع الثقافة" إعداد وتقديم ـ لقناة الرأي الإخبارية السياسية الفضائية.

المشرف العام على موقع "من دمشق" www.mendemashq.com (جريدة إلكترونية سورية مستقلة) ـ 2008.

"يوميات يهودي من دمشق"  رواية.

"البراري" ـ نصوص شعرية.

جريدة "المبكي" السورية أسسها وأدار تحريرها من العدد صفر وحتى العدد 14 ـ دمشق ـ 2005.

"يعبر اليم"  كتاب و مختبر لغوي ـ شعري ـ سردي.

"لغة محمد" وهو دراسة في تفكيك لغة وألفاظ النبي محمد وتوثيق الأسانيد.

جريدة  "الاتجاه الآخر" شغل منصب نائب رئيس التحرير.

"أسامة بن لادن في سورية"، فيلم وثائقي ـ من إخراج المخرج السوري نبيل المالح ـ ساعتان وعشر دقائق.(الفكرة والمادة البحثية والوثائقية والتحليل والتقديم للجبين).

جريدة "الدومري" السورية ـ ساهم في التأسيس الفعلي المهني للجريدة وشغل منصب سكرتير تحريرها من العدد 1 وحتى العدد 42.

"خطر" فيلم سينمائي درامي ـ كتب القصة والسيناريو والحوارـ ثلاث ساعات.

"سارة والشيطان" مسلسل تلفزيوني من 34 حلقة ـ كتب القصة والسيناريو والحوار.

يكتب في الصحف العربية والمحلية منذ أواسط الثمانينات