"إميلي فرح" : أقدم في الخزف ما ينسجم مع رؤيتي وبحثي

علاء الجمال

"إميلي فرح" خزافة سورية، عرفت بوفائها لفن الخزف وهيامها ببعده الجمالي.

 في بدايتها عانت كثيراً من صعوبات العمل إلا أنها أبدت تصميماً وعناداً حول إبراز وتصعيد هذا الفن والترويج له عالمياً من خلال حركة السياح المقيمين والوافدين إلى "سورية" وعبر مشاركات شخصية لها في أكثر من معرض شخصي وجماعي، وبات يشهد لها هذا التوجه والإهتمام في "دمشق" بفن له عراقته وقدمه في الحضارات الإنسانية.        

eSyeria calendar كان له هذا اللقاء العلمي والتوضيحي لجماليات وأبعاد فن الخزف… مع السيدة "إميلي فرح"، وذلك أثناء زيارتها بتاريخ 28/4/2009 في مقر عملها في "التكية السليمانية" ـ "دمشق".

* دعينا بداية نتحدث عن حياتك الفنية في مجال الخزف؟

** بعد تخرجي من كلية الفنون الجميلة ـ قسم (العمارة الداخلية) عملت لفترة في مجال التصميم الداخلي، لأنتسب بعد ذلك إلى مركز "أدهم إسماعيل" للفنون التطبيقية قسم (الخزف الفني)، ووجدت أن هذا التخصص ينسجم مع تطلعاتي الفنية والجمالية، فسافرت إلى مدينة "ليموج ـ فرنسا" لمتابعة بحثي، حيث تعتبرهذه المدينة مشهورة عالمياً في صناعة البورسلان وتحوي مدرسة تخصصية بعلم الخزف،  وبعد إنهاء دراستي عدت إلى "سورية" لأمارس الفن بالشكل العملي والأمثل

أما دراستي في المركز فقد كنت خلالها أهوى الأشكال الخزفية البسيطة غير المعقدة لأن الخزف هو لون وليس حجم فقط، فكان إهتمامي كبيراً بتبسيط الشكل الخزفي وطريقة تلوينه حتى يأخذ القدر الأكبر من القيمة الجمالية، وأحياناً كنت أنظر إلى القطع التي عملتها سابقاً فأجد أسلوبي ما زال في خط واحد إلا أن طريقة معالجة القطع صارت أنضج ومتجانسة أكثر مع اللون.

غالباً ما يقال لي: «أنت ملونة جيدة» وهذا يسرني كخزافة، وعموماً أعمل في الخزف ما يستهوي بحثي وينسجم مع رغباتي الشخصية

 

* كيف تنظرين إلى جماليات الخزف الشرقي قديماً وحديثاً؟

** يعتقد الناس أن فن الخزف الشرقي هو الزخارف الهندسية البنائية المكررة، وإن عدنا إلى المتحف الوطني في "دمشق" وإلى قسم الخزف السوري بالتحديد سوف نجده أكثر حداثة من الفن الحديث سواءً في بساطته التشكيلية والزخرفية وحتى ألوانه فنرى أن عجينة القطع ليس فيها تكلف أو عبثية بل هي على طبيعتها تعبر عن الحقبة الزمنية التي وجدت بها، من هنا قررت أن أتبع ذات الأسلوب من حيث الزخرفة والتبسيط.

ونرى مع تقدم العصر كيف أن الخزف تطور من صنع الأواني الإستعمالية إلى التطبيق الفني ليدخل في مجال الإكساء الداخلي للمنازل وفي واجهات المساجد والقصور. يؤسفني أن أقول إننا في "سورية" ما زلنا نصعد الخطوة الأولى فيه على عكس "العراق" التي أشتهرت به كفن وتطبيق.

لقد جذبني الخزف بمختلف أنواعه، وفي مرسمي أعمل على الأدوات التي نستعملها يومياً مثل فاز الأزهار، كأس، برواز، لوائح مزخرفة، وعلى الرغم من بساطة أشكالها إلا أنها سهلة التصريف ولها إنجذاب من قبل السائح.

* هل لك أن توضحي لنا أسلوب تحضير العمل الخزفي؟

** نأتي في البداية بمادة الصلصال، وهي تراب من نوعية خاصة نجلبه من الطبيعة ونطحنه بشكل ناعم جداً ونضيف إليه الماء ثم ننخله بمناخل دقيقة لتنقيته من الشوائب ثم نعيد تنشيفه على ألواح جصية ليصبح عجينة قابلة للتشكيل بواسطة الدولاب أو يدوياً أو بالقوالب، وبعد تشكيله ينشف ويشوى في فرن خاص حرارته تتراوح ما بين / 800 ـ 1300/ حسب نوع الطينة المستعملة فيصبح ما يعرف بالفخار.

نأخذ قطع الفخار ونطليها بطبقة زجاجية، عبارة عن زجاج مطحون بشكل ناعم جداً مضاف إليه الماء والأكاسيد المعدنية مثل أكسيد النحاس والكوبالت… حتى يأخذ اللون المطلوب، وطرق وضع طبقة الزجاج على الفخار تطبق على ثلاث طرق: بخ، أو تغطيس، أو تلوين بالريشة، وصعوبة هذه الألوان أنها عند تطبيقها تكون مختلفة في مرحلة ما قبل الشوي عما هي بعده، وهذا يتطلب تجارب كبيرة للوصول للجمالية المطلوبة.

* لماذا تميلين في عملك الخزفي إلى التشكيلات الطويلة العنق ذات الإنسياب الطولي الضيق؟

** أحببت الشكل الطويل للعمل الخزفي لأنه يمنحني مساحة أكبر في حركة اللون الذي أسعى به إلى التمييز، كما أن الإنسياب الطولي الضيق للقطعة أعتبره موديل إبتكاري وشخصي، علماً أن معظم الألوان والأشكال الخزفية أنتجت سابقاً محلياً وعالمياً أي أنها باتت متاحة ومحققة لمعظم الخزافين الذين يركزون في أعمالهم على التبسيط. "اليابان" مثلاً أشتهرت بذلك وأكثر خزافيها يعملون على الأشكال العادية والبسيطة، واختياري العفوي لهذه التشكيلات أتى أيضاً من خلال زيارتي إلى متحف "اللوفر" ـ "فرنسا" فقد رأيت ضمن جناح الآثار السورية قطع خزف غاية في البساطة والجمال شكلاً ولوناً، وتركيزي الرئيسي هو بالألوان التي أصبحت متميزة بها وبتداخلاتها المنسجمة مع بعضها ومع الشكل المطبق عليه.

* الزخارف التي تتناولينها إشارات بصرية بعيدة الرؤية، وخاصة الدائرة ذات الحلقات المتداخلة المنطلقة من نقطة واحدة في المنتصف، هل لك أن توضحي دلالات الرموز التي تزخرفين بها؟

** لو عدنا إلى التاريخ لرأينا أن كل الحضارات القديمة تناولت زخارف خزفية مذهلة، وما أصنعه أنا على أعمالي لا أعتبره إبداعاً وإنما زخرفة بسيطة تصل بي إلى رؤية بصرية جميلة غير معقدة. أما الدائرة المتداخلة ذات الحلقات المنطلقة من نقطة واحدة في المنتصف فهي رمز له دلالات وأبعاد عظيمة لم أكن أدرك حجمها سابقاًإلى أن التقيت باحثاً في علم الطاقة الحيوية، وقال لي: «أرسمي الرمز الدائري داخل الكأس حتى يظهر تأثير مجاله الحيوي »، ثم التقيت بباحثة  مختصة بنفس المجال أيضاً وتحدثت عن أبعاد الرمز ومامعنى الدائرة ذات الحلقات المتداخلة وأنها المفتاح الكوني لعلوم الطاقة.

* ألا تميلين إلى النحت في مادة الصلصال؟

** راودتني في الآونة الأخيرة أفكار نحتية مختلفة بمادة الصلصال تحتاج إلى مباشرة العمل، ولا أخفي نيتي خلال الفترة القادمة بالتفرغ لهذا المشروع، وأود القول هنا: أن النحت الخزفي يجمع بين النحت والرسم، لذلك مسألة اللون فيه أمر معقد وبالغ الصعوبة، فهناك نحاتين كثر عملوا نحتاً في الصلصال وعجزوا عن تلوين أعمالهم خوفاً من أن تفقد طاقتها الروحية والجمالية، وكوني ملونة جيدة فلا أعرف كيف ستبدو أعمالي النحتية بعد إدخال اللون عليها، وهل ستنسجم مع روحي، وتحقق جزءاً من تطلعاتي. وأود أن أشير إلى أن الخزف أصبح له تشعبات كثيرة مثل القيشاني والفسيفساء والنحت الخزفي حتى أنه دخل في مجال تصميم المركبات الفضائية.  

* أقيم منذ أشهر في خان "أسعد باشا العظم" معرض عالمي للخزف الفني القديم المستقدم من أحد المتاحف في "بريطانيا"، كيف وجدت هذا المعرض، والبادرة ككل؟

** المعرض يحدث للمرة الأولى في "دمشق" وهو بادرة عظيمة من السيدة "أسماء الأسد" التي تستحق كل الثناء والتقدير عليها، إنها ظاهرة  جدّ هامة من الجانب السياحي والحضاري والتثقيفي والتعريفي بفن الخزف. إنها معرض كامل لأثمن التحف الخزفية في متحف "بريطانيا" العائدة إلى أحقاب مختلفة من التاريخ بدءاً بالفراعنة وانتهاءً بالعصر الحديث، وضمت إليها قطع فنية من المتحف الوطني في "دمشق" طيلة أيام العرض التي استمرت حتى ثلاثين يوماً.

وحظي كان كبيراً بزيارة المعرض ورؤيتي لأعمال لم أرها سابقاً إلا في الصور التوثيقية والكتالوجات، وأعتقد أني من القلائل الذين أحسوا بقيمة هذه الأعمال وفهم خصوصيتها وطريقة عملها وصعوبة تنفيذها.

 ومن أجمل أعمال البورسلان التي رأيت: "إمرأة تحمل شال في يدها يموج إثر حركة الريح"، والملفت بالعمل أسلوب الإعجاز من رقة البورسلان ودقة التشريح، ولاسيما حركة الشال التي تشعرك بالفعل أنها تحدث إثر هبوب الريح، والمحزن أنه على الرغم من أهمية المعرض لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي.   

 

* أنت تعملين في محترف في التكية السليمانية" منذ /25/ عاماً، مالذي أضافه إليك مثل هذا المكان في عملك؟

** قبل الحديث عن ذلك أود أن أذكر السيد "يوسف سمارة" مدير سياحة "دمشق" قبل وجود "وزارة السياحة" الذي حول التكية من مكان مهجور مغمور بالماء والأعشاب لمجمع للحرف اليدوية، وذلك لإعادة إحياء الحرف اليدوية كتراث والترويج لها داخلاً وخارجاً عبر حركة السياح الوافدين من الدول العربية أو الغربية، وكنت من اللواتي حظين بمحل للعمل في هذا التجمع، والوجود في مكان له طابع تراثي شرقي جميل كالتكية السليمانية يشعرك عبر أجوائه بعبق التاريخ، ومفردات عصر قديم تنبعث من الجدران وحجرها الأثري، وبالتالي هذا التأثر ينعكس بجماله على العمل الفني.

 

* كيف تنظرين الى الإقبال على الخزف الشرقي من حيث البيئة المحلية والسياح لأجانب؟

** كوني على إحتكاك مستمر بالأجانب المقيمين والسياح بت أعرف متطلباتهم في مجال الخزف، فهم يميلون إلى القطع التذكارية التي تمثل لهم "دمشق" وطابعها، والأمر عند السوريين يختلف فالإهتمام لدى بعضهم أقل نسبياً رغم تقديرهم لجماليات المادة وربما ذلك يعود إلى ضعف الحالة الإقتصادية مما يفسر لنا التأخر الذي يعانيه الخزف السوري من حيث المعارض الفنية والرعاية، وهناك أسباب أخرى فنحن نفتقر إلى خزافين مهرة متفرغين للخزف الفني، وربما العائق في وجودهم أن الخزف يحتاج إلى مراحل تحضير ومراسم كبيرة مزودة بتجهيزات حديثة تستوعب تحضيره، فإن لم يكن الفنان مهووساً به كفن وبحث وتفرغ لن يصل الخزف إلى نتائج مرضية، وهنا تحضرني ذكريات في بداياتي حين كنت أذهب إلى الجبل لأجلب التراب ثم أعجنه وأشكّل به الصلصال، وما استمراري ونجاحي في هذا المجال إلا لحبي لمادة الخزف وإرادتي وإصراري على العمل الذي أتمنى أن يوصلني إلى نتائج أرضى عنها.

 

* كيف يمكننا أن نرفع من فن الخزف برأيك؟  

** يجب أن تتوفر أولاً مراكز إختصاصية  بمجال الخزف الفني للهواة كما هو الحال في "مصر" مثلاً ليتعرف من خلالها على جماليات هذه المادة بصرياً وتجريبياً. أيضاً تربية الفن والجمال والفكر الإبداعي عند الطفل وتحريضه تدريجياً على هذا الفن بدءاً من المراحل الدراسية الأولى أسوة بالمدارس الأوروبية. والسؤال الي اود طرحه هنا : لماذا لا يكون هناك تعاون ما بين وزارتي الثقافة والسياحة حول رعاية وتصعيد الخزف الفني إلى دائرة الحوار والمنافسة كما هو الفن التشكيلي مثلاً؟