"التصوف والإنشاد الديني".. بين الكلمة والموسيقا
الخميس 09 كانون الأول 2010
بين الموسيقا والإنشاد تنطلق عبارة "التصوف والإنشاد الديني"، هذه الطريقة التي كانت متبعة في طقوس دينية مختلفة ومتنوعة، ولعل هذه الطريقة هي من أبرز الطرق الدينية التي ما زالت محافظاً عليها في بعض المناطق السورية.
موقع "eSyria" وعن "التصوف والإنشاد الديني" التقى الباحث الأستاذ "محمد قجة"، الذي تطرق إلى نشأة الموسيقا في الفطرة الإنسانية، وهنا يقول: «نشأت الموسيقا مواكبة للفطرة الإنسانية في الانسجام مع الإيقاعات والأنغام، وتطورت من خلال ارتباطها بالسحر والمعابد القديمة، واستخدامها في تلك المعابد على نطاق واسع لتأدية الطقوس الدينية المختلفة، وكانت تؤدي دوراً هاماً في صهر الجماعات وضبطها وانتظامها في نمط متجانس، ولكي تؤدي هذا الدور سُخّرت لها الثقافات والإمكانات خلال كل الحضارات منذ فجر التاريخ البشري، ومن المعابد إلى القصور، إلى كل شرائح الحياة الاجتماعي».
يتابع: «حينما هاجر الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" إلى المدينة المنورة استقبلته فتيات بني النجار وهن ينشدن "نحن جوارِ من بني النجار/ يا حبذا محمد من جار"، وتطور التأليف الموسيقي في "بغداد والأندلس" على يد "الأصفهاني، إبراهيم الموصلي، وابنه اسحاق، زرياب، الكندي، المسعودي، ابن سينا، الأرموي، اخوان الصفا"، وفي "حلب" "الفارابي" لدى "سيف الدولة"، و"مقدم بن معافر، ابن قزمان وعبادة القزاز" في "الأندلس"».
وعن التصوف والموسيقا يقول: «ليس مجالنا الآن البحث في أصل تسمية "التصوف" أهي من الصفاء، أم من الصوف، أم من الصفة أم من كلمة "صوفيا" الإغريقية بمعنى الحكمة، ويبدو من ملاحظة شعر "ابن عربي" وغيره من المتصوفة أن التسمية ترتبط بخرقة الصوف التي كان يلبسها المتصوفون أما تعريف التصوف ففيه آراء متباينة منها التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتنقية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية، وهذا التعريف لشيخ الإسلام "زكريا الأنصاري"، وهناك تعريفات أخرى كثيرة للتصوف لا مجال لها الآن، ومن المعلوم أن تطور التصوف ارتبط بأسماء مثل "الحسن البصري، المحاسبي، الجنيد، السري السقطي، الكرخي، الحلاج، التستري، ابن عربي، ابن سبعين، السهروردي، ابن الفارض، عبد القادر الجيلاني، جلال الدين الرومي، معبد الغني النابلسي، المكزون السنجاري، حسن بن حمزة الشيرازي، الكرماني».
يتابع: «بعد هذه العجالة في تعريف التصوف وأعلامه، يمكننا أن نتساءل عن العلاقة بين التصوف والموسيقا، وقد كان السماع والموسيقا سمة لبعض الطرق الصوفية، في الوقت الذي رفض فيه بعض المتصوفة ذلك، بينما وفّق سواهم بين الموقفين، وقد عرف التاريخ الإسلامي عدداً كبيراً من الطرق الصوفية كـ"القادرية، الرفاعية، السهروردية، الشاذلية، البدوية، الدسوقية، المولوية، النقشبندية، البكتاشية، اليونسية"، وقد انقرض كثير من هذه الطرق وبقي بعضها حتى اليوم، وهي تختلف في نسبة استعمالها للموسيقا في أورادها وأذكارها».
أما الدكتور "جمال الدين الهلالي" فتناول في محاضرته شرحاً عن أبرز الطرق الصوفية التي تستخدم السماع ومنها كما يقول: «"الطريقة المولوية" ومقرها مدينة "قونية" في "تركيا" وكان لها مركز هام في مدينة "حلب" هو التكية "المولوية" في "باب الفرج"، "الطريقة الشاذلية اليشرطية" وأصل مؤسسها من "تونس"، "الطريقة الرفاعية" وهي تستخدم بعض الآلات الموسيقية والإيقاعية وكان لها حلقات كثيرة اندثر أكثرها، "الطريقة القادرية" نسبة إلى "عبد القادر الجيلاني" وتتوارث الأسرة الهلالية مشيختها وصولاً إلى الشيخ الدكتور "جمال الدين الهلالي"، و"الزاوية الهلالية" تؤدي بشكل مستمر لم ينقطع منذ مئات السنين ذكراً بعد صلاة العصر من كل يوم جمعة، ويستمر الذكر حتى موعد صلاة المغرب، وهو لذلك يطول ويقصر حسب طول النهار وقصره صيفاً وشتاء، ولا تستخدم هذه الزاوية الآلات الموسيقية بشتى أنواعها وإنما تعتمد على الإيقاعات والأوزان والنغمات والسماع».
يتابع حديثه فيقول: «من أبرز الشيوخ الذين تخرجوا من الزاوية "محمد وأحمد البهراوي، أحمد الحجار، أحمد ترمانيني، عمر الحبال، راغب الطباخ، سعيد باذنجكي، سعد اليماني، يوسف السمان، أبو الوفا الرفاعي، مصطفى البشنك، محمد الوراق، أحمد عقيل، عبد السلام عبد الجليل "سلمو"، صبحي الحريري، عبد اللطيف تفنكجي، فؤاد خانطوماني، حسن الحفار، عبد القادر درعوزي، محمد مسعود خياطة "الباقي حتى اليوم"، وهنا تؤدي حلقة الذكر في الزاوية الهلالية سبعة فصول أساسية تطول أو تقصر حسب الزمن بين العصر والمغرب، ويرافقها فصل استثنائي كل أسبوع، بحيث تغدو الفصول الاستثنائية 52 فصلاً بعدد أسابيع السنة».
وعن الفصول الأساسية في الزاوية يقول: «الفصول الأساسية السبعة هي، "فصل الجلالة" ويبدأ بترداد فاعلم أنه لا إله إلا الله، "فصل المصدّر" ومحوره تكرار لفظ الجلالة "الله"، "فصل المقسوم" ويبدأ بلفظ الجلالة "الله" ثم "اللهم"، "فصل الصاوي" ومحور لفظ الجلالة بأداء مختلف مع القصر واللهج، "فصل قسمة الصاوي" ومحوره اللهْ اللهُ هو اللهْ، "فصل الخمّاري" ومحوره لفظ الجلالة "اللـه" طويلة 11مرة و"فصل الدندنة" ومحوره لفظ الجلالة بشكل خافت وسريع».
يتابع: «أما الفصول الاستثنائية فقد تلاشى بعضها وبقي منها في حدود ثلاثين فصلاً، وبمقارنة سريعة مع حلقات الذكر المولوية، نجد أن المولوية تستخدم آلات التخت الشرقي من ناي ودف وصنوج ومزهر باستثناء الآلات الوترية، وتدخل الموشحات والقدود من أمثال:
يا شادي الألحان/ اسمعنا رنة العيدان
واطرب من في الحان/ وامنحنــــا نشوة الألحان
صحت وجداً يا ندامى/ واصلوني واورحموني
يا من لعبت به شمول/ ما ألطف هذه الشمائل».
من الجدير بالذكر أن "الباحث "محمد قجة" باحث في الحضارات وهو:
- الأمين العام لاحتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية.
- رئيس جمعية العاديات في سورية.
- المستشار الثقافي لمحافظة حلب.
- رئيس التحرير والمدير المسؤول لمجلة العاديات الفصلية وكتاب
"عاديات حلب" السنوي.
- أكثر من 20 كتاباً في الدراسات الفكرية والتاريخية.
- مئات الدراسات والبحوث في الدوريات، ومئات البرامج التلفزيونية الثقافية.
- المشاركة في مئات الندوات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية.
- عضو مجلس الأمناء في مؤسسة العلوم والتكنولوجيا "بريطانيا".
- عضو مجلس الأمناء في الجامعة الدولية.
- عضو مجلس الأمناء في جامعة "المأمون".
- عضو مجلس الإدارة في مكتبة "الإسكندرية".
- عضو اتحاد الكتاب العرب والآثاريين العرب والجمعية السورية لتاريخ العلوم.
- اكتشاف موقع طبيت المتنبي" في "حلب" وتحويله إلى متحف "المتنبي".
- زيارة أكثر بلدان العالم لأغراض علمية.
أما الشيخ "جمال الدين الهلالي بن عبد القادر" فقد ولد في مدينة "حلب" 1935 وتلقى التعليم الديني والرسمي في مدينة "حلب" حتى الثانوية الفرع العلمي.
- بدأ بدراسة الطب في جامعات "هايدلبرغ وبرلين الغربية" في "ألمانيا" 1959م.
- توقف عن متابعة الدراسة بسبب وفاة والده، واضطراره للعودة إلى "حلب" 1966.
- عاد لدراسة الطب 1968 في جامعة "روما" في "إيطاليا"، وتخرج عام 1973.
- عاد إلى "حلب" ولم تمكنه التزاماته بالزاوية الهلالية أن يمارس الطب.
- أصبح شيخ الزاوية الهلالية وإمامها وخطيبها، وذلك على الطريقة الصوفية القادرية ولا يزال يشغل هذا الموقع حتى اليوم.
-أتاحت له ظروف نشأته وأسفاره الاحتكاك بعدة ثقافات، والاطلاع على كتب تتصل بالأديان المقارنة.
لا تزال الزاوية الهلالية في "حلب" تؤدي ذكرها الصوفي كل يوم جمعة منذ مئات السنين.