السلم والمقام بين الحداثة والتراث بنظر الموسيقي "فواز باقر"
روشاك أحمد
الثلاثاء 31 أيار 2011
بين الحداثة والتراث احتمل المقام والسلم تطبيقاً متنوعاً عبر مراحل التاريخ في الشرق، ومن هنا يرى الموسيقي "فواز باقر" تحت عنوان "أبجدية ام رمزية" أنه أبدعت الحضارات حلولاً متنوعة غنيّة لتوصيف بيئتها وحفظ خبراتها الإنسانية لنقلها عبر الأجيال، فمن 3800 رمز لغوي وخمس علامات موسيقية في الشرق الأقصى إلى 200 مقام وثمانية وعشرين حرفاً في الشرق الأدنى، وصولاً إلى الصفر والواحد في ثنائية الاختزال الأعلى 0-1 في الرقمية الحديثة اليوم.
موقع "eDamascus" التقى الموسيقي السوري "فواز باقر" ضمن ملتقى "مساحات شرقية" ليحدثنا عن مراحل تطور السلم والمقام فيقول: «إن الخلط منذ قرنين في المشرق العربي بين ثنائية التراث والحداثة، وثنائيات الشرق والغرب، التقدم والتخلف، الماضي والمستقبل، السلطنة والجمهورية، الحرفة والتقنية، العلم والدين، الإسلام والمسيحية، الخط والمطبعة، التوثيق والارتجال، الرمزية والأبجدية، المقام والمدرج الموسيقي...الخ قادنا إلى مجموعة من الحلول الجاهزة والوصفات المتشنّجة التي لا تمت بصلة لمشاكلنا الحقيقية اليوم في كثير من المجالات، والتخلّي اليوم عن أحكام القيمة المسبقة لهذه المفاهيم، وهنا يمكننا طرح أسئلة أكثر عمقاً وصدقاً ليتحرر الفكر والإبداع ويخلق بالتالي حلولاً وإجابات نافعةَ ومعاصرة».
وعن مفهوم "سلّم أم مقام" يقول: «تقسم الموسيقا تاريخياً فيما يخص النغمات إلى عائلتين أساسيتين، سلميِّة Tonalومقاميّة Modal، تعتمد الأولى- كالكلاسيكيّة الغربية أو ألحان الرحابنة- على مجموعة من العلامات الثابتة Tonesبمثابة الأحرف في الأبجدية والتي تنتظم في سلالم Scalesمؤلفة من سبعة علامات في ديوان كامل Octave*، أما الموسيقا المقامية- كالعثمانية أو تجويد القرآن- فتعتمد على أجناس Modesتشبه الرموز في اللغة الصينية مثلاً مؤلفة من ثلاث، أربع أو خمس علامات موسيقية متحركة بنسب اهتزازية شريفة فيما بينها، وهنا لا بد من الإشارة أولاً إلى أن هذا التقسيم النظري للموسيقا إلى عائلتين مختلفتين هو لغاية علمية توضيحية لا أكثر، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار أي مؤلف كلاسيكي غربي أو لحن عربي أو تركي سلمّياً أو مقاميّاً بشكل مطلق فالموسيقا تطورت واغتنت نتيجة تأثرها وتأثيرها ببعضها بعضا تاريخياً وجغرافياً ولا فضل لعربيّ على أعجميّ بالتالي إلا بالتقوى، إن الموسيقا المقاميّة أقدم تاريخياً من السلمّية، وكانت تعتمد أساساً على تلحين النصوص الشعرية والمقدسة وبالتالي فإن قوالبها الأساسية غنائية ينظمها الشعر أو النصّ المقدسّ حتى في أشكالها الآلية اللاحقة كالسماعيات والبشارف، ففيها انتظم اللحن في خلايا موسيقية- أجناس- تجتمع في عبارات-
خانات- تغنيّها الآلات معاً، أما السلميّة فقد اعتمدت لاحقاً قوالب موسيقية مجرّدة يشارك الغناء فيها- إن وجد- كجزء من المؤلف الموسيقيّ تعزف فيه الحناجر- الغناء الأوبرالي مثلاً- كواحدة من الآلات لا كناظم للعمل».
يتابع "باقر": «وبذلك فإن التوافق النغمي في الموسيقا المقامية أفقي تتجاور فيه العلامات الموسيقية لتشكل لحناً خطياً تتشارك في غنائه الآلات والحناجر لا تجوز فيه المصاحبة بلحن مختلف، تماماً كالاستماع إلى قراءة نصين شعريين مختلفين في آن واحد ما يتسبب في ضياع المعنى، أما في الموسيقا السلمية فيعتمد التأليف الموسيقي على التوزيع العمودي للعمل بحيث لا يتم المعنى إلا من خلال تآلف الخطوط المتوازية، وإن هذا الأسلوب في الموسيقا المقامية يتطلب بالتالي تجاور العلامات في الجملة اللحنية لتوضيح الأجناس والتي هي شكل من التآلفات Cordsتعزف متتابعة لا متصاحبة في آن واحد كما في الموسيقا السلميَة والتي يقبل فيها الانتقال إلى علامات غير متجاورة، تتطلب المقامية إذاً تتابع العلامات ضمن الجنس الواحد المؤلف من ثلاث، أربع أو خمس علامات متوافقة ليتم تعريفه قبل الانتقال إلى جنس آخر بحسب ما يتطلبه سير المقام».
كما عرّف "باقر" في فصول أخرى الأساس النظري لكل من نوعيّ الموسيقا، واستعرض تطورهما التاريخي وما ورثناه عنهما لفهم المنطق الذي بني عليه كل منهما للوصول إلى فهم أعمق لوضعنا الموسيقي الراهن، وعن وحدات القياس يقول: «تبين لنا من توصيف المقام أن الباحثين يعتمدون حيناً النسبة وحيناً القياس الوتري أو الاهتزاز أو العلامة الموسيقية أو غيرها بحسب عصرهم ومرجعيتهم الثقافية، لا بد إذاً من اعتماد أسلوب عام للقياس والمقارنة، وقد اقتصرت في بحثي على طريقتين الأولى "لوغاريتميه" قديمة تعتمد النسبة الوترية لقيمتها التاريخية ووضوحها في تحديد توافق العلامات الموسيقية مباشرة وذلك بحسب بساطة النسبة، واعتمدت أيضاً المرجعية الحسابية الحديثة بالقياس بالسنت وذلك لاستعمالها في معايرة الآلات الموسيقية الإلكترونية والرقمية المعاصرة، إضافة لسهولة مقارنة العلامات المقيسة بها مع السلم الغربي المعدل والمعروف من قبل الأغلبية».
وعن التحول من اللوغاريتمي إلى الحسابي يقول: «اعتمد العرب قديماً في تعريف الأبعاد الموسيقية على القياس بالنسبة الوترية، فالمسافة لديهم بين علامة "اليكاه" وجوابها- علامة النوا- هو النصف، وذلك لأننا نحصل على "النوا" بحبس منتصف وتر "اليكاه"، وعلى "الدوكاه" بحبس الثلث، وعلى "الراست" بحبس الربع وهكذا، ويتميزالحساب بهذه الطريقة بالتوافق الحقيقي لاهتزاز الأوتار فبحبس النصف لوتر ما نحصل على ضعف اهتزازه، وكلما كانت النسبة بسيطة فإنها تعطي اهتزازاً أكثر توافقاً مع العلامة المرجعيه للوتر، فأشرف النسب هي النصف يليها الثلث ثم الربع ثم الخمس وهكذا، فبحبس ثلث وتر "اليكاه" SOLيعطينا علامة "الدوكاه" REوبحبس ربع الباقي أي وتر "الدوكاه" REيعطي علامة "النوا" SOL2التي هي منتصف وتر "اليكاه" الأساسي، وإن جمع النسب وطرحها بهذه الطريقة يتم بطريقة لوغاريتمية لا حسابية، فمجموع الثلث والربع يساوي النصف، والخمس والسدس يعطي الثلث وهكذا، أما المعتمد اليوم في قياس الأبعاد الموسيقية فأساسه حسابي لتبسيط عمليات الجمع والطرح للأبعاد رغم أنه لا يدل على شرف العلامات وتوافقها فيما بينها كما في النظام السابق، وقسمت نسبة النصف بين العلامة وجوابها -OCTAVE- إلى 1200 بعد متساوٍ يسمى السنت-CENT- حيث إن البعد الكامل -TONE- يساوي 200 سنت كالبعد بين علامة DOوعلامه REفي السلم الغربي المعدل يتم التحويل من النظام اللوغاريتمي إلى النظام الحسابي بواسطة المعادلة - 1200 x LOG (X / Y) / LOG (2)- حيث Xهي صوره النسبة وYمخرجها، وبتطبيق المعادلة على النسب الشريفة نحصل على مواقع العلامات وانحرافها عن السلم المعدل».
وبعد عرض الموسيقي "باقر" لعدة أجناس موسيقية ومسائل حسابية في السلم والمقام قال: «لا يخضع الفن كمعنيّ بالمجهول تفسيراً وتساؤلاً لقانون التطوّر والتراكم كالتقنيّة المعنيّة بتنظيم المعلوم وتوظيفه، فالقياس بين سرعة الطائرة والحمار واضح ومقبول، أما الفرق بين
صوت فرقة سمفونية وغناء راع في البرية كتأثير وجداني في أذن السامع فهو غير قابل للقياس بالطريقة نفسها، فقد روّض البشر الحمار ليحملهم لا ليدلهم على الطريق، أما الموسيقا فنحن نعيد بها مراراً طرح أسئلتنا الوجودية الثابتة لنؤنسنها ونستأنس بها وننساها لحين».
ويعلّق الموسيقي "محمود القطاط" فيقول: «إن هذه النسب والأجناس مرت عبر مراحل تاريخية معينة، والمحصلة أن العمل عليها بالنظرية الحسابية واللوغاريتمية يوصلنا إلى نتائج مهمة، ومن هنا نرى أن البحث يجب أن يكون مستمراً للوصول إلى هذه النتائج وتطبيقها في الموسيقا الشرقية التي لها أساس كبير وعمق أكبر في حضارتنا التي ننتمي إليها».