الصحافة المتخصصة جريدة الميزان الجديد
إعداد الدكتور مهيار الملوحي
صدرت جريدة (الميزان الجديدة) في دمشق عام 1932، وهي من الصحافة المتخصصة، فقد كانت صحيفة أسبوعية تبحث في القضاء والاجتماع، كما أنها من الصحف الخاصة التي لم تصدر عن نقابة المحامين في دمشق أو في حلب في ذلك الوقت.
وكان صاحب امتياز الجريدة ورئيس تحريرها المحامي لطفي اليافي، ومحررها المحامي والصحفي فؤاد الشائب (1911– 1970)، وساعد في تحريرها نخبة من كبار الكتاب والمحامين.
جاءت الجريدة في ثماني صفحات من القطع المتوسط. وكان بدل اشتراكها في الداخل أربع ليرات سورية، وفي الخارج ست ليرات سورية، وكتب أن ثمن العدد أربع قروش سورية.
ولا شك أن الجريدة كانت واسعة الانتشار، فقد استقطبت العديد من الإعلانات الرسمية والخاصة والتي شغلت الصفحة الثامنة وهي الصفحة الأخيرة من الجريدة.
نشرت جريدة (الميزان الجديد) في العدد (12) الصادر في 17 تشرين أول سنة 1932، وتحت عنوان: (هل القضاة مثل رقي الأمم؟)
مايلي: لا أعرف أحدا يستطيع أن ينكر المكان الرفيع الذي يتبوؤه رجال القضاء في العالم، والسلطة العليا التي تخولهم الحكم بين الناس وتوزيع العدل على الجميع لا فرق عندهم بين الأشخاص مهما تفاوتت درجاتهم الاجتماعية.
إن من يتمتع بهذا المركز الرفيع بين بني قومه ألا يجب أن يكون ذا صفات ممتازة كسعة العلم وكثرة الممارسة وغير ذلك من مواهب مثل أصالة الرأي وقوة التقى وعدالة الضمير؟
ومما لا جدال فيه أن القانون مجموعة قواعد حقوقية تضعها الأمة لنفسها عن طريق ممثليها طبق حاجاتها وحسب ما تقتضيه العوامل والظروف المرافقة لها، فالقضاة الذين ينصبون لتطبيق هذا القانون ولحمايته يصلح أن يقال عنهم: إنهم صورة واضحة لرقي تلك الأمة وعدالتها، وإن أحكامهم مقياس لتطورها الاجتماعي والأخلاقي.
ولكن الذي أريده وأقصده هو أن أتكلم ولو قليلا عن حالة القضاء في هذه البلاد، وعن النظر إلى القوانين عند تطبيقها في القضايا، ولا أقصد فيما أقول إلا التحدث إلى نفس رجال القضاء حديث محبة واحترام باسطا إليهم ما يوحيه إلي الواجب الوطني، ويدفعني إليه الشعور العام من الأمور التي يلذ لهم سماعها ويطربهم منها أنها صادرة عن نفس عامرة باحترام الناس وخاصة رجال القضاء وتقدير مزاياهم وجهودهم.
ولا تزال كثرة قضاتنا حتى اليوم متأثرة إلى حد بعيد بنفسية العهد التركي الأخير أو إن شئت قل بالعقلية القانونية لعصر الفوضى العلمية والاجتماعية في الإمبراطورية العثمانية في فترتها الأخيرة، من حيث النظر إلى القضايا حقوقية كانت أو جزائية ومن حيث النظر لروحية القوانين وتطبيقها على الأحكام، فليس هناك من نظر إلى طبيعة القضية وظروفها ووقائعها ونتائجها ومراعاة جميع الأسباب التي تدعو حتما لإحقاق الحق ونصرة المظلوم، وليس هناك من تعمق وتتبع في فهم القضايا بإطلاق جميع قوى الاستنباط، وليس هناك من استخدام للمرونة القانونية لتوجيه القوة التشريعية لجانب الحق وكل ما هنالك من مسؤولية تنصب على رؤوس المحامين فكل منهم مسؤول عن تأمين توجيه النصوص القانونية لجهته وما يستنبط من الحيل وبما يهيئه لخصمه من وسائل المغالطة والاستدراج والمماطلة.
هذا ما يقع غالبا في القضايا الحقوقية وأما القضايا الجزائية وأخصها الجنائية فإنها تأتي أعدل أسلوبا من القضايا الحقوقية بمراعاة التوسع في أصول المحاكمات الجزائية، إذ هناك واجبا على القضاة بتحري جميع العوامل الاجتماعية التي تحيط بالجريمة، وهناك كثيرا من الجرائم المتشابهة بالشكل والوصف والمتباعدة بالغاية والطبيعة والظروف تطبق أحيانا على مادة واحدة من قانون الجزاء ويقضي على أربابها بعقاب واحد من غير مراعاة للعوامل التي سردناها.
وجب علينا أن نقول: إن قضاءنا الجنائي لايزال مقصرا عن بلوغ الغاية التي نرغبها له.
كلنا يعلم أن القوانين من حقوقية وجزائية إنما وضعت لحماية الأفراد وتأمين الحقوق فيجب أن توجه جميع قواها لهذه الغاية وإن يكن نطق أحكامها وسيلة لإحقاق الحق لا غاية للتمسك بالكلام واللفظ)).