الفنان التشكيلي "هجار عيسى"
هيسم شملوني
تتسم تجربة الفنان التشكيلي "هجار عيسى" بأنها من التجارب التشكيلية، التي إختمرت بهدوء، بعيداً عن الصخب التشكيلي الذي يميز الحركة التشكيلية الشابة (إن جاز التعبير)، فاللوحة عنده تتنامى وفق سياقها المنطقي وتنضج مع نضج الذات الفنية عنده.
المفكرة الثقافية التقته، وعن تجربته الخاصة دار الحديث الذي كانت بدايته:
•كيف يعرف "هجار عيسى" ذاته الفنية؟
** «منذ طفولتي كنت أحلم بأن أكون فناناً تشكيلياً وأنا أعتبر نفسي محظوظاً لأني من القلائل الذين استطاعوا أن يحققوا حلم طفولتهم، فقد درست في كلية الفنون الجميلة في "دمشق" وتخرجت منها، ورغم عملي الشاقّ كمهندس ديكور في الأعمال الدرامية إلا أن هناك من يتعجّب كيف يتسنّى لي أن أنجز أعمالاً تشكيلية، وأنا من عادتي أن أحرص على دخول مرسمي بشكل يومي، حتى لو عدت منهكاً ولو في آخر الليل، وفي السنوات الأخيرة تسنّى لي أن أنجز أربعة معارض فردية عدا المشاركات الجماعية التي لم أنقطع عنها منذ تخرّجي وحتى يومنا هذا، فقد أقمت معرضاً في "غاليري كامل" في "دمشق"، وكذلك في "المنامة- البحرين" و"الكويت"، فكما تعلم أن الإعداد لإقامة معرض يأخذ وقتاً طويلاً من الفنان، وأنا من الفنانين الذين يحترمون عملهم كثيراً، وأحرص على انتشار أعمالي في إطار الوطن العربي على الأقل».
•هل يمكن أن تتوفر شروط لعمل تشكيلي خاصّة، متأثرة بمناخ عمل درامي كعمل "الخربة" مثلاً؟، أي هل يمكن أن يطلق هذا المناخ مخيلة تشكيلية مختلفة تُلقي بظلالها على سطح اللوحة؟.
** «كما سبق وقلت رغم عملي في الدراما، لا أتخيل نفسي يوماً أن لا أعمل على إنتاج اللوحة، لكن في مواقع التصوير هناك نكهة خاصة، ففي مسلسل "الخربة" والذي أتى بعد انتهائي من عملي "الغفران" و"الشحرورة" كنتُ قد أخذت لوازم الرسم من ألوان وشاسيهات ووضعتها في تلك القرية "زكير"، فقد كنت أقوم بإعداد مواقع التصوير وأترك مجموعةً من مساعدي فيها، وأذهب إلى أحد المواقع الفارغة لأقوم بعملية الرسم، ففي تلك القرية استطعت أن أنجز عدداً كبيراً من اللوحات. وجميع اللوحات التي أنجزتها في تلك القرية، كانت عن القرية ذاتها، مستخدماً شخوصي وألواني ولكن في البعد الثاني من اللوحة كانت تظهر القرية، حتى أن هناك إحدى اللوحات التشكيلية كنت قد أسميتها "خربة"، وهي بقياس 120×120سم، حتى أنه كان من الممكن أن تكون الملصق الإعلاني للعمل، ولكن لظروف خاصة أجهلها لم تعد كذلك، وهي الآن موجودة عند الأستاذ المخرج "الليث حجّو"».
•لماذا تأخرت عن إقامة معرضك الفردي؟
** «يعود سبب تأخّري لبعض الظروف الخاصّة ومنها سفري خارج البلد لعدة سنوات، بعد تخرّجي، وعندما شعرتُ برغبةٍ في الاستقرار، عملتُ على المعرض الفردي الأول في عام 2004، في صالة "عشتار"، بعد عقدٍ تقريباً من تخرّجي، لكنّي لم أنقطع عن المشاركات الجماعية أبداً، حيث أني أشارك في معارض عديدة داخل وخارج البلد سنوياً، وفي عام 2009 أقمتُ معرضاً فردياً في "غاليري كامل"».
• من خلال متابعتي لأعمالك وجدتُ أن هناك خيطاً يربطها ببعض أعمال الفنانين المعروفين في سورية.
** «الفن التشكيلي هو فن بصري، فكلٌ يغبّ من هذا المخزون البصري المحيط به، ونحن في البيئة السورية هناك تقاطعات نجدها في كثير من المناطق، فأنا مثلاً أنتمي إلى إحدى القرى القريبة من مدينة "القامشلي"، كثيرة هي المفردات التي أرسمها من بيئتي وقريتي التي تربّيت فيها، كالبيوت القديمة والأشخاص الريفيين، الحمير والماعز،..الخ.، تخيّل لو أني أرسم لوحات يكون فيها العنصر الأساسي مثلاً هو الأسماك، وأنا شخصياً ربّما لم يتسنّ لي أن آكل السمك قبل مجيئي إلى "دمشق" سوى مرّتين، فهذا يشكّل كذباً ونفاقاً لأن هذه المفردات ليست من مفردات البيئة التي أعيش فيها، كثيراً من الفنانين السوريين كما سبق وقلت ينتمون إلى بيئةٍ مشابهة لبيئتي».
وأضاف: «إضافة إلى مسألة مهمة، بأننا جميعاً نعمل في مناخ تشكيلي واحد، وهذا مع الزمن يشكّل سمات عامّة، فمثلاً الزّيز الذي أرسمه موجود في كثير من البيئات، فهل إن تناوله غيري يكون قد تأثر بتجربتي؟.. رغم أني أعتبره توقيعاً لي، وللملاحظة فإن جميع الشخوص الموجودة في أعمالي هم أبنائي الذين أرسمهم بوضعيات مختلفة، حتى ولو كان عدد الشخوص في اللوحة كبيراً، فإنهم تكرار لأبنائي، وهذا ما أود أن أؤكد عليه، بأن أي حالة تشابه هي كائنة من أننا جميعاً نستمدّ مفرداتنا البصريّة من هذا النسيج السوري الجميل».
•ربّما نلحظ الكثير من الإشارات التي أوردتها في أعمال تشكيلية، والتي تتحدث عن وجود قواسم مشتركة كبيرة بين الفنانين السوريين وتحديداً الذين ينتمون مكانياً إلى بيئة الشمال السوري.
** «ربّما الملاحظة دقيقة، فمعظم فناني الشمال لا يرسمون أسماكاً، بل يرسمون مفردات بيئتهم إضافة إلى النقوش والرسوم التراثية، والبيوتات الطينية، وهذا يشكّل قاسماً مشتركاً لدى معظم الفنانين، لكن الفوارق تكمن بين فنان وآخر في درجة الحساسية ودرجة التلقّي لهذه البيئة وهذه المفردات، وطرق معالجتها».
•هل يمكن القول تجاوزاً أنّ لوحتك هي لوحة ريفية؟
** «تماماً، أتفق معك في هذا التصنيف».
• أين أثر المدينة في لوحاتك بعد أن أقمت سنوات في مدينة كبيرة وصاخبة كـ"دمشق"؟
** «أنا أفضل أن تبقى لوحتي بعيدة عن صخب المدينة ودخانها».
• هل هذا نابع من موقف سلبي مسبق من المدينة؟
** «أنا شخصياً أحبّ تعب المدينة وصخبها، بذات الدرجة التي أحبّ فيها هدوء قريتي??».
• هل هناك منعطفات حادّة في تجربتك التشكيلية؟
** «لا يوجد في تجربتي منعطفات حادة، لكن يمكن القول بأن لوحتي تتطوّر وتتنامى، في ذات المنحى وذات السياق، فأنا أشعر بأن لوحتي أصبحت أكثر نضجاً وشخوصي وزخرفاتي أكثر تبسيطاً، ليس بمعنى التبسيط والاستسهال، ولكن بمعنى الراحة والنضج، وهذا ما دفعني لأن أعمل على إقامة مجموعة من المعارض الفردية في الفترة الأخيرة».
الجدير ذكره أن الفنان "هجار عيسى" يعمل في مجال الدراما لمهندس ديكور إلى جانب كونه فناناً تشكيلياً.