"القطاط": العود آلة مرجعية للمقامية العربية.

روشاك أحمد

الثلاثاء 31 أيار 2011

«كان ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي إيذاناً بصحوة كبرى في شبه الجزيرة العربية، ثم المنطقة الإسلامية الواسعة، نشأ في رحابها، فن جديد تسانده عقيدة ولغة، امتاز من بين جميع الفنون بطابعه الكوني الموحد في أصوله والمتنوع في روافده، وقد مكنته قدرته التأليفية الفائقة، من التطور والازدهار داخل "وحدة جمالية متكاملة" مستوعباً على مر العصور مختلف الأنماط الفنية المكونة لتراث الشعوب الإسلامية المنتشرة على رقعة هائلة الامتداد، دون أن يسعى إلى طمس شخصيتها، بل نراه يفتح لها طريق الإبداع والعطاء، في سياق "خط جمالي ناظم وموحد لها جميعاً"، من ذلك الموسيقا».

بهذه الكلمات يصف الباحث الموسيقي "محمد القطاط" المرجعية الأولى للمقامية العربية، ويبدأ حديثه في محاضرته ضمن ملتقى "مساحات شرقية" بتاريخ 25/5/2011 عن المدرسة التأسيسية "العودية" فيقول: «منذ الفترة الأموية احتل العود لدى كبار موسيقيي مدرسة "مكة والمدينة ودمشق" مكانة مرموقة واستخدمه المحترفون للمسايرة، واعتمده الروّاد الأوائل لإرساء أسس تنظير موسيقاهم باعتباره من الآلات الوترية المألوفة منذ القدم عند الأمم الشرقية، لاتضارعها آلة أخرى في سهولة استعمالها وفخامة الأنغام الخارجة منها، ومطابقتها لأنواع الأصوات الإنسانية، وقد تُوجت هذه المكانة مع الفترة العباسية الأولى القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، حيث بلغ الفن الموسيقي عصره الذهبي في إطار المدرسة العربية القديمة/العودية، حسب تعاليم "إبراهيم الموصلي وابنه اسحاق، ونظرية الكندي"، ليشكل أحد أركان العلوم الرياضية وعنصراً هاماً في الحكمة الرباعية إلى جانب الحساب والهندسة والفلك، وجزءا أساسياً في الثقافة العربية باتجاهيها، التجريدي المعتمد عل التأثير الموسيقي، أو الطبيعي الرياضي والتجريبي في نفس الآن "مع الفارابي وابن سينا"، والذي يركز أساساً على فيزيائية الصوت وتحديد النسب في هذا الإطار، صار العود باعتراف الجميع أشهر الآلات وأثمنها، والمرجع الرئيسي دون سواه في معالجة الصناعة الموسيقية وشرح نظرياتها ودراسة أبعادها الفيزيائية والفلسفية والفلكية؛ حتى اعتبرت معرفة العود ونسب دساتينه من تمام علم الموسيقي.

ومن هذا المنطلق اعتنى به الفلاسفة والمنظرون وجعلوه يحتل صفحات طويلة من مؤلفاتهم، غير أن المسائل المتعلقة بتسوية الأوتار ومواضع الدساتين، قد حظيت بالاهتمام الأوسع والشرح المستفيض، وذلك لأهميتها في تحديد النسب الصوتية للنغمات التي هي بمثابة حروف الهجاء في لغة الموسيقا، منها يتألف السلم الموسيقي وعليها تستخرج المقامات وتبنى الألحان، ولقد شهدت هذه النهضة الموسيقية تطورات وإضافات متتالية، أهمها، المدرسة "الإبداعية الطنبورية"

"الفارابي: تـ 950 ؛ ابن سينا: تـ 1037 ؛ ابن زيله: تـ 1048؛ الحسن الكاتب: القرن العاشر..."، اقتباس بعض المعطيات والمصطلحات الخاصة بالمنهجية الإغريقية في الكتابة عن الموسيقا، والاعتماد تطبيقياً على امتزاج عناصر من الموسيقا الفارسية بالنظام العربي القديم وذلك عن طريق إضافات المحدثين، وانتشار آلة الطنبور الخرساني إلى جانب آلة العود التي بقيت مع ذلك الآلة الرئيسية، ومن بين التغييرات الهامة استعمال بعض المصطلحات الفارسية ودخول السلم الخراساني بتجزيئاته "ليما ، ليما، كوما أي بقية، بقية وومضة"، أما البدعة الحقيقية فإنها تكمن في استعمال إصبع وسطى الفرس التي أضيفت إلى دساتين العود بين وسطى زلزل والوسطى القديمة».

أما المدرسة الأخرى فهي المدرسة "المنهجية النظامية" "صفي الدين: 613 ـ 693 هـ 1216- 1294م وأتباعه، من بينهم، قطب الدين الشيرازي : ـ . 710 هـ /1310م ؛ لجرجاني : تـ . 816هـ / 1413 م ؛ عبد القادر بن غيبي : تـ . 838 هـ / 1434 م؛ فتح الله الشرواني : تـ . 880 هـ /1475 م؛ عبد الحميد اللاذقي : تـ . 900 هـ / 1494 م" عنها يقول: «تواصلت عملية التثاقف والتداخل بين مختلف العناصر المكونة للأمة العربية الإسلامية من ذلك العنصر التركي المغولي تمخضت عنها نهضة فنية عارمة اكتملت بفضلها ملامح الفن الموسيقي فتوضّحت مناهجه ومصطلحاته وتوطدت أركانه وقواعده، وقد توجت مراحل التطور هذه بفضل الجهود التي بذلت لمعالجة ما تبقى من شذوذ وأخطاء من أهمّها مسألة السلم الموسيقي وبعض النسب المكونة له كوسطى زلزل التي ظلت ـ كما رأينا ـ لا تستقر على حال؛ وكذلك قضايا المقامية من حيث مساراتها وعلاقاتها وتسمياتها.

أوتار العود ودساتينه مصدر للنغم والمقام هذا ما يقوله الباحث "القطاط" من خلال حديثه عن الأوتار في العود القديم: تتفق المصادر على أنه في الأصل كان للعود عند الضاربين أربعة أوتار مفردة، تسمى على التوالي "البم – المثلث – المثنى – الزير"، بينما كان النظريون اعتباراً من "الكندي" يفترضون له وتراً خامساً لسهولة بحث النظرية الموسيقية في حدود طبقتين ديوانين، دون اللجوء إلى نقل اليد اليسرى من وضعها الأول على الدساتين، ويسمون هذا الوتر الخامس "الزير الثاني، أو الزير الأسفل، أو الحاد"، وظهر على الساحة الموسيقية، تباعاً منذ القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي، نوعان جديدان من العود هما "العود الكامل" وهو أشهر الآلات وأثمنها».

عن ذلك يقول "الصفي الدين": «يشد عليها خمسة أوتار مضاعفة "البم – المثلث - المثنى- الزير- الحاد"، وأما اصطحابها فهو أن تجعل مطلق كل وتر مساوياً لثلاثة أرباع "الرابعة التامة" ما فوقه، فيصير الجمع الكامل "أي ديوانين)" مندرجاً فيما بين مطلق الأعلى الذي هو البم، وبنصر الأسفل الذي هو الحاد، وبالتالي حافظ على التسوية المعهودة، واعتبروه أشرف الآلات ذوات الأوتار، ويبدو أن استعمال الوتر الخامس أصبح ممكناً لسببين، أولاً لكبر حجم العود، وثانياً لنزول الأوتار نحو القرار، وذلك على النحو التالي جعل الحاد مكان الزير، والزير مكان المثنى، والمثنى مكان المثلث، والمثلث مكان البم الذي صار أكثر غلظة».

ويتابع "القطاط": «والنوع الثاني هو "العود الأكمل" فتشير مؤلفات القرن الثامن- التاسع الهجري/الرابع عشر- الخامس عشر الميلادي، إلى أن بعض العملة المتأخرين يشدون على ساعد هذه الآلة وتراً سادساً ويسمونها "العود الأكمل"، وهو وتر مفرد، يضاف أسفل الوتر الحاد ويسوّى على قرار ديوان الوتر الثالث، ويقوم بالتالي، بدور القرار، مما يجعل المجموع إحدى عشر وتراً، خمسة مضعفة وسادس مفرد، وربما ضعّف البعض الوتر السادس».

أما عن الدساتين فيقول: «يتفق الجميع على أن الدساتين الضرورية أو الرئيسية كما يسمونها "أربعة"، وهي المنسوبة للأصابع الأربع "السبابة، الوسطى، البنصر، الخنصر"، فطن لها أكثر الناس واعتادها ونسبوا النغم إليها، وهي الطبيعية عند القدماء، وفيما يلي تلخيص للتطور الذي شهده عدد دساتين العود من مدرسة إلى أخرى، منها "المدرسة التأسيسية العودية، المدرسة الإبداعية الطنبورية، المدرسة النظامية المنهجية».