"الماغوط" بعدسة "هالا محمد".. في فيلم "إذا تعب قاسيون"
الثلاثاء 01 شباط 2011
"إذا تعب قاسيون".. فيلم تسجيلي سينمائي يتحدث عن حالة شعرية فريدة عاشتها سورية والوطن العربي، يمثلها الشاعر "محمد الماغوط" الذي يحدثنا عن حياته وذكرياته في السجن من خلال التنقل بين قصيدته "باب توما" وأول عنوان وضعه باسم "القتل".
رمزية تعبيرية تعبّر عن الإبداع بحالتيه الإنسانية والتجريدية لتنتقل إلى عوالم سكنت دفء الكلمات والسطور، وذكريات أخرى احتفظت بها لنا المخرجة السورية "هالا محمد" مخرجة فيلم "إذا تعب قاسيون"، والتي حدثتنا عن فترة العمل والتحضير للفيلم، قائلة: «أخرجت الفيلم عام 2006 قبل وفاة الشاعر "محمد الماغوط" بسبعة أشهر، وكان ضمن مشروع طُرح في الوطن العربي حول "أدب السجون"، ولكوني شاعرة ودرست السينما اخترت الشاعر "محمد الماغوط" السوري، والموضوع هو طرح قضية إنسانية من موقع شعري إنساني غير سياسي، فالفكرة المأخوذة عن "الماغوط" أنه شخص انتقائي وصعب جداً، وعندما طرحت الموضوع عليه أحب الفكرة كثيراً فبدأنا العمل بالمشروع بمرونة كبيرة جداً، كان يتصل بي دائماً ليرى الفيلم في مرحلة المونتاج لكنني كنت أرفض ذلك خوفاً من أن يكون هناك ملاحظات حول الفيلم، وبلحظة من اللحظات أصر جداً بأن يرى الفيلم فاتصل بي صباحاً ليراه، وعندما رأى الفيلم بكى كالطفل خلال مشاهدته "جبل قاسيون" في الفيلم، أثْنى على الجهود المبذولة لنجاح الفيلم، وتوفي بعد رؤيته الفيلم بيومين من رؤيته له».
تختفي المخرجة في فيلم "إذا تعب قاسيون" تماماً من السرد الفيلمي لتجعل الشاعر يتحدث بعفوية، وهنا تقول: «تدخّلت كثيراً في الفيلم، حضّرت وناقشت كثيراً معه، ولكن كل شيء كان متفق عليه لإخراج فيلم عفوي تلقائي تسجيلي سينمائي، صوّرت مقاطع أخرى مهمة جداً يمكن أن استفيد منها في فيلم آخر عنه، "الماغوط" كان لديه أربعة فقرات معطوبة في ظهره ورغم ذلك استطاع أن يخرج لتصوير مشهد على "البرندة"، وتم صياغة العمل الفني وتصويره على "الصوفا"، فلم أقطع حميمية اللقطة التي أصور فيها».
تتابع: «تصويري له وهو نائم وعلى "الصوفا" كان لتحقيق الفيلم الذي أريد تصويره ولإظهاره كما يريد ويرى ويرغب ليعبر عن أفكاره.
فعلاقتي بالماغوط كانت إشكالية، وهنا أصبح لدي التحدي لتصوير هذا الشاعر والتحدث عن تجربته في السجن، وهي رغبة مني للبحث في حل هذه الإشكالية في داخلي ومع "الماغوط"، واستطعت الوصول إلى ذلك بتصوير هذا الفيلم، بعيداً عن كل شيء يتحَدَّث عن المشروع الإبداعي الذي يجمعنا، وأن أراه كإنسان أكثر».
أما عن الموسيقا التي رافقت الفيلم التسجيلي فتقول "هالا": «في العمل يقع الفنان على خيارات تشبه كثيراً بنيته الحسية والشخص الذي يعمل المخرج معه، وهنا كان لدي خيارات موسيقية كثيرة، لكن اختياري لموسيقا "عبد الوهاب" كانت من فكرة أن "الماغوط" كان خلال تواجدي وتصويري الفيلم معه يستمع باستمرار إلى القرآن و"عبد الوهاب"، واختياري لموسيقاه أتت من حبه لفن "عبد الوهاب"، فشعرت بأن الأغنية ستخدمني كثيراً لإنجاح الفيلم ونقل تلك الحالة الحقيقية بعفوية بتعميق الفكرة البصرية لأصل إلى لحظة حسية تعمل "هارموني" مع المادة البصرية الإخراجية ككل، فهي علاقة وعي محسوس ومدرك جداً، وكانت نابعة من علاقتي بالعمل ومعه، وموسيقا "مارسيل" كانت عبر اتصال مع الموسيقي "مارسيل خليفة" والذي أرسل لي مقطعاً موسيقياً مَنَحَني أن أمنتج ما أريد من الفيلم، ذلك بعد اطلاعه على فكرة الفيلم، والذروة التي جاءت في الأخير بتداخل الخطين الموسيقيين مع بعضهما البعض، فلم أجد القدرة بأن أستبدل حداثة شغل "مارسيل" مع الموسيقا التي تترافق بالنسبة لي مع حداثة شعر "الماغوط"؛ وكلاسيكية "عبد الوهاب" لأن الشخص المتواجد أمامي يحمل تاريخ سبعين عاماً وهو جزء من تاريخ بلدي الشعري والثقافي والإنساني غير أن أمزج الخطين الموسيقيين معاً باللغة الفنية لأعبر عبر الموسيقا عن المقولة التي أبحث عنها».
أما عن مراحل التصوير وعفوية العدسة معه فتقول: «العلاقة معه داخلية فيما نحن نعمل عليه، كنت عفوية معه خلال تصويري له، حتى إنني كنت استخدم الكاميرا مرافقة لحركاته ونظراته وتقرب العدسة منه. كما أن الشاعر كان متعاوناً كثيراً معي وكان في أغلب الأحيان يسألني إن كانت اللقطة صحيحة أو المشهد ناجحاً».
المخرج السينمائي "أسامة محمد" يحدثنا عن رأيه بالفيلم فيقول: «علم السينما عندما يكون فيه مونتاج هل هي بالضرورة عندما يكون فيه قطع وتحرك عبر اللقطات؟... ففي السينما لا فرق بين الحركة، القطع والكثافة وبين اللقطة الثابتة إلا بالموضوع، السياق، الشخص والمقاربة، ومن هنا عندما نرى وجه كوجه "محمد الماغوط" على بعد خمسة سنتمترات أليس هناك الكثير من المغريات الحقيقية بأن لا نتحرك ونحترم هذا العالم البصري أمامه، والذي هو العالم البصري الذي يلمع مع ما يقول "الماغوط" وما يحس به، عندما يتذكر ويسخر من نفسه».
يتابع: «هنا الكاميرا الثابتة هي السينما عندما تحقق مصداقيتها، فمن فضائل المقاربة التي عملتها المخرجة الاستماع البصري إلى الآخر، فالاستماع البصري إلى الآخر هنا يقودنا إلى البنية التي تعود من أقوى مكونات الفيلم، والتي هي عندما يفتح "الماغوط" الباب أولاً وهو جالس على "الصوفا" فنصف الفيلم يتحدث "الماغوط" وهو جالس على طرف واحد ومن ثم ينتقل للجلوس على الطرف الآخر، وبين لحظة وأخرى ينتقل إلى "البرندا" والخروج إلى الشرفة التي تطل على "قاسيون" و"دمشق"، وهي بنية بقدر ما هي سهلة تعتبر أصعب بكثير، وهنا أرى أن تكوين الفيلم فيه الكثير من الجرأة ولكن هل هذه الجرأة كانت تحتمل الذهاب إلى الكثير من العمق في الجرأة؟ برأيي لو أزيلت كل الفواصل والصور التي وضعت لدواوين "الماغوط" لكانت المخرجة أبحرت في الكثير من الجرأة والعفوية المطلقة وقدمت شكلاً فنياً أكثر اكتمالاً».