بدايات الفن التشكيلي في "السويداء" وصانعيه
ضياء الصحناوي
ليس سراً أن الحركة الفنية بدأت في أربعينيات القرن الماضي بمحاولات منيرة لبعض الأشخاص الذين عملوا ما بوسعهم من أجل الفن الغريب عن المنطقة، وفي الخمسينيات كان هناك خمسة شبان خطوا الطريق لمئات الفنانين بعدهم، وفتحوا الباب على مصراعيه للأجيال القادمة نحو الفن.
المفكرة الثقافية حاورت الفنان "جمال العباس" يوم الاثنين الواقع في 8 كانون الأول 2014 فتحدث عن ملامح الحركة الفنية في المحافظة: «ظلت البدايات في نطاق ضيق، وهذه المحاولات لا تتعدى الرسم الملون أو الرسم القائم على الحسابات والمربعات مثل أعمال السادة "صالح السعدي"، "حمد السنيح"، "أجود أبو عسلي"، "سمير الجميل"، "محمد حماد"، "يوسف أبو عسلي"، وهؤلاء شكلوا بداية حلقة غير منتظمة، حتى كانت سنة 1954 إلى سنة 1959 حيث توسعت الحلقة وباتت أكثر انتظاماً من أجيال متقاربة استفادت من مدرسين مصريين متخصصين بالرسم "سعد الدين الشوراني"، ومدرسين سوريين "محي الدين طالو"، و"محمود نويلاتي"، والمعلم المنتدب "فريد الجميل"، وراحت تنشط في مراسم المدرسة أسماء كثيرة تابع بعضها طريقه نحو الفن خارجاً نحو الطبيعة ليتحاور معها ويتعرف على منابعها، منصهراً فيها وصولاً إلى مفهوم اللوحة وركائز العمل الفني، وبعدها جاء نادي الفنون الجميلة محتضناً وداعماً وعارضاً لأعمالهم، وانشغل آخرون بحياته الخاصة، وكان لنادي الفنون الجميلة الذي تأسس في العام 1959 على يد مجموعة من الشباب المتحمس، منهم "سلمان البدعيش"، "سلامة عبيد"، "صابر فلحوط"، "جمال العباس" لتنامي الشعور بالحاجة الملحة إلى احتضان وتشجيع الطاقات الإبداعية الشابة، ولاقى تأسيسه الدعم الشعبي والرسمي، وانضم إليه مجموعة من الهواة ورسموا اللوحات الزيتية والمائية التي وجدت طريقها إلى المعارض الفردية والجماعية التي نظمها النادي ودعا الجمهور لمتابعتها، وكانت بمثابة عرس حقيقي من كثافة الحضور، ومن هؤلاء الفنانين "فؤاد أبو سعدى" الفنان العالمي،، و"كمال القنطار"، و"حمد عزي"، و"جمال العشعوش"، وقد أغلق النادي عشية محاضرة له في العام 1970».
تابع الفنانون رحلة البحث عن حاضنة حقيقية، فكان العام 1973 سنة تأسيس مركز الفنون التشكيلية بقرار من وزارة الثقافة واستجابة لعدة دراسات من قبل "العباس" نفسه ومن قبل بعض الفنانين وخاصة الدكتور "عبد الكريم فرج"، حيث كان له دور كبير في تأمين مكبس الحفر، واستقبال مجموعة كبيرة من الفنانين الهواة الذين تابعوا دراستهم في كلية الفنون الجميلة، ولا زال المركز مستمراً في عمله إلى الآن، مع أساتذة مثل "عادل أبو الفضل"، "فؤاد نعيم"، "فرحان أبو عسلي"، "يحيى أبو سعدى"، "شفيق اشتي"، "أيمن فضة رضوان"، "عصام كرباج"، "بثينة أبو الفضل"، والبعض منهم بات معروفاً في سورية والعالم.
تم تعيين فرع للنقابة برئاسة "جمال العباس" 1979 في السويداء، وكانت أهم منجزاته اقامة معرض سنوي لفناني المحافظة، وإحداث معرض سنوي لفناني القطر بعنوان تحية للثورة السورية الكبرى .
أما عن مواطن الجمال في المحافظة، ومدى تأثيرها على هذا الحراك الكبير في الفن، أضاف: «إن وراء سطح الصورة عمقاً غنياً بجماليات الجوهر لا تلتقطه إلا عيون متأنية وفاحصة ومدققة في رؤيتها، فالوجوه البشرية حتى وهي في قسوة الجبال ووعورة الأرض تحتضن في صدورها قلوباً عامرة برقيق الشعر وسحر البساط الشعبي، والناس في عاداتهم وتقاليدهم في أفراحهم وأحزانهم يرسمون في كلماتهم وأمثالهم الشعبية، وحركاتهم ولباسهم لوحات تخصهم وحدهم، ولا نجد لذلك مثيلاً في منطقة أخرى، وخصوصيتها جاءت بفعل عملية الاشتقاق والتوالد جراء حركة الناس وتطلعاتهم الحياتية، وهذه تفرز بدورها مولداتها الذاتية، بل وأنفاسها المميزة وهكذا نجد المواهب الفنية التشكيلية التي كشفت نفسها، وفي فترات مختلفة، وبالإمكانيات المتاحة والظروف المحيطة وطرق تعبيرها كانت محاطة بموروث جمالي له تواجده ومبرراته».
لم تكن الغربة لعدد من فناني المحافظة تثنيهم عن الإبداع، وقد وصلت أخبارهم من شتى أنحاء الأرض تحكي عن تميزهم وإبداعهم في التشكيل والنحت.
الفنان "مفيد الجباعي" علق على السرد التاريخي الذي أوجزه "العباس" بالقول: «كانت الحركات الفنية الأولى تكتسب الكثير من الاحترام والفخر، خاصة أن الفنان كان غير معروف واللغة البصرية بكل مكوناتها ما زالت في بداياتها تحبو، وعند القيام بأي حركة فنية كانت تقام الأغاني والسهرات، وكنت أسمع من الرعيل الأول في الحركة الفنية أن مركز الفنون الجميلة كان يقيم مخيمات للموهوبين في القرى حيث كان الشبان ينامون في المخيم، والفتيات يتم نقلهم إلى البيوت، وها هي "السويداء" اليوم تضم أكبر شريحة فنية على مستوى القطر، والفضل في ذلك يعود لعدد قليل من الفنانين الأوائل الذي ناضلوا في سبيل استمرار هذه الحركة الفنية».