تحقيقات-مجلة الدنيا الجديدة
صدرت مجلة (الدنيا الجديدة) في دمشق في شهر تموز من عام 1962 بعد أن توقفت عن الصدور منذ عام 1958 مع غيرها من الدوريات السورية، بعد قيام الوحدة السورية المصرية، وكانت تصدر باسم (الدنيا) لصاحبها عبد الغني العطري (1919-2003) وعادت باسم (الدنيا الجديدة) وذلك في فترة الانفصال.
هي مجلة أسبوعية جامعة تصدر صباح كل خميس بغلاف ملون وضمن (54) صفحة مع الغلاف الأول والأخير، وكانت متنوعة الأبواب منها: (الموقف السياسي، وشريط الأخبار، ودنيا الناس والمجتمع، ويوميات الدنيا..الخ).
كما كانت تحوي العديد من المقالات الثقافية والاجتماعية لعدة أقلام، كما حوت المجلة بعض التحقيقات.
نجد في العدد العاشر الصادر في 5 تشرين الأول عام 1962 في باب تحقيقات، تحقيقا أعده موفق بني مرجة مع المطربة فيروز تحت عنوان:
(أم زياد تفتح قلبها للدنيا) ومما ورد في التحقيق مايلي:
(في نبراتها أصداء حزن عميق يروي حكاية جراح الهوى، فيأتي على القلوب المعذبة بلسما شافيا! في سحباتها ثقة وشموخ يحاكيان تاريخ لبنان وفتنة الطبيعة في ربوعه النضرة فيبعثان على التفاؤل والبشر، في أغنياتها عمق الإنسانية وبساطة الحياة وجمال الكون! حنجرة ماسية صافية، وصوت مخملي ناعم، وأداء أحلى من العسل إنها الفيروزة التي ترصع تاج الغناء العربي وتجدد أمجاد الطرب في ليالي الشرق الساحرة.
قصة فيروز!! قلت لفيروز بعد أن جلسنا في ردهة الفندق.. كثيرون يترنمون بصوتك.. ويتطلعون لمعرفة المزيد من أسرار حياتك... فهل لك أن تسلطي بعض الأضواء على الجوانب الخفية الشيقة منها!
فتبسمت ثم قالت.. سأروي لك قصة حياتي باختصار.
- فيروز الطفلة الموهوبة!!
لقد تفوقت في الغناء منذ نعومة أظفاري فكنت أحرز العلامة التامة في مادة الموسيقا والغناء حتى لو لم أتقدم للامتحان!!
وكان الأستاذ محمد فليفل مدرب الغناء في الكونسرفتوار اللبناني يتجول في المدارس لاكتشاف الخامات الصالحة والمواهب الغضة، لصقلها وتقديمها للجمهور.. وقد حضر ذات يوم إلى مدرستي فبعثت المديرة في طلبي.. وحسبت أن الأمر سينتهي بتوبيخها لي على تقصيري في مادة الحساب... لكنني فوجئت بالأستاذ فليفل يطلب مني أداء بعض الأغنيات وعندما سمعني أعجبه صوتي وأصبحت أتردد على الكونسر فتوار باعتباري أصغر تلميذاته، وما هي إلا فترة قصيرة حتى أخذت دور (الصولو) في الإذاعة اللبنانية وبدأت أشق طريقي الفني في الكورس،
واقتنع المسؤولون بموهبتي بعد أدائي لأغنية (يا ديرتي) لأسمهان التي كنت أحب أغنياتها فتوظفت في كورس الإذاعة اللبنانية وتعرفت على عاصي الرحباني الذي كان عازفا للكمان فيها، فقدمني في الزوايا الإذاعية التي يشرف عليها بعد أن علمني أغنية (غروب).. وكانت بدايتي معه وعمري لم يتجاوز الرابعة عشرة ثم مضت فترة قصيرة غنيت بعدها (عتاب) التي كانت سبب شهرتي قبل انقضاء عام واحد!
كنت أستمع إلى قصة فيروز بشغف بالغ عندما توقفت عن حديثها فجأة... فسألتها بلهفة:
- وبعدين؟!
- بعدين علقنا!!
- مين علق؟
- عاصي وأنا!!
- ثم ماذا؟
تركت الكورس وترك هو الإذاعة وبدأنا معا إنتاجنا المشترك واستمر الأمر خمس سنوات انتهت بزواجنا وصار عندنا زياد (6 سنوات) وهالة (4 سنوات) وليال (3 سنوات).
قلت لفيروز:
- بعد هذه السنوات السبع التي مرت على زواجك من عاصي ما هي المحاسن التي يتحلى بها؟!
وأرسلت نظرة ضاحكة إلى أخيه منصور الذي كان حاضرا الحديث.. ثم قالت:.... أخلاقه... وكرمه... وشعره... وموسيقاه.
ثم سألتها بجدية ظاهرة:
- وأنت ما هي عيوبك؟
- أجابتني وعلى شفتيها بسمة بريئة:
- اسأل عاصي عنها!!
- وعدت للسؤال عما إذا كانت قد صادفتها بعض المتاعب في بداية حياتها الفنية... وكم عمرها الآن وما هو اسمها الحقيقي فقالت:
- أولا اسمي الحقيقي نهاد حداد وعمري الآن 28 سنة، وثانيا لم تصادفني صعوبات تذكر في بداية حياتي الفنية ولا سيما أن مخاوف والدي من الوسط الفني ما لبثت أن تبددت بعد فترة قصيرة!
قلت لفيروز.. إن شعبيتك تتركز في الأوساط المثقفة فما هو السبب؟!
- لا أبدا.. إنني مطربة الفئات الشعبية كافة وليس الفئات المثقفة وحدها..
- وسألتها: هل جربت التلحين؟!
- فقالت ساخرة: خليها للأخوين رحباني!!
- ما رأيك بصوتك؟
- فضحكت وقالت: اسأل منصور الرحباني!
- فالتفت إلى الأستاذ منصور وقلت له:
- هل يعجبك صوت فيروز؟
- فأجابني مازحا:
- ما بيعجبني أبدا!!
- فسألتها:
- يقولون إنك سفيرة الأرض للنجوم.. فهل تقبلين الوظيفة؟
- فأجابتني:
- أنا ما قلت شيء (هن اللي وظفوني).
- سألت فيروز:
- لماذا لا تظهرين كثيرا على المسرح؟
- ألا يكفي ظهوري في موسمين سنويا... مهرجان بعلبك ومعرض دمشق الدولي... وإذا كنت بتريد أكثر.. رح اظهر في موسم ثالث بسورية.
- والسينما... لماذا ترفضين الظهور على شاشتها؟
- هناك اتفاق سيتم قريبا للظهور في فيلم لبناني!
- كانت أمارات التواضع واضحة على محيا فيروز عندما أجابتني على سؤال:
- أغانيك سحر من الشرق.. أم نفحة من الغرب؟
- إن معظم ألحان أغنياتي شرقية ولكنها مخرجة إخراجا حديثا ولقد عمدت لإحياء الموشحات وقصائد الفولكلور اللبناني والسوري.
وقبل أن أودعها.. بادرتني بسؤالها: وأنت ما رأيك بفيروز؟
كان السؤال أكبر من أن أجيب عليه فورا فجمعت أوراقي وتأبطت جعبتي.. وتوجهت إلى مكتب المجلة لأعبر لفيروز عن رأيي بها من خلال هذا الريبورتاج؟ ".