"حكمت داوود".. "أكتب الشعر ولست بشاعر"

هيسم شملوني

تأتي الحالة الشعرية عند "حكمت داوود" في سياق الحالة التجريبية في فضاء إبداعي متعدد، حيث أن الذات تمثل المنطلق والمستقر في هذه التجربة الخاصة.

المفكرة الثقافية كان لها لقاء مع الشاعر "حكمت داوود" حول الفضاءات والمناخات الشعرية التي يعيش فيها، وكانت البداية:

*ما الذي يحرضك للكتابة الشعر؟

**الشاعر المحترف يبقى في كل لحظة لديه هاجس الكتابة، وأنا لا أملك هذا الهاجس، أكتب على الصدمة، تكون أحياناً صدمة عاطفية روحانية إنسانية، وأعتبر كلمة شاعر كبيرة بعض الشيء، يمكن أن يقال بأن ما أكتبه هو عبارة عن فلاشات شعرية، أنا أكتب بعض المشاعر التي أترجمها على الورق أحياناً، هي فلاشات صغيرة تخطر على بالي في بعض اللحظات، وأنا دائماً أقول أنه في كل إنسان منذ ولادته يوجد الشاعر والفنان والطفل، وفيه النقيضين المرأة والرجل، أو المكملين إن شئت القول، هي حالات تخرج أحياناً في لحظات معينة، يمكن أن يكون الشخص متأثرا بوضع عام، أو يمكن أن يتأثر بوضع خاص أحياناً، ربما يرى أمراً ويترجم أحاسيسه من خلال الكتابة، وهناك من يترجم ذلك أحياناً بالرسم ،التصوير الضوئي، أو بخيارات أخرى منها القصيدة، كتاباتي تتعلق أكثر بالمسائل الإنسانية، مسائل تتناول الهم الإنساني بشكل عام، وأحياناً أكتب حول مسائل تتعلق بالعاطفة والحنان والوجدانيات. فمثلاً رحيل الفنان "لاوند هاجو" أثر بي كثيراً وصدمني، حاولت كتابة بعض الكلمات له، كلمات مخفية وتتعلق بتاريخ هذا الشاب وطموحاته، والأعمال التي عملها، فهو يمثل خسارة كبيرة، وقلت فيه:

ترحل!
إذا ً دعنا في سكوننا
ندر رماد روحنا في الأزقة
ونحلم بعودة طائر الفينيق
×××
ترحل!
إذا ً دعنا نلملم لحظاتنا المتبقية
ونبكي ولادتنا الغير مكتملة
دون حشرجة في الحلق
×××
رماد – آري فكل ٌ سيّان
لكل ٍ صمته ، وحريقه
ولكل ٍ نيرانه ، عبر التاريخ
×××
ستلمس الشمس بأصابعك الخضراء
إذا ً دعنا في هشيم ظلامنا
دون رقص
دون أغنية
دون أجنحة
×××
أرحل
ستهديك الملائكة أجنحتها
وترقص في السماء
كاشفا ً عرينا
إنكساراتنا
وبقية الأمل
×××
ارحل
إذا أمطرت يوما
سأعلم بخطوك على الغيم
وإذا اشتدت الريح يوما ً
سأعلم إنك مررت من هنا
وإذا أرعدت يوما ً
سأعلم ان الآلهة تصفق لروحك
وانك ترانا ببريق عينيك
×××
ارحل سأخبر دمشق وأزقتها
ألا تنتظر مهرها
فهو يلامس الشمس بأصابعه المحترقة
لأجلها
لأجلنا
لأجل من لم يعرفهم.

*أيهما يحرضك أكثر الوجع أم الفرح؟

**الوجع أكثر طبعاً، الآلام هي من تجعلني أتوجه للتفكير وتعمل نوعاً من الصراع الداخلي، صراع مع الذات، أحب ترجمته حتى أفرج عن نفسي أقل ما يمكن، الفرح ليس  قضية يمكن أن تتشابه كثيراً مع الحزن.

*لماذا لم تطبع حتى الآن ديواناً رغم الكم الكبير من الكتابات لديك؟

**لم أطبع دواوين شعرية، رغم أن لدي كم هائل من القصائد، التي لم أنزلها جميعها في مواقع الإنترنت، لم أطبعهم لأن الغاية من الطباعة هي النشر، وأنا أجد أن الإنترنت يحقق هذا الانتشاراً أكثر، هناك قصائد عندي في موقعي عليها 400 زيارة، إذا أردت طباعة ديوان من 1000 نسخة، يمكن أن لا تباع منه أكثر من 300 في المكتبات.

*كأني بك تدعو أو تلمح إلى شيء يمكن أن نسميه شعراء إلكترونيين يمكن أن يسودوا الساحة الشعرية في القريب العاجل؟

**هم موجودون في الواقع المعاش الآن، هناك الكثير من المواقع الإلكترونية، التي تنشر الشعر، وعرف فيها شعراء، أصبح هناك مواقع تهتم بشعراء الإنترنت وأصبحوا يطبعون لهم الدواوين الورقية، فهي ليست بعيدة، وهذا واقع موجود، وأنا أشجع على هذا الأمر، وهناك أشخاص كثيرون لا يستطيعون الطباعة بسبب التكاليف المادية، وهذه الثورة الإلكترونية حتمية تاريخية، يجب التعامل معها وتقبلها.

 

*لماذا اعتمدت هذا النوع من الشعر الحديث، والذي تقول في "خريف الأزرار" مثلاً:

هاتِ

كتابك

ودعيني أقرأ

حروفك الصغيرة

حروفك الكبيرة

كطفلٍ يخشى

أن تضيع منه

التاء المستديرة!!

×××

هاتِ

تفاحك

ودعيني أمضي

في ركب جنوني

وزلزلي الخطو مني

فقد أصحو

في هذه المسيرة!!

×××

هاتِ

مفتاح ليلك

وأغمضِ

عن سارقٍ

يهوى

التفاصيل المنيرة!!

×××

وهاتِ

عشاً يتوسده قلبي

فوالله

لن يفزع غفو

عصافيرك الصغيرة!!

**اعتبرته نوعاً من الترجمة لخلجات النفس، فهو تعبير عن حالة، أكتب مثلما يقول لي قلبي، لم أفكر بالتصنيف، إضافةً إلى أنها تحمل موسيقا، فيها نوع من الموسيقا المعاصرة، وصور تصل إلى القلب بسهولة أكثر. لكن هناك نمط آخر من القصيدة  مثل "على حافة الهاوية"، كتبتها عن العراق في وقتها، وتناولت فيها ذاكرة العراق وتاريخها وبابل، وتاريخ المنطقة والثورات التي حدثت، والناس الذين ماتوا من أجل هذه الأرض الممتدة في بلاد الرافدين،كلذلكحاولت اختصارها في قصيدة،أقول فيها:

نقطة الدم

تفترش الذاكرة المتقدة بالمدن

بابل تتخثر في الطين

وحدائق الميدية

سميراميدا

المعلقة في دمي

بنزهة

على حافة السكين

×××

الفرق بين الارجوحة

في بابل

والانشوطة

في كل البلاد

مسافة عارضتين

يصعدها الأطفال .. بداء اللهو

ويصعدها الرجال .. بداء الحنين

×××

فمن يشتري

جثة المدينة

من يشتري غابات البلوط المجففة

في فوهة البندقية

دمي رنين الصولجان المطرز

في بلاط الآدمية

×××

متقدة تفترش الذاكرة

وسميراميدا اليمامة

مشتتة في الجهات

فهل من فينوس

تعيد إليّ دمي ؟

و"سميراميدا" هي نفسها "سميراميس"، كانت بنت ملك "ميديا" في ذاك الوقت، تزوجها "نبوخذ نصر" كيلا تحدث الحروب، فهي أصيبت بالحنين إلى الوطن، فبنى لها "نبوخذ نصر" حدائق بابل المعلقة في 500 ق.م تقريباً كما تقول الرواية، فهذه كانت مرحلة جميلة تاريخياً، لذا حاولت أن أضع هذا التاريخ في قصيدة. وفي الغزل قلت في قصيدة "قراءة امرأة"، التي تحوي صوراً لإيصال الحالة الروحانية التي أعيشها إلى المتلقي:

مورقة أنت

تضيئين

كبيّارة تتلألأ

من همس العاشقين

لا عصفور التين مني

يهدأ

ولا تفاحك

من نقري يلين!!

×××

ألج أكثر دفئك

صهيلاً

وأخبو

بأكثر من حنين

لا سنابك خيلي

تملُّ

ولا رمل مضمارك

يحين!!

×××

أدمنت

حب الأنثى

ولم أزل بعد مكوّر جنين

الآن عمري يكسوه

بعض خصلات الياسمين

وأنا لم أزل أنا

وأزداد يقين!!

*قالت العرب قديماً: "أصدق الشعر أكذبه"، ماذا يقول "حكمت داوود"؟

**كما سبق وقلت إني أحاول الهروب من تصنيفي كشاعر، لأن توصيف "شاعر" كلمة كبيرة جداً، الشاعر إنسان حساس، إنسان لطيف، إنسان أمامه مهمات يجب أن يكون على قدر كبير من التحدي لكي ينقل ما بداخله إلى العالم والناس، هناك شعراء فعلوا ما فعلوا في قضايا الشعوب والمنطقة والتاريخ، وهؤلاء الشعراء نقف لهم إكراماً وإجلالاً، ولا أجد نفسي في هذا المستوى، أنا أكتب بعض الأمور، أكتب الشعر ولست بشاعر، أحاول الهروب دائماً من تصنيفي كشاعر، لكن هناك أمور تأخذ اسمها من ممارستها، فطالما أنت تكتب الشعر فأنت شاعر، نفس الحالة مع المصور الضوئي، ولكن القضية بمعيار الجودة الذي يختلف من شخص لآخر، لكن صدق الشعر أو كذبه هذا يعود إلى الشاعر نفسه أي أنها صفة شخصية.

الجدير ذكره أن "حكمت داوود" مصمم أزياء يعمل في مجال الدراما التلفزيونية، وهومصور ضوئي، وفنان تشكيلي أيضاً.