حميد قاروط: الكاريكاتور يعايش قضايا الناس اليومية

هيسم شملوني

حميد قاروط، مواليد 1948، حاصل على إجازة بكالوريوس فنون جميلة 1974، بدأت العمل بالكاريكاتير 1979، اختصاص تصوير في الكلية:

«اتجهت إلى الكاريكاتير لأنني وجدت أنه على تماس يومي مع الناس، وهو دائماً يعايش قضايا الناس اليومية والحياتية، وهو أقرب من اللوحة التشكيلية وصولاً إلى عامة الناس، وهي قد لا تصل إلى شريحة واسعة من الناس، وقد لا أستطيع أن أضع في اللوحة التشكيلية رأي صريح وواضح بالنسبة للقضايا الحياتية، كالأحداث السياسية والمباشرة، هذا ما دفعني إلى الكاريكاتير، والكاريكاتير فن تشكيلي بالنهاية، لكن أدواته تختلف نوعاً ما، فاللوحة التشكيلية تستخدم القماش والإطارات والألوان الزيتية، بينما الكاريكاتير يستخدم الورق والحبر، لكن عموماً هو فن تشكيلي قائم بحد ذاته، لكن مفاهيمه ومضامينه تختلف عن اللوحة التشكيلية.

 

لوحة الكاريكاتير جزء مهم من بنائها يعتمد على البناء التشكيلي، لهذا قلت أنها فن تشكيلي قائم، هناك الكتلة وهناك اللون، هناك الخط، وهناك الموضوع، فهي لا تختلف، لذلك أؤكد على أنه فن تشكيلي قائم بذاته.

اللوحة التشكيلية غالباً لها صفة الديمومة، بينما لوحة الكاريكاتير تنتهي بانتهاء الحدث غالباً،

الكاريكاتير يتجه في المراحل الحديثة، إلى مفهوم اللوحة، بحيث أنه يبقى ويأخذ صفة الديمومة، هناك رسامين في العالم بدؤوا يتجهون إلى هذا المفهوم، بحيث أن اللوحة الكاريكاتيرية لا ترتبط بزمن رسمها ولا بتاريخ معين أو حدث معين، وتعتمد كافة أشكال اللوحة التشكيلية، من لون وتكنيك وخط، وكافة الأمور، حتى أن البعض يرسم على القماش، يأخذ الكاريكاتير ويرسمه على القماش، ورأينا تجارب عديدة من هذا النوع.

*ما هو وجود هذه الصيغة في سورية، وهل تتقاطع معها؟

**في سورية دائماً يعتمدون الاجتماعي الذي يأخذ صفة الديمومة، وهذا أمر طبيعي، فعندما نعالج مشاكل الفقر والظلم والبيئة، هذه تأخذ صفة الديمومة حتى تنتهي الظاهرة، لكن الحدث السياسي من الخطأ الشائع أن الكاريكاتير يجب أن يكون دائم، فالحدث السياسي يومي، ويجب على الكاريكاتير أن يلاحق هذا الحدث ويكون معه ويلاحقه يوماً بيوم وساعة بساعة، ولا ضير أن ينتهي زمن الكاريكاتير مع انتهاء زمن الحدث، لأن هذه هي وظيفته، وظيفته مع الحدث السياسي، يجول الحدث فيجول معه الكاريكاتير، لكن تبقى له أهيمته، لأنه يؤرخ لهذه المرحلة من الزمن، إن كان سياسياً أو حتى اقتصادياً واجتماعياً، فيمكن العودة إلى المرحلة في الزمن اللاحق عن طريق تعامل رسامي الكاريكاتير مع هذا الحدث، وتبقى أهميته كأي كتاب تاريخ.

بتجربتي أعتمد على مفهوم النقطة، لا أحب أن أكون مباشراً، ليست اللوحة إنشائية أو تقريرية، وهذه وجهة نظري، قد يقول قائل أني أرسم عكس ما أقول، ولكني أحاول، قد توجد بعض الرسمات تقريرية.

 

مفهوم النقطة، هو المفهوم غير المباشر للحدث، أي أنه يعتمد التحليل أكثر من التقرير والمباشرة، مثال: عندما شخص يأتي بلبوس معين ويلقى الترحيب، ونلمس هذا الشيء ببعض المثقفين العرب، فهذه من الممكن أن نرسمها على شكل حصان تروادا، أي أنه أبهرنا بشكله ومظهره المخادع، تشبيه هذا الشخص بسلوكيته كواقعة حصان طروادا، القصد أني أرسم بما وراء الحدث، يتحدثون في الصحافة بالقراءة ما بين السطور، وأنا أرسم ضمن هذا المفهوم.

*في فترات لاحقة تناولت الشخصية بعينها ببعض أعمالك؟

**لدي كاريكاتير شخص يضع قدميه في ماء باردة، وهذا دليل على الاطمئنان والراحة، عندما أريد قول هذا المفهوم لا ينطبق، عندما أرسم شخص يضع قدميه في الماء فإن رأسه يكون يشتعل بالنار، أنا أعمل بهذا المفهوم،

*هل تشكل لك المقولات الشعبية مخزوناً؟

الأمثلة والمقولات والحديث الدائر بين الناس، كل هذا مخزون ثقافي يغنينا، ونحن نضعه في الصور والرسومات.

*متى تتناول شخصيات بذاتها، هل لموقفك شخصي منها؟

**من المفروض على الكاريكاتير السياسي تحديداً أن يتناول شخصيات محددة بعينها، الهدف المقصود منه، يجب أن ترسمه شخصياً، وإلا لن تصيب الهدف، سيصاب شخص آخر، إذا صوبت على شخص بعينه يجب أن يوضع بذاته حتى لا يتم تأويلها، ولكن بعض الرسامين أو بعض المدارس هربوا من هذا النوع خوفاً من وقوع المحادثة، وخاصةً في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، بسبب عدم السماح لهم بتناول الشخصيات، لذلك رسموا شخصية معينة ورموز معينة وبدؤوا بتناولها، وهذا النوع يعطي شمولية أكثر، يتناول الإنسان كإنسان، خاصةً إن كانت أمور حرية في الديكاتورية، وأمور اجتماعية، بينما عندما يتناول الشخص بعينه يذهب الشخص ويضطر الرسام بعدها لانتظار شخص آخر، ولكن في السياسة هذا هو المفروض، يجب أن يتم تناول الشخص بعينه، وهذا الأمر تحدده سياسة الجريدة، أما كل رسام فهو يتوق لرسم الشخصيات التي يريد تناولها، خاصةً في السياسة، فلدى كل رسام شخوصه، لذلك الشخص الذي ينتمي للطبقة الفقيرة بالنسبة لي يختلف عن الشخص الذي ينتمي للطبقة الفقيرة عند رسام آخر، من ناحية الشكل والخط والبنية الاجتماعية، بعض الرسام يرسمون الفقير دون أن يبدو فقيراً، فلا يعني أنني إذا وضعت رقعة على ثوب الشخص أن يكون فقيراً، بدليل الموضة التي درجت في العالم بالملابس الممزقة والمرقعة، الرسام الجيد يظهر الشخص ببنيته وليس بلباسه، ولذلك هنا نرى شخوصاً من لحم ودم، ونرى شخوصاً كرتونية، فهذا الفرق، وكل الرسامين يعملون لأن تكون شخوصهم من هذا النوع، وهذه الشخوص تستطيع أن تحمّلها كل أفكارك، وبالتالي يتعاطف معها المتلقي، أما إن كانت الشخوص بلا لحم ودم لا تستطيع تحميلها أي فكرة من أفكارك، وإذا حمّلتها لن تصل إلى الناس.

 

*هل نستطيع التكلم عن مدارس كاريكاتير في سورية، أو أن رسامي الكاريكاتير في سورية لهم مدارس؟

**بالنسبة لمدارس الكاريكاتير، يمكن أن نسميها مدراس ويمكن تسميتها اتجاهات ويمكن تسميتها أساليب، عموماً ليس هناك مدارس تخرج رسامين، لكن هناك من يتدربون على أيدي رسامين، في العالم هناك رسامين يتدربون على أيدي رسامين ذوو خبرة، وبالتالي يصبح منهم من يقلد أستاذه، ومنهم من يأخذ أسلوباً خاصاً به.

إذا أخذنا من ناحية الشكل، هناك أساليب متعددة لدى كل رسام، فكل رسام له خطه وأسلوبه، منهم من يستخدم الخط المبسط، ومنهم من يغرق بالواقعية، ومنهم ما بين بينين، هذا من ناحية الشكل، منهم من يضع الشخصية فقط، ويرسم الشخوص، ضمن لا جغرافيا، ليس له جغرافيا، كادره عبارة عن شخص أو شخصين يحملون الفكرة، دون بيئة جغرافية، وعموماً هذا أكثر شيء كان بأوروبا الشرقية، لكن الكاريكاتير الأمريكي والأوروبي يغرقون بالجغرافيا والمحيط، عبر رسم المكتب والسكرتيرة وشخص يرد على الهاتف والديكور، هذا من ناحية الشكل، أما من ناحية الأساليب، منهم من يستخدم التعليق إلى جانب الرسم لإيصال فكرته، في أوروبا أو أمريكا والدول الغربية، يستخدمون التعليق كالبهارات، أي أننا لو حجبنا التعليق يبقى الكاريكاتير، لكن كثيرٌ لدينا في وطننا العربي يفضلونه بلا تعليق، ولكن 90% في الغرب يعتبرون أنه لا بد من وضع التعليقات كالبهارات لإثارة البسمة، وهنا لم نعد نبحث عن البصمة، معتبرين أن لدينا قضايا مهمة وملحة، حيث لا مجال للابتسام، وأتمنى أن نصل إلى مرحلة حيث يكون هدف الكاريكاتير البسمة أكثر من معالجة قضايا معينة، لأن البسمة مهمة جداً، ويجب أن تكون هدفاً بحد ذاته. هناك من يستخدم التعليق، وهناك من لا يستخدم التعليق، البعض يقول أن الكاريكاتير بالتعليق متدني، والبعض يقول أن هذا غير صحيح وأنا من أنصار هذا الرأي، إن كان التعليق متدنياً فالكاريكاتير متدني، لكن الفرق ما بين الكاريكاتير بتعليق والكاريكاتير بدون تعليق.

 

الكاريكاتير بتعليق يتوجه إلى شريحة مقصودة، التي يتعامل معها رسام الكاريكاتير، فالكاريكاتير الإنكليزي يتوجه إلى قرائه الإنكليز، وبالتالي لا يعني له إن ترجم أم لا، فالكاريكاتير بتعليق يحتاج إلى ترجمة ليفهمه عامة الناس بينما الكاريكاتير بدون تعليق يفهمه كل الناس وليس بحاجة إلى ترجمة،فلا فرق ما بين الكاريكاتير بتعليق والكاريكاتير بدون تعليق، الفرق بين المستويات، يجب أن نبحث عن المستويات، إن كان التعليق متدني فيكون الكاريكاتير متدنياً، ولا ينتقص التعليق من وجود الكاريكاتير، وهناك أمثلة على أن التعليق أحياناً يغني الكاريكاتير، رسمت إحدى الرسوم، شارون يلتهم طفل فلسطيني، بلقطتين، اللقطة الأولى يلتهمه، اللقطة الثانية يلتهم يده معه، للتدليل على أن الوحش سيدفع الثمن ويبتلع ذاته، ونزل الكاريكاتير ونشر في إحدى المجلات الفرنسية، بنفس العام إحدى الرسوم تقريباً نفس الكاريكاتير ولكن بلقطة واحدة، وشارون يبتلع الطفل الفلسطيني، لكن مع تعليق، ويقول: (ما بالكم ألم ترو شخص يقبّل طفل)، هذا الرسم أخذ جائزة عالمية في سنته، وهو أمريكي، فالرسمتين بنفس المفهوم، ولكن قد يكون التعليق خدمه أكثر من عدم وجود التعليق.

*هل لدينا ملمح للكاريكاتير في سورية؟

**ملامح الكاريكاتير السوري، يبدو أنه ركب الموجة العالمية، بمعظمه بلا تعليق، ويعتمد على الشخوص، شخص أو اثنان فقط، غياب المرأة بالكاريكاتير، غياب العنصر النسائي ما قلّ ولم يدل، لأسباب ربما تكون ثقافية أم نوع من الاحترام الزائد للمرأة، هل يعتبر أنه ينتقص منها إن تناولها، أو لصعوبة رسم المرأة تشريحياً، وبالتالي يتهربون، نستطيع القول أن الكاريكاتير في سورية ذكوري، في الوطن العربي عموماً الكاريكاتير ذكوري باستثناء مصر ولبنان، أيضاً لا نعتمد اللوحة الشاملة بكل عناصرها، وأيضاً رسومنا لا تحمل ملامح البنية السورية، يفتقر إلى الملامح السورية، فإن وضع الكاريكاتير السوري بجانب أي كاريكاتير في العالم لا يعرف بأنه كاريكاتير سوري. الكاريكاتير السوري يزحف في الدول العربية كما زحفت الدراما، ويجب دعم هذه الخطوة من المسؤولين والإعلاميين، معظم الرسامين المتقدمين والأوائل في الوطن العربي هم سوريون، باستثناء بعض الرسامين اللبنانيين والمصريين، هناك منافسة شديدة بين رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي، ويعتبر الكاريكاتير السوري متقدم بخطوة أكثر من باقي الدول ويجب دعم هذا الأمر.

 

في البدء الجريدة تحمل الرسّام وتروج له، لكن إذا ثبّت الرسام أقدامه، يصبح الاثنان يحملان بعضهما، يصبح الرسام حامل لهذه الجريدة والجريدة حاملة لهذا الرسام، إضافة إلى أنه في هذا الوقت، في عصر الإنترنت والصحافة الإلكترونية، والمرئية والتلفزيون، يجب ألا يغيب الكاريكاتير عن الصحافة، لأن الكاريكاتير هو صورة، لكنها صورة من الممكن أن نقول أنها ناطقة، لأن فيها حوار بينها وبين المتلقي، فالقارئ يسمع صوت الرسام من خلالها، ونحن اليوم في عصر تنافس الصورة، وهي تعتبر صورة ناطقة، وبالتالي من الخطأ إلغاء الكاريكاتير من أية صحيفة، فإذا كان للبيت ثلاثة نوافذ وباب، فهي النافذة الرابعة ولا يمكن الاستغناء عنها.

*في زمن الإنترنت هل ترى أن الكاريكاتير تراجع أم تقدّم؟

**الكاريكاتير هو ابن الصحافة الورقية، وبالتالي فأي تراجع للصحافة الورقية سيتراجع معها، ولكن يحاول الكاريكاتير ألا يربط ويكبّل نفسه بالصحافة الورقية، بل يحاول القفز إلى الصحافة الإلكترونية، وهي أهم وأشمل، لكن نحن في الوطن العربي، لا زال الكاريكاتير والصحافة الإلكترونية لا يحمل التأثير الذي يحمله على الصحافة الورقية، قد يأتي يوم ويصبح له نفس الدور الذي يلعبه على الورقية.

*"الكاريكارتون": هل يشكل مخرجا للكاريكاتير من هذه الأزمة، الكاريكاتير المتحرّك، كتجربة علي فرزات مثلاً؟

**برأيي الكاريكاتير المتحرك يجب أن يكون مثل الفلاشات، ليس كما بعض الرسامين، أن يرينا مدّته نصف دقيقة، ومراحل تعامل مع الشخص أو هكذا، يجب أن تكون ومضة، كطرفة العين، فلاشات، هنا من الممكن أن يكون الكاريكارتون جيداً، وهذا رأيي، أما إذا أصبح كفيلم كارتون فسيفقد من تأثيره.