حوار مع الفنان التشكيلي "علي نيوف"

قليلون هم الفنانون الذين يبدعون في أكثر من مجال، فالروائي على سبيل المثال يحاول أن يتجه إلى كتابة الشعر إلا أنه يكتشف أنه يفشل والموسيقي كذلك وأيضاً الرسام، إلا أننا أمام فنان تشكيلي استطاع أن يفرض وجوده من خلال لوحاته ومنحوتاته وعزفه على الناي على الساحة الفنية.نحن نتحدث عن فنان من مدينة "مصياف"، فبعد اجتياز المرحلة الثانوية وبسبب ضيق الحالة المادية قرر "علي نيوف" وهو من مواليد عام /1968/ أن يلتحق بمعهد إعداد المدرسين قسم الرسم، وذلك بعد أن فشل في الدخول إلى كلية الهندسة المعمارية.

وقد أجرت المفكرة الثقافية  معه الحوار التالي:

بالبداية نود أن تُطلعُنا عن بدايتك الفنية؟

بالنسبةِ لي الفن مُرتبط بالموهبة والرغبة، إلا أنَّ الموهبة وحدها لا تصنع فناناً، فهناك الرغبة والقلق الذي يحدث عند الفنان، والذي يجعله يُنجر دون وعيٍ نحو اللوحة لكي يبدأ برسمها، كما أنَّ والدي كان رساماً مغموراً فيما مضى يكسب رزقه من رسم البورتريهات للأثرياء في مدينة دمشق، ولكن وبعد أن عاد إلى مدينة "مصياف" ليستقر فيها.اكتشف أنَّ الناس هنا لا يدفعون ثمناً للوحة، فاضطر إلى التوظف في الدولة "قسم الآليات" ليُصبح سائقاً، من أجل أن يكسب عيشه، إلا أنَّ المُفارقة التي حدثت فيما بعد بأنَّ والدي هو أول من حاربني عندما رآني أرسم حتى إنه كان يصل إلى مرحلة الضرب إذا اكتشف أنني أرسم بالسر، أعتقد أنه يشعر بأنَّ الرسم سيزيدني فقراً.

وعن البدايات عندي دعنا نتحدث عن النحت، فهنا في "مصياف" الشتاء شديد البرودة، وغالباً ما تثلج هنا بشكلٍ كثيف، فبدأت مرحلة النحت التي كُنت أُمارسها على الجليد، وفي صف العاشر قررت أن أصنع تمثالاً من الثلج يُمثل "فينوس" وبالفعل عملت على نحته، وبعد الإنتهاء منه وقد كان تقريباً بطول المترين، خرج بعض الصيادين من بين الأشجار ليزيحوه من طريقهم فسقط على الأرض وتهشم، وفي هذه اللحظة اكتشفت القيمة المادية للمنحوتة، فبدأت أبتعد عن استعمال الثلج واتجهت نحو قطع الحجارة الصغيرة بدايةً، وذلك لسهولة نقلها من مدينة لأخرى،وبعد انتهائي من الدراسة في المعهد، سافرت إلى "الرقة" لأدرس مادة الرسم وهناك استطعت أن أرسم عدة لوحات لأُشارك بها في معرضٍ جماعي مع عدة فنانين في المدينة، إلا أنني من خلال الستة سنوات التي استقريت فيها في "الرقة" أقمت فيها معرضاً فردياً لي وكان هذا المعرض أول معرض لي، بالإضافة إلى الإشتراك مع عدد من الفنانين في معارض جماعية، وبعد رجوعي إلى مدينة "مصياف" شاركت أيضاً بالعديد من المعارض الجماعية والفردية.

 

- حدثنا عن التنقل، ومشاركتك في إسبانيا.

لقد كان الأستاذ "رفعت عطفة" مُديراً للمركز الثقافي العربي في "مصياف"، مُطلعاً على الفن التشكيلي في المنطقة، وعلى علمٍ بلوحاتي وبأعمالي النحتية.

فعندما أصبح مُديراً للمركز الثقافي السوري في "مدريد"، اتفق مع عمدة المدينة على إقامة مُحترف للنحت بمناسبة مرور /1250 / سنة على دخول "عبد الرحمن" الداخل إلى أسبانياوهذا كان في عام /2005/ على أن يُقام المحترف إلى جانب مجموعة من الفعاليات الأخرى، كمعرض للرسم وأُمسيات غنائية أندلسية ومحاضرات عن تاريخ الأندلس.

فكان عدد المُشاركين بهذا المُحترف ستة نحاتين من سورية، فأطلقت على منحوتتي اسم "ثقافات" التي كان ارتفاعها /260/سم، وسُميت بذلك كرد فعل على صراع الحضارات أو حوارها، لأنَّ الحضارة الإنسانية في نظري مُتكاملة وهي نتاج إنسان وليست جغرافية أوعرقية، وإلى جانب مُشاركتي بمُحترف النحت، فقد اشتركت أيضاً بمعرض الرسم إلى جانب الفنانَين السوريَين "خالد الرز" المُقيم في ألمانيا، و"طلال معلا" المُقيم في "الإمارات العربية المُتحدة". كما شاركت أيضاً بأمسية غنائية قدمنا فيها موشحات أندلسية، حيث كانت مُشاركتي مُقتصرة على عزف الناي، والتي قُدمت في البيت الأندلسي بمدينة "مونيكار" مكان الإحتفالية، وبسبب النجاح الذي لاقاه المُلتقى قررت عمادة المدينة استمرار هذه المُلتقيات بالتعاون مع المركز الثقافي السوري في "مدريد".

ففي عام /2006/ دُعينا إلى ذات المدينة لتكملة التجربة التي بدأناها في العام الفائت، فكُنا عشرة فنانين، حيث أُقيمت في ذات المكان السابق بحديقة "باركي ماخويدو"، وهي "حديقة استوائية لها نمط المُتحف النباتي، إذ إنها تحوي نباتات استوائية فقط مأخوذة من جميع المناطق الإستوائية في العالم"، وقد أستقيت من هذا المكان فكرة عملي الثاني والذي أطلقت عليه اسم "شجرة الحياة"، فكان عملي يُمثل سنبلة قمح، لأن السنبلة مُرتبطة بشكل كبير بثقافتنا في الشرق، فوجودها يعني استمراراً للحياة، فشاركت بتنفيذها معي فنانة اسبانية اسمها "ديبورا مارتين"، حيث أن فكرة المُشاركة أتتني لقولي "أنَّ شجرة الحياة ليست حصراً على شخص واحد فقط مهما كان انتماؤهن، لأنها تُعتبر هَمّاً إنسانياً فعلى الأقل أنا سوري وهي اسبانية فحاولنا أن نزرعها بالمعنى الرمزي، للكلمة للتأكيد على مدى التواصل الحضاري والإنساني بيننا".كماشاركت أيضاً مع ذات الفرقة الغنائية على آلة الناي، وفي نهاية المُحترف جاء وزير الثقافة السيد "رياض نعسان آغا" ومعه السفيرالسوري في إسبانيا وعمدة مدينة "مونيكار"، وعدد من المسؤولين في السفارة السورية لتهنئتنا على إنجاز العمل ولرفع العلم السوري والأندلسي على تمثال "عبد الرحمن الداخل"، كما تمَّ أيضاً تدشين تمثال نحاسي في الحديقة تحت عنوان "الحدائق السورية النحتية في إسبانيا"، وفي نفس الحديقة تمَّ تدشين سبعة عشر عملاً نحتياً كانت نتاج عمل المُلتقيين.

وبعد عودتي إلى سورية تمت دعوتي لإقامة معرض فردي في "مدريد" للرسم في 18-1-2007، فعرضت فيها خمساً وثلاثينَ لوحة من آخر إنتاجاتي.

-  كيف تكونت علاقتك بالنحت، أقصد في مرحلة ما بعد النحت على الثلج؟

علاقتي بالنحت أتت تراتُبية بسبب عدم توافر الأحجار المناسبة للنحت إلى جانب سعرها المُرتفع وأقصد هنا الأحجار الكبيرة وأيضاً بسبب عدم توافر الأدوات الكهربائية الخاصة بالعمل النحتي، فكنت أقوم بالعمل على الأحجار الصغيرة التي تتصف بخفة وزنها وسهولة نقلها بين المحافظات من أجل الإشتراك في المعارض الفنية التي كانت تُقام.

-  كل فنان في البداية يُعجب بمدرسة ونمط معين من الرسم فيحاول أن يُقلد هذا النمط، فماذا عن بدايتك كرسام؟

في البداية كُنت مُتأثراً بالمدرسة السوريالية، وهذا التأثر استمر معي خلال ثلاثة سنوات من الرسم، ولكن بعد ذلك حاولت الإبتعاد للبدء بالبحث عن شخصية ومساحة جديدتين في الرسم، فأتت مُشاركاتي بالمعارض الفنية مُختلفة من معرضٍ لآخر، وهذا جاء من إيماني بكلمة "بيكاسو" التي تقول "عشتُ مُجرباً، وسأموت مُجرباً" فالتجربة تُفاجئ الفنان وتُبعده عن التكرار، وهذا يُمكن أن يُلاحظه من يُتابع سيرورة أعمالي في المعارض التي شاركت بها.

 

- سمعنا أنك بصدد البدء بمشروع جديد.

هذا صحيح أنا الآن أعمل على مشروع خاص للوحة طولها"150 متراً"، أعتقد أنها ستأخذ مني حتى أنجزها مدة عشر سنوات.

 

-  ذكرتني ب"جدارية الحلاج" فهل استوحيت الفكرة من جداريته وخصوصاً أنَّ هناك معرضاً مشتركاً معه؟

أبداً هناك الكثير من الفنانين في العالم ممن رسموا بهذه الطريقة، وهي ليست حكراً لفنان دون الآخر، إلا أنَّ الاحتكار يكون في فكرة اللوحة وطريقة عرض الفكرة فيها، أنا لا أريد أن أدخل في تفاصيل اللوحة، إلا أنني أُريد أن أقول أنها ستكون نتاج كل مساحتي الفنية والمعرفية، وستكون أيضاً نتيجة للتطور الذي وصلت إليه.

- في المركز الثقافي بـ"مصياف" هناك لوحتان لك الأولى تمثل "الحلاج" والأخرى "ممدوح عدوان"...

"الحلاج" يُمثل الكثير للفن السوري خصوصاً والعالمي عموماً، فلذلك كان من الضروري وجود لوحة له، أما بالنسبة لـ"ممدوح" فهو ابن "مصياف" ورأيت من الجميل أن يحوي المركز الثقافي الذي احتضن "ممدوح" طوال مسيرته الفنية وقام بتكريمه عدة مرات، لوحة له فعند وصول خبر وفاته قررنا أنا ومدير المركز "رفعت عطفة" أن أقوم برسم لوحة لـ"ممدوح " وبالفعل أحضر لي قماشاً وإطار خشب 2X2.5الساعة الحادية عشرة ليلاً وقد أنهيت رسمها في الساعة الخامسة صباحاً...

-  أحسست في اللوحة أنك رسمت "ممدوح" بحس كاريكاتيري.

هذا صحيح وجميل أنك أحسست بهذا الشعور، من يعرف "ممدوح" ومن يجلس معه يشعر كم هو شخص مُحب للحياة، وقد تقصدت رسمه بهذه الطريقة لكي أصوره وهو ينظر إلى الموت وكأنه يسخر منه.

- الفنان في سطور:

-  تولد "مصياف" 1968.

-  خريج معهد إعداد المدرسين ب"حماة" قسم الرسم عام 1989.

-  شارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية في القطر وخارجه منها:

1- معارض فردية وجماعية ب"الرقة"عام 1990، 1991 و1995.

2- خمسة معارض فردية وجماعية في "مصياف".

3- معارض جماعية في "طرطوس" و"سلمية" و"سقيلبية" عام 1995.

4- معرض جماعي في "لبنان" 1996.

5-  معرض جماعي في معهد "لوركا" ب"عمَّان" 1998.

6-  معرض فردي في "بيروت" كاليري زمان 1998.

7- معرض جماعي مع الفنان الراحل "مصطفى الحلاج" 1999.

8- معرض جماعي بمدينة "المونيكار" اسبانيا مع الفنانين "خالد الرز" و"طلال معلا" 2005.

9- معرض "فردي" مدريد 2007.

10- مشروع عمل مع الفنان الاسباني "غلليرمو بيرث بييلا آلتا" عام 1999.

11- مشاركة في المحترف السوري الأول في مدينة "المونيكار" بإسبانيا 2005.

12- مشاركة في المحترف السوري الثاني في مدينة "المونيكار" بإسبانيا 2006.