د.وسيم القطب: "لِيست" الدمشقي

رولا القطب - روشاك أحمد

جمع بين إثنين من أهم وأصعب الإختصاصات العلمية والإنسانية، عرف عنه الحس المرهف والمستوى العالي في الأداء.

موهبة نادرة أحبت عملها وفنها بصدقٍ وإخلاص ولقّب "برجل المهام الصعبة" في كثيرِ من الأوقات.

هو الدكتور" وسيم القطب" عازف بيانو  الذي بدأ مشواره الموسيقي المميز "بالمعهد العربي" وكان ل eSyriaالحوارالتالي معه:

*في حفل تخرج الدفعة الأولى لطلاب المعهد العالي للموسيقا اختارك الأستاذ "صلحي الوادي" للعزفمع الطلاب القدامى فهل تخبرناعن هذه التجربة ، وهل واجهتك أية صعوبات؟

** كنت آنذاك تلميذاً عند الخبير الروسي " فلاديمير زاريتسكي" والذي طلب مني أن أعزف السويت الإنجليزي ل"باخ" مقام لا مينور وبولونيز مي بيمول مينور ل"شوبان" لكي أعزفهما في امتحان آخر العام وكان الأستاذ " صلحي الوادي" موجوداً  كرئيس للجنة الامتحانية، وقام بتصوير امتحاني على شريط فيديو إضافة لعدد آخر من الطلاب، وبعد ذلك الامتحان بأسبوع قرر الأستاذ "صلحي" أن أشارك في هذا الحفل حين وجد أن المستوى الذي عزفت به القطعتين  اللتين قدمتهما بالحفل ينافس مستويات طلاب المعهد العالي للموسيقا وقد تم تصوير هذا الحفل وعرض على إذاعة التلفزيون السوري.

*لقد جمعت بين إثنين من أهم الإختصاصات العلمية والإنسانية ماذا تحدثنا عن ذلك؟

**كنت مجداً بالمدرسة ومحباً للتفوق كما كنت في الموسيقا. " عشقي" للموسيقا دفعني لأن أستمر في المعهد العالي للموسيقا وحبي للطب أرغمني على المتابعة وهكذا استمريت في الاجتهاد على المستويين رغم  صعوبة   متطلبات كل طرف و ضرورة التميز والمحافظة على المستوى المطلوب.

*عرف عنك المحبة والإخلاص الكبيرين " للأستاذ صلحي الوادي" كيف كانت تجربتك معه على الصعيد الإنساني وكقائد أوركسترا؟

**قبل أن يكون "صلحي الوادي" أستاذاً وقائداً للأوركسترا وحاصلاً على الدكتوراة كان مربياً، ومدرسة في الحياة، وقد علمني الكثير عن كيفية التعامل مع الناس، وكيفية مجابهة التحديات، لقد كان ليناً وقاسياً في نفس الوقت، وكانت لديه قدرة كبيرة على إعطاء كل وقت حقه ورد الفعل المناسب له.

موسيقياً عزفت معه كونشيرتو" ليست الثاني" و " الحب الساحر" وكونشيرتو " بتهوفن الثالثة" وفي عدة مناسبات. كان يثق بي ويدعوني برجل" المهام الصعبة".

 

*ماهي أهم مشاركاتك الموسيقية  في سورية والبلدان الأخرى؟

**شاركت في حدث مهم جداً وهو افتتاح دار الأسد للثقافة والفنون بحضور السيد رئيس الجمهورية الدكتور" بشار الأسد " وضيفه ملك "ماليزيا" وعزفت فيها فانتازيا لـ "بتهوفن" مع الأوركسترا السورية وكورال المعهد العالي للموسيقا بقيادة " ميساك باغبودريان" كما شاركت في مهرجان بابل للفنون ب"العراق" وعزفت كونشرتو" ليست" الثاني مع الأوركسترا السورية بقيادة "صلحي الوادي" وقد كانت الزيارة الأولى من نوعها لوفد سوري للعراق. تم اختياري لتمثيل سورية في مسابقة البيانو الدولية بإيطاليا " ايبلا" وحصلت على جائزة خاصة عن مرتبة العازفين المحترفين.

*عزفت مع قائدي أوركسترا هامين بالعالم، ماذا أعطاك هذا التنوع من خبرة موسيقية؟

عزفت مع "أحمد الصعيدي " مدير دار الأوبرا المصرية وقائد الأوركسترا المصرية، وقد طلب مني موسيقا من النوع الصعب وكانت التدريبات عليها مكثفة وتمت بوقتٍ قصير جداً، لكنها كانت تجربة غنية وفريدة.

أيضاًً عزفت مع فرقة "براندبورغ" الألمانية للشباب والتي لم تسنح لي الفرصة لأي بروفة معها قبل الحفل لكن القيادة الممتازة للألماني "سباستيان فايغلة" والخبرة التي اكتسبتها من العزف مع قادة أوركسترا قبل ساعدتني جداً وحالت دون أن يحدث أي إرباك.

كما عزفت مع الأستاذ "صلحي الوادي" وبالطبع هو غني عن التعريف، وكذلك مع "ميساك باغبودريان" قائد الأوركسترا السوري حالياً.

*لُقبت بـ " ليست الدمشقي "  من لقبك بهذا الإسم ؟ وماذا يعني لك ؟

**لقبني بذلك الأستاذ "صميم الشريف" وهو ناقد موسيقي ومؤرخ مرموق وهو حين أطلق هذا اللقب عني اعتبرت أن ذلك كان مدحاً كبيراً لي، فالعازف العالمي

"لِيست" كان معروفا "بشيطان البيانو" لما امتلكه من تقنية عالية في العزف ورهافة بالحس حتى أن المؤلف "شوبان" كان يطلب منه أن يعزف له مقطوعاته.

*ماهي أهم المحطات في حياتك؟

**سفري إلى لندن والتحاقي بالجامعة الملكية البريطانية التي هي من أهم جامعات الموسيقا  في أوروبا وواحدة من أهم ثلاث جامعات في العالم، والدخول إليها يحتاج إلى متطلبات وشروط صعبة جداً، وقد حصلت منها على ماجستير في الأداء والتدريس بدرجة شرف.

*سقط الأستاذ صلحي الوادي في الحركة الثانية من كونشيرتو "بتهوفن" التي كنت تؤديها مع الأوركسترا، وسمعنا بتوقفك عن العزف إثر هذا الحادث الأليم مدة

ثلاثة أشهر هل من الممكن أن تخبرنا عن هذه التجربة الصعبة إنسانياً؟

**لاأنسى اللحظة التي سقط فيها الأستاذ "صلحي الوادي" شهيداً على المسرح وعلى أثرها توقفت عن العزف ثلاثة أشهر، فقد كنت مرتبطاً بالأستاذ "صلحي" بشكلٍ كبير وكان هو المحرك الأكبر لي. لكنني أحسست أنني بتوقفي عن العزف أرتكب خطأً فادحاً في حقه فعدت للعزف من جديد.

*هل تحدثنا عن "العلاج بالموسيقا" الذي تقوم به في الفترة الحالية إضافة إلى عملك بالعزف؟

**«درست هذا الاختصاص في "إنكلترا" بمعهد "نوردوف روبنز" وهو مركز أبحاث من أهم /3/ مراكز في العالم، فحصلت على الماجستير في العلاج بالموسيقا وقد اتخذت قراري بالتخصصفي هذا المجال رغم معرفتي أنها مجازفة خصوصاً أني أعلم لدى العودة إلى بلدي سأجدمجتمعنا بحاجة لوقت جيد لتقبل هذا النوع من العلاج ويثق به، لكني تفاجأت عند وصولي أنه تم استقبالي من قبل المنظمة السورية لرعاية المعوقين "آمال"، فقمت بمعالجة أطفال التوحد في الجمعية وهم حوالي /32/ طفلاً خلال عام كامل وأثناء هذا العام تواصلت مع الكثير من الأشخاص الذين حاولوا أن يتعرفوا على هذا النوع من العلاج، كما تلقيت عرضاً لافتتاح أول عيادة "علاج بالموسيقا" في الوطن العربي ضمن عيادة "الشام" بدمشق وبالفعل بدأت بذلك.

 

تعريف العلاج بالموسيقا: «هو استخدام الموسيقا والأدوات الموسيقية لتحقيق أهداف أخرى غير تعلم الموسيقا كتعديل سلوك الأطفال أو تلقين مهارات جديدة، فهناك الكثير من الأطفال المصابين بفرط النشاط وقلة التركيز، وقد أثبتت دراسات جامعة      "ألبيرت" الكندية أن الموسيقا تساعد على رفع شدة تركيز الأطفال، تخفيف العنف لديهم وزيادة الذكاء، فالموسيقا تهتم بمعالجة الجزء النفسي المنشأ من الأمراض».

يتابع "القطب": «أول ما يتبادر إلى ذهن من يسمع العلاج بالموسيقا أنه علاج بالاستماع إلى الموسيقا لكن في الحقيقة الجزء الذي يحمل الاستماع ضئيل جداً، بل العلاج هو استعمال للموسيقا والأدوات الموسيقية، كما أنه من الضروري التفريق بين العلاج بالموسيقا وتدريسها، فالعلاج بالموسيقا هو طب بديل لكنه ليس بديل عن الطب لكنه عامل مساعد وقوي للمعالجة للطبية، بذلك تكون الموسيقا ليست الحل النهائي لكنها عامل مهم وفعّال وضروري وأحياناً يحقق نتائج أسرع من الطرق العادية المتبعة».

من ثم استعرض الدكتور "وسيم" لمحة تاريخية عن العلاج بالموسيقا: «أنا لا أبتكر علماً جديداً، فهذا العلاج قديم جداً وسأذكر الآن بعض الأسماء لمن كانوا أول من استخدموا هذا العلاج: الطبيب والفيلسوف العراقي "أبو إسحاق الكندي" الذي تحدث عن العلاج بالموسيقا وأهميتها في رسائل كثيرة مثل كتاب "المدخل إلى الموسيقا" وقد شرح في هذا الكتاب عن الآلات الوترية وعن ربط كل نغمة على كل وتر بمرض معين قد تساعد على شفائه، و"ابن سينا" الذي تحدث كثيراً عن المصابين بالآفات العقلية والأمراض النفسية، "الرازي"، "الفارابي" و"النقّاش"، ولا ننسى البيمارستانات كبيمارستان "النوري" في دمشق حيث كانوا يجمعون فيه المرضى حول البحرة فكانت بمثابة جلسات استماع لأصوات الطبيعة».

عن تاريخ العلاج بالموسيقا تابع  فقال: «في دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية تطوع الكثير من الموسيقيين ليزوروا الجنود المصابين في المستشفيات حيث كان الجنود يصابون بأزمات نفسية نتيجة ما عايشوه خلال الحرب، فالمتطوعون كانوا يسمعونهم الموسيقا كمؤازرة لهم وخلال ذلك لاحظوا أن هذا الأمر يساعد على الشفاء بشكل أسرع، فبدؤوا بدراسة هذه الظاهرة ومعرفة سببها وبدأت الدراسات عن هذا الموضوع حوالي العام 1944، من ثم توسع مفهوم العلاج بالموسيقا إلى أن تشكلت منظمة عالمية للمعالجين بالموسيقا من حوالي 20 عاماً وهي منظمة أميركية وفيها 5000 طبيب معالج بالموسيقا».

ثم تطرق إلى بعض الأمراض التي يفيد العلاج بالموسيقا فيها: «هذا النوع من العلاج موجه لكل الأعمار، فبالنسبة للكبار بالسن هو طريقة للعلاج من "الازهايمر"، "الباركنسون"، بعد الجلطات الدماغية فيكون كإعادة تأهيل (علاج فيزيائي) باستخدام الآلات الإيقاعية أو الغناء لإعادة قدرتهم على الكلام، ولمرضى السرطان باختلاف الفئات العمرية المصابة للتخفيف من أعراض الاكتئاب والآلام بعد جرعات العلاج الكيماوي، إضافة لسرعة اندمال الجروح بعد العمليات الجراحية، لرفع المناعة عند الأطفال والكبار، أما عند الأطفال فهو علاج يساعد في حالات "التوحد"، "متلازمة داون"، فرط النشاط وقلة التركيز، تأخر النطق والتأتأة».