د. "سامي عصاصة".. بين الفكر والسياسة والتراث
هيسم شملوني
استطاع د. "سامي عصاصة" أن يغني المكتبة العربية والألمانية بعدد من المؤلفات التي ينوف تعدادها عن الثلاثين مؤلفاً وبحثاً، وقد تنوعت مؤلفاته بين الفكر والسياسة والتراث والإقتصاد والسيرة الذاتية والأدب الروائي..
المفكرة الثقافية التقته للحديث معه حول تجربته في مجال الكتابة، وكان الحوار التالي:
* حبذا لو تحدثنا في إطلالة على الخط العام الذي تسير فيه كتاباتك..
** بالنسبة لمؤلفاتي، فان اغلبها كانت في مجال السياسة، بسبب اهتمامي بالسياسة من ناحية شخصية، وبسبب مجال دراستي، بالإضافة لذلك كان ذلك نتيجة شعوري بأن بلدي لا يمكن أن ُيفهم بشكل صحيح من الناحية السياسية، ودائما ما توجه إليه اللطمات والضربات و ذلك عن طريق الأعلام غير الصحيح والمتحيز، وهذا ما أجج بداخلي عاطفة حب الرد على الظلم.
وأنا كنت أتمنى أن اكتب بمجالات أخرى ومواضيع أكثر تنوعاً، إلا أن اختصاصي كان المخول الأكبر لأن اكتب بمواضيع سياسية وبأكثر من لغة.
* لقد سبق لي أن قرأت لك مجموعة من المؤلفات التي تتناول العلاقة بين الأديان من جانبها السياسي والإجتماعي والإقتصادي، ما مرد ذلك عند؟
** أنا لست عالم أديان ولست متبحراً في هذا المجال، ولكني دخلته بمؤلفاتي ليس من باب اللاهوت، وإنما من باب المصلحة السياسية والاجتماعية والثقافية، ومؤلفاتي وكتبي في ذلك لم تكن من باب أني مجرد كاتب مندفع وهاوي، وإنما كانت نتيجة حرصي على قضايا وطني، ورغبتي بالدفاع عنها.إن اغلب كتبي السياسية كانت تتناول موضوع
(الإسلام واليهود)، ولم يكن ذلك هدف بحد ذاته ولكن أغلبها كان بمحض المصادفة،وكان أيضا بموجب المشهد السياسي العام، أو الظلم السياسي العام على العرب والمسلمين، لان الظلم السياسي يتشكل بوجود استعمار فعال في عملية السيطرة على الوطن العربي، ومحاولة منع هذا الوطن من المنافسة والتقدم ومنعه من الحصول على المعرفة والعلم، ومنعه من إثبات وجوده، بالإضافة إلى نهب ثرواته وخيراته، وهذا هو ما دفعني إلى الانتباه إلى هذه القضية لأني اعتبر أن (الصهيونية اليهودية التلموذية) وهي تشتمل على العناصر الثلاث، وأنا لا أقصد أبدا باليهودية، اليهودية الصافية التي نعرفها وندرسها بالمدارس، وإنما اليهودية التي تشتمل على العناصر الثلاثة التي تعمل على تحطيم الوحدة العربية والتي أنا اعتبره أنها بمثابة فيروس، زرع لمنع قيام مجتمع عربي سليم، وهذا الفيروس يجب استئصاله من قلب الوطن العربي.
* ماذا عن محاولاتك الكتابة في مجالات أخرى ومنها ما يتعلق بالسيرة الذاتية؟
** بالطبع كتبت كتاب عن سيرتي الذاتية، ليس له أية علاقة بالسياسة، اسمه "طرائف في حياة مغترب"، وكتاب آخر اسمه "القديسة"، وهوعبارة عن رواية كتبتها، وهي تجربتي الأولى على هذا الصعيد. أما بالنسبة للإقتصاد فقد كتبت كتاباً كان له دور كبير في حياتي وله معزة خاصة جداً عندي، اسميته "البورصة المعولمة هول العصر"، وأنا أعتبر هذا الكتاب هام جداً، حيث نشرته بثلاثة لغات وهي: العربية، الألمانية والإنكليزية. كما كنت أكتب في الصحف والمجلات الألمانية، ووجدت أن هذه الصحف والتي كانت على مستوى كبير في أوروبا في مجال العمل الصحفي، أنها كانت تأخذ من مقالاتي ما يخصها ويتناسب مع مصلحتها دون الباقي، ولأني لم أكن ناشطاً مميزاً في هذا المجال لم تكن مقالاتي تؤدي دورها الذي أحب بان تقوم به وكان هذا حال كل مراسلاتي ومقالاتي.
* إذا عدنا إلى الوراء وحاولنا تذكر بدايات الكتابة عند د. "سامي" ماذا تقول في ذلك؟
** بدأت الكتابة بوقت مبكر من حياتي، أول كتاب كتبته كان اسمه "مفتاح العالم القديم" ، وكان باللغة الألمانية سنة 1958 ، ونشرت منه الطبعة الأولى والثانية و الثالثة في ألمانيا.
وفي عام 1959 حصلت من وزارة الثقافة في الجمهورية العربية المتحدة على جائزة من أجل هذا الكتاب ، وكانت هذه الجائزة بقيمة 1500 ليرة ، وبهذا المبلغ اشتريت نسخ عديدة من كتابي ووزعته عل المجلس النيابي الألماني (بوند سباك)، وهذا الكتاب كان يتحدث عن القضية الفلسطينية التي أعتبرها قضيتي وقضية العالم العربي كله.وفيما بعد طبع لي أول كتاب وكان اسمه "عربدة سياسية"، وبعدها بقليل كتاب "أسرار الانفصال"، الذي يتناول الحديث عن الانفصال بين سورية ومصر، وبعدها تتالت الأحداث وكتبت العديد من الكتب الأخرى.
* غالباً ما نجد تنوعاً في كتاباتك بين السياسة والإقتصاد والسيرة الذاتية والأديان من زوايا خاصة، لماذا هذا التنوع، ألا تخشى من هذا التنوع أن يشتت الموضوعات أن يفقد د. "عصاصة" شيئاً من المنهجية من جراء ذلك؟
** تنوعت كتاباتي كثيراً، ومرد هذا التنوع هو الحدث الذي يدفعني للكتابة، مثلاً كتاب "البورصة" الذي اعتز به بشكل خاص جاءني وحيه من خلال جلسة في منطقة تسمى "قدسيا" بريف "دمشق"، حيث كنا نودع السفير الألماني، وأنا كنت من بين المدعوين لهذا الحفل، جلست على الطاولة مع أكثر من وزير ومنهم دكتور الاقتصاد رحمه الله "عصام الزعيم"، وكان أيضا من المدعويين الدكتور "العطار" رئيس جمعية الهلال الأحمر السوري، والسيد "محمد راتب الشلاح"، وكنا نتكلم عن البورصة، وأنا كنت مهاجماً لفكرة تأسيس بورصة مضاربة في سورية، وتناقشنا حول هذا الموضوع كثيراً، وأنا كنت أحاول إقناعهم وطلبت رأيهم بكتابة دراسة حول هذا الموضوع، وكان الأستاذ "محمد هيكل" وابنه يصدران مجلة اقتصادية ويديرانها، وبالطبع لا أنسى أن اذكر أن الأستاذ "محمد هيكل" هو إقتصادي مرموق جداً، وهو الآن نائب رئيس "البنك العربي".
كنت قد طلبت من الأستاذ "محمد هيكل" نشر مقالة حول البورصة في مجلته ووافق هو على ذلك، ومن بعدها بدأت الكتابة بمجال الاقتصاد.وبالطبع كان لآراء الناس بعد الشرح والتفصيل والقبول و الرفض دوراً مساعداً لي على كتابة هذا الكتاب.وقبل شروعي بنشره، أوصلت مسودة الكتاب الأولية لنائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الإقتصادية، الدكتور "الدردري"، وبعد نقاش مطول بيننا، قال لي :«لن أسمح لرجل مثل "سوارس" الاقتصادي اليهودي الأمريكي، أن يصادر الاقتصاد السوري». وبالطبع كان في مخطط البورصات، عدة نقاط تعيق استغلال البورصة السورية، وأنا أجدها جيدة، ولكنها غير كافية، وأنا أمانع وضد تضارب الأسهم، لأنها تضعف الاقتصاد، وترهقه على حساب الشعب كله، وهذا الحفل أو الجلسة التي كانت في منطقة "قدسيا" هي ما دفعني لكتابة هذا الكتاب العزيز على قلبي.