د. "علي عباس".. رحلة في البناء الشعري والبناء الفكري
هيسم شملوني
انتقالات شعرية بين العمودي والتفعيلة، بين الغزلي والفلسفي والموضوعات الوطنية والقومية الكبرى، كل ذلك ميز الدكتور "علي عباس" في تجربته الشعرية.
عن هذا التنوع وفي محاولة للكشف عن أغوار هذه الفلسفة الشعرية الخاصة، كان للمفكرة الثقافية حديث مع الدكتور "علي عباس"، والذي قال فيه: «لدي مجموعة شعرية بعنوان "يوميات قبطان"، فيها شعر غزلي وفلسفي، ومواضيع مختلفة، تتضمن شعراً عامودياً وحراً، إضافة إلى بعض المواضيع الوطنية، عن فلسطين، واحتلال الجولان، فيها شعر عامودي وتفعيلي، وفيها عن عودة الأمل لهذه المجتمعات التي تجنى عليها الصهاينة وأمريكا، وفي قصيدة "عودة طائر الفينيق"، أتحدث عن عودة الأمل إلى هذه الأمة، وفيها عن قصة الخلق، أما في "رايات السلام" والتي كانت المجموعة الأولى، فأقول فيها:
أرأيت كيف يدمر الصاروخ
رايات السلام
أرأيت كيف يفاوض الأعراب في الشهر الحرام
أرأيت حين يذل.. يغتال السلام
أرأيت ثم رأيت
أرأيت حين يقارب الأيتام مأدبة اللئام
أخطأت يا درة
إن عاودوا الكرة
لا تحتمي بأبيك
أو بالطرب
صد رصاصهم
بالصدر
بالدرة
فإن اتقيت رصاصهم
اتهموك بالإرهاب
إن عادت الكرة».
وأجاب عن سؤالنا له عن سبب تأخره في أن يجمع أشعاره: «كنت أكتب الشعر كهواية أستمتع بها، وبعد ضياع بعض الأوراق بدأت أجمعها وأرتبها، وعندما رأيت مسابقة في "أبو ظبي" لأمير الشعراء، رأيت فيها شعراء ناشئين وجيدين، ولاقت اهتماماً شعبياً، تشجعت أكثر فجمعت أوراقي بشكل نهائي نحو طباعة ديوان».
ورداً على أستفسارنا منه في أي واد يهيم، إستناداً إلى الآية الكريمة في القرآن الكريم، التي تقول "الشعراء يتبعهم الغاوون، أما تراهم في كل واد يهيمون"
«الشعراء يهيمون في كل واد، إذاً هم مزاجيون، والإسلام ركز على العقل والتعقل، ومعروف عن الشعراء أن لديهم شطحات، وأخيلة مختلفة، ولكن هذا لون من الألوان الأدبية وليس من الضرورة أن يكون الشاعر من الغواة، حتى أن الرسول كان لديه الشاعر "حسان بن ثابت"، وكان يحترم الشاعر المجيد، خاصةً أن المجتمع العربي سابقاً قبل التلفزيون والفضائيات، كان القول الجميل المعبر والذي كان له دور اجتماعي، يحتوي النغم والموسيقا وتحفظه الأجيال وتخلده، فمثلاً قبيلة تفخر على قبيلة بالشعر، وتقول: "فغض الطرف فإنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلاب".
وآخر يقول: "هم الأنف والأذناب غيرهم فهل تساوي بأنف الناقة الذنب".
كان بيت الشعر له قيمته، فكان المتنبي إذا قال قصيدة تنتشر من "قرطبة" حتى "خراسان"، بينما الآن قراء الشعر ومتذوقوه صاروا قليلين، ومعظم القائلين للشعر ليسوا مجيدين، ولكني أشجع الشعر ورسالته، وما زال دوره بالمجتمع موجوداً، فـ"محمود درويش" في إحدى المرات قال قصيدة "عابرون في كلام عابر" اجتمع الكنيست الصهيوني ليبحث وقعها على المجتمع. وعودة "طائرة الفينيق" هي دعوة لعودة الأمل».
التنويع بين الشعر القديم العامودي "الكلاسيكي" وشعر التفعيلة قال فيه: «الشعر القديم العامودي هو الشعر التراثي، وشعر التفعيلة هو الشعر الحديث، ولكل منهما أنصاره، ولكن هناك من الشعر العامودي ما هو جيد ومعبر ويدخل النفس، والشعر التفعيلي حسب الموضوع والموسيقى والسبر، أيضاً جيد، وكل منهما له دوره، شعر التفعيلة يمكن أن يتوقف عند كلمة تعطي المعنى بزخم أكبر من شعر التفعيلة، وهذا الشيء يمكن ألا يوجد في الشعر العامودي، وأنا تناولت الشعر التفعيلية والعامودي في حوارية بينهما، يعطي فيها الشعر الحر رأيه ويعبر عن شخصيته، والشعر العامودي يدافع عن نفسه، ثم أتناول القصيدة، لأن القصيدة سواءً كانت من الشعر الحر أو العامودي يجب أن يكون لها مقوماتها، وجماليتها وشعبيتها، فتدافع عن نفسها، وأنا أتكلم عن القصيدة الصحيحة والسليمة والمقبولة، ويأتي بعدها "عبقر" الذي هو شيطان الشعر أو ملهمه، وله رأيه، وهذا يعبر عن الجمالية في القصيدة، ثم يعود الشعر الحر ليدافع عن نفسه، والعامودي يدافع عن نفسه، وبعد ذلك "عبقر" يعطي النتيجة النهائية، فـ"عبقر" يعطي الأوصاف الجميلة حين يقول:
أحسنت يا أم الجميع
فالناس أذواق
فمنهم من يحب الفل
لون الورد
ريح الياسمين
والحرف ملك الناس
أجمعهم
لنا
للعالمين
فاختر طعامك
إنما
إلبس بذوق الآخرين.
يجب أن تكون القصيدة منوعة، من حيث الموسيقا والصور الجميلة، المعنى الجميل، إضافة إلى الانسجام بين المقدمة والخاتمة، كما يجب الحرص على الوحدة في الموضوع، لكي تخدم القصيدة ما تريد أن تقول».
وعن تناوله الأمل والتفاؤل بالشعر، والذي تجلى في قصيدة "عودة طائر الفينيق"، يعلق د. "علي": «قصيدة "عودة طائر الفينيق" تتناول الأوضاع القائمة لدينا، في غالبية المجتمعات العربية والإسلامية، أي مثقف لا يرضى عن هذا الوضع، وحسب الخبرة القديمة في تطور هذا المجتمع الذي تكوَن منذ آلاف السنين مقارنة بالمجتمعات الأخرى، يجب أن يكون في وضع سياسي واقتصادي وثقافي أفضل، المنطقة تعرضت لمشاكل مختلفة، من الاستعمار والاحتلال العثماني، إلى التقسيم الغربي "سايكس- بيكو"، فشمّوا نسائم الحرية ولكنها كرّست التفرقة والتقسيم والمشاكل، وخاصة القضية المركزية قضية فلسطين، لذلك الأجيال الجديدة يجب ألا تلجأ للقنوط وترضى بهذا القدر، فالمستقبل يمكن أن يتغير بالتفاؤل والتفكير السليم، لذلك هنا يعود طائر الفينيق كنازح من الجولان المحتل، فأولاً عرض لواقعه الحالي وماضيه، ومن ثمّ التذكير أو انتظار، عودة الطائر وعودة الأمل للمستقبل والغد الأفضل، وأقول في القصيدة:
صلبوك يا أمل الغد المعطاء
يا طائر الفينيق
ستعود تبعث من جديد
في هضبة الجولان
في حيفا وغزة والجليل
سقيا لماضيك التليد
يا حامل الأمل الرقيق
ستعود للتغريد في قمم الشجر
في غابة البلوط والزيتون
بين التين والأعناب
والرمان والليمون».
وقال عن نبوءة الشعر لدى سؤالنا له عن نبوءة موجودة في مجموعته، (الكثير من الشعراء كان لديهم نبوءات): «هناك قصيدة عندي قبل أن تحدث الثورات في تونس ومصر، تتحدث عن أن الامبريالية الأمريكية التي تدعي الديمقراطية، تحدث الحروب في أفغانستان والعراق والصومال، كما تشارك وتفتعل كل الخراب على سطح الكوكب، في ذات الوقت الذي يستغلون به العلوم والتكنولوجيا، فالرئيس الأمريكي كان يتجول مع كلبه في البيت الأبيض حين أعطى أمراً بضرب العراق بالصواريخ، سخروا العلم للقضاء على الإنسانية، وتركوا الشعوب لمشاكلهم الطائفية والقومية والفئوية، التي عملوا عليها، بينما الشعوب المتخلفة مشغولة بالمظاهرات والفقر والجهل، والإيمان والكفر، وصفات العالم، وأخذوا هم الثروة والنفط».
وتابع حديثه: «النبوءة استقراءة للواقع، وتقدير سليم للبعد الاجتماعي والجيوسياسي، الموجود في العالم، لأن الوضع السياسي هو نتيجة للوضع الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، هذه الموضوعات الثلاثة، هي التي تصيغ الوضع الحالي والوضع المستقبلي، لبنان مثلاً دولة شرق أوسطية، رغم وجود عدد من المفكرين والمثقفين التنويرين الذين سافروا إلى دول العالم لأن السفر يعطي فرصة للاطلاع على تجارب العالم، ومن أمثال هؤلاء "جبران خليل جبران"، ولكن المجتمع لم يتوافق فيه التطور الاجتماعي مع التطور الاقتصادي فأفرز حالة طائفية، جعلت كل طرف يشد مقومات الوطن والوطن لمصلحته فقط في سعي لإقصاء الآخر، مستغلاً جهل شريحة ما، فيدفعهم للإقتتال مع بعضهم البعض، مما أعاق تطور البلد وارتباطه بالأجنبي، لكي يكون لبنان مركزاً للأجندات والمؤامرات الخارجية».
قال الشاعر عن صورة المشهد الثقافي المعاصر وعلاقة الجمهور مع الشعر والأدب بالشكل العام:
«من الناس الذين يمكن أن يكونوا مهتمين بالثقافة والأدب، وهذا شيء جيد في مجتمعنا، خاصة بالأيام الأخيرة، المهتمين بالأدب والثقافة والقراءة والمطالعة، والقضايا الأدبية، أصبحوا قلة، أصبح من يريد القراءة يقرأ قراءة النتف، قراءة الجرائد والأخبار الرياضية، ونحن أحوج ما نكون للثقافة، بكل مجالاتها، بالقضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية والمعرفية، وأنا أثمن هذا الأمر، والاهتمام به من خلال دور الأمسيات والمراكز الثقافية، وهذا أمر جيد».
الجدير ذكره أن الدكتور "علي عباس"، مدير مشروع الاستمطار في سورية.