د. "نبيل الحفار" والمسرح السوري والعربي

هيسم شملوني

 

عند الحديث عن المسرح السوري المعاصر لا بد من المرور على ذكر د. "نبيل الحفار"، الذي يمثل أحد أهم بواباته الأولى أكاديمياً.

ونظراً لغنى التجربة وثرائها كان للمفكرة الثقافية حديثاً مع الدكتور "الحفار" عن الحياة والمسيرة في المسرح السوري خصوصاً والعربي عموماً. حيث أنه قد عرف عن نفسه بداية بأنه: «الدكتور "نبيل الحفار" وكيل المعهد العالي للفنون المسرحية سابقاً، رئيس قسم الدراسات المسرحية ومن مؤسسي المعهد، ومن ثمَّ رئيس تحرير مجلة "الحياة المسرحية" حتى عام 2005، حيث خرجت إلى التقاعد، ومن بعدها عملت في هيئة الموسوعة السورية، وكنت فيها رئيس قسم الآداب واللغات الأجنبية حتى أشهر قليلة مضت، حيث أنجزت الموسوعة في 24 مجلّداً، وهي دائرة معارف كاملة أنجزت بأقلام سورية، يمكن أن نقول أنها الوحيدة في الوطن العربي التي تعتمد على التأليف وليس على الترجمة، وتتناول كافة الموضوعات المحلية والعربية والعالمية، فأي شيء يخطر على بالك يمكن أن تبحث عنه في الموسوعة، وهي بحجم كبير جداً فعندما أقول 24 مجلداً فهذا يعني 24 ألف صفحة».

وأضاف عن الظروف التي شكلته: «أنا كنت منذ الصغر أتردد على المسرح مع عائلتي، وفي ذلك الوقت كان هناك مسرحان في "دمشق"، في أوائل الخمسينات، المسرح "الحر" الذي كان يديره الفنان الكبير المرحوم "عبد اللطيف فتحي"، وكانت هناك عادة أنه يقدّم حفلة للعائلات كل يوم خميس، فكل يوم خميس كانت العائلة بأسرها تذهب إلى المسرح، وبعد أن حصلت على الثانوية العامة تقدمت لمسابقة لأنني كنت متفوقاً في الشهادة الثانوية، ونجحت في المسابقة، وبعثت إلى ألمانيا لدراسة الأدب الألماني، وخلال دراستي هناك، ونظراً لتعلقي بالمسرح حوّلت التخصص من الأدب عامةً إلى الأدب المسرحي تحديداً، وتخرجت عام 1971 بدرجة ماجستير وبامتياز، وبعد فترة من الزمن عاد الألمان وأعطوني منحةً منهم لمتابعة الدراسة في مجال المسرح لأن أطروحة الماجستير كانت مهمة جداً بالنسبة لهم وكانت عن المسرح الوثائقي الأوروبي عامةً وليس الألماني، فأرادوا أن أتابع الدراسة وعدت إلى جامعة "هومبولت" في "برلين"، وهي جامعة على أسم أخوين أحدهما كان عالماً والثاني كان خبيراً لغوياً، هذه الجامعة تعتبر من أكبر الجامعات في ألمانيا، تابعت دراستي فيها لمدة ثلاث سنوات وحصلت على الدكتوراه بدرجة امتياز أيضاً، ثم عدت إلى سورية وانخرطت مباشرةً بالعمل في وزارة الثقافة، وكما ذكرت أنا من مؤسسي المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1978».

ورد على المقولة التي تقول بأن الدكتور "نبيل حفار" ممن يحرك ويقرر ويرسم إستراتيجيات في المسرح السوري المعاصر: «لا أريد أن أدعي، ولكن بحكم الوظائف أو الأعمال التي قمت بها، هذا الكلام فيه شيءٌ من الصحة، كما ذكرت لأنني كنت من مؤسسي المعهد العالي للفنون المسرحية، ثم رئيس قسم الدراسات المسرحية لمدة 12 سنة، ووكيل المعهد لمدة 6 سنوات، إضافة إلى ذلك وبحكم عملي مع الراحل "سعد الله ونوس" في مجلة "الحياة المسرحية" ثمّ استلامي لرئاسة تحريرها ومن ثمّ لأنني ترجمت ما لا يقل عن 25 نصاً مسرحياً، كلها قدمت على خشبة المسرح ونشرت، يمكن أن نقول أنني كنت فاعلاً ومؤثراً ليس فقط في المسرح السوري وإنما على صعيد المسرح في الوطن العربي عامةً».

وحدد موقفه من خلال عرضه لواقع المشهد المسرحي في سورية والوطن العربي، بالقول: «المسرح في الوطن العربي حالياً يمر بحالة ضعف وتراجع، وبما فيه المسرح السوري، ولكن لدينا بعض الأسماء الشابة من خريجي المعهد الذين بدأوا منذ سنوات قليلة بالعمل المباشر في المسرح على صعيد الإخراج بشكل خاص، هؤلاء يقدمون حالياً أفضل إنتاج على المستوى السوري، وأعمالهم تلفت النظر أيضاً على المستوى العربي، لدرجة أن بعض هذه الأعمال يمكن أن نرفعها إلى المستوى العالمي، مثلاً العمل الأخير لـ"عبد المنعم عمايري" في المعهد، من حيث عمله كمخرج مع الممثلين الطلاب، يتبدى كإنسان خبير جداً جداً، يعرف كيف يعطي كل طالب حقّه في عمل تخرّج، فهو لم يأتِ بصفته مخرجاً ولا يريد أن يبرز عضلاته علينا، بل عرف وظيفته تماماً، وأن هناك فارقاً ما بين أن يقدم عملاً باسم المسرح القومي وأن يقدم عملاً من أجل الطلاب لكي يتخرّجوا، فهذا يدل على أن ذهنية هذا الفنان من الناحية الفنية والفكرية صحيحة، يمكن أن أذكر عملاً آخر وهو باسم "لحظة"، العملان اللذان قدمتهما "رغدة شعراني" يدلان أيضاً على مستوى احترافي في العمل الإخراجي وفي التعامل مع الممثلين المحترفين، وأذكر أن عملها الأول حصل على الجائزة الأولى في مهرجان "القاهرة" التجريبي وهذا ليس أمراً قليلاً، إذاً لدينا بعض الأسماء الشابة التي قد تشكل مرآة للمسرح السوري خلال السنوات القادمة».

وعلق برأي عن الأعمال المسرحية التي لا تتكئ أساساً على الأدب المسرحي: «لدينا أيضاً ظاهرة لدى هؤلاء الشباب أنهم يفضلون أن يكتبوا نصوصهم بأنفسهم، هم يفكرون بالحياة الاجتماعية المحيطة بهم بطريقتهم، ولا يجدون صدىً للمشاكل التي يفكرون بها في النصوص الجاهزة الموجودة، ولذلك يحاولون كتابة هذه النصوص، لنقل أنهم يكتبون المسوّدة، ومن خلال العمل مع الممثلين تتبدّل أمور كثيرة، نتيجة المناقشات مع الممثلين، وخلال بناء الشخصيات، فهذه الظاهرة موجودة، ولكن في الوقت نفسه لدينا عدد من الكتاب الشباب وجلّهم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، ومن خريجي قسم الدراسات المسرحية، وبعضهم من خريجي قسم التمثيل أيضاً، وهؤلاء أظن أنه خلال سنوات قليلة سيرفدون الأدب المسرحي بنصوص جيّدة، ومنهم نشرت أعمالهم».

وأخيراً تحدث عن أهم التكريمات التي حصل عليها ومعناها بالنسبة له: «أنا حصلت في عام 1982 على جائزة الأخوين "غرين" للترجمة، وفي شهر آذار من عام 2010 حصلت على جائزة "غوتة" للترجمة أيضاً ، واستلمت الجائزة في معرض مدينة "لايدزك" للكتاب وهو أقدم معرض كتاب في العالم، إضافة أني كرّمت في سورية 4 مرات، مرة في يوم المسرح العالمي عام 2005، ومرة في المعهد العالي للفنون المسرحية بصفتي مدرساً نموذجياً أنا ووالمرحوم "ممدوح عدوان" في نفس الاحتفال، وكرمت في مهرجان "حمص" المسرحي، وفي مهرجان "مصياف" المسرحي، وفي مدينة "حلب" أيضاً تلقيت تكريماً خاصاً من الكتاب المسرحيين».

بدورها تحدثت د. "ميسون علي" مدرسة في المعهد العالي للفنون المسرحية عن د. "نبيل الحفار" فقالت: «أنا أعتز بتقديم شهادة لأستاذي الدكتور "نبيل الحفار"، فقد درسني في المعهد العالي للفنون المسرحية – قسم الدراسات المسرحية لمدة أربع سنوات، وهو متخصص في المسرح الغربي المعاصر وتحديداً في مسرح "بريشت"، ودارس مهم جداً للمسرح الألماني عامةً. الدكتور "الحفار" من المؤسسين الذين قدموا جهوداً جبارة لقسم الدراسات المسرحية في تدريسه لمقرر تاريخ العرض المسرحي والأدب المسرحي عبر السنوات الأربعة التي درسناها، وهو أستاذ يتمتع بمنهجية عالية جداً، دقيق جداً في تقديم المعلومة للطلبة الذين استفادوا منه عبر سنوات عديدة من تواجده في قسم الدراسات المسرحية، إضافة لرئاسة قسم الدراسات، وكان أيضاً وكيلاً للمعهد العالي للفنون المسرحية منذ عام 1990 حتى عام 2002، اللافت بالدكتور "نبيل" أنه يريد من الطالب أيضاً أن يكون شريكاً مبدعاً، لا يملي عليه ما يريد ولا يتعامل معه بفوقية الأستاذ، إنما يقدم له في المحاضرة مفاتيح لكي يستكمل هذا الطالب فيما بعد المعلومات التي كانت برأي الدكتور "الحفار" مهمة، فهو عندما يبعث الطالب لاستكمال المعلومات يكون قد ساعده على أن يحصل على المعلومة بجهوده، وتصبح هذه المعلومة ملكه ويصبح شريكاً في العملية التعليمية والبحثية، ولا نغفل أيضاً الدور الكبير للدكتور "نبيل الحفار" في الوقوف دائماً إلى جانب قسم الدراسات في الأزمات التي حلّت به، سواء في العام 1991 إذ مر القسم بمشاكل وأزمات كثيرة وكان الدكتور "الحفار" على رأس من قدموا جل وقتهم لكي يتواصل وجود القسم، ولكن ليس على حساب الجانب الأكاديمي فيه، في عام 2001 أيضاً كان له جهوداً كبيرة في تعزيز دور القسم وتواصل وجوده».

أما الأستاذ "جوان جان" باحث مسرحي ورئيس تحرير مجلة "الحياة المسرحية" فقد قال: «علاقتي بالدكتور "نبيل الحفار" تقسم إلى مرحلتين، المرحلة الأولى هي مرحلة دراستي بالمعهد العالي للفنون المسرحية لمدة 4 سنوات حيث كان فيها أستاذي، والحقيقة أنه من أكثر الأساتذة الذين استفدت منهم خلال دراستي في المعهد، لأنه يتمتع بسمتين أساسيتين، أولاً لأنه يمتلك كماً كبيراً من المعلومات هذا جانب، والجانب الآخر وهو الأهم في العملية التدريسية أنه يمتلك القدرة على إيصال المعلومات، فنحن نرى الكثير من الأساتذة إن كانوا في المعهد أو خارجه يمتلكون كماً كبيراً من المعلومات ولكن قدرتهم على إيصالها بالشكل الصحيح محدودة، والمرحلة الثانية من علاقتي به كانت بعد التخرج بحوالي 4 سنوات عندما انضممت لمجلة "الحياة المسرحية" عام 1997، وهو اختارني لأكون معه وبقينا معاً لمدة 8 سنوات إلى حين تقاعده، كانت السنوات الثمانية غنية جداً حيث عملت بإشرافه واستفدت منه كثيراً وتعلمت منه على صعيد العمل الصحفي التخصصي بمجال العمل في هذه المجلة العريقة والتخصصية، وما زالت علاقتي به حتى بعد تقاعده من المجلة ودائماً أستفيد من آرائه وأفكاره».

كما علق الأستاذ "عبد الفتاح قلعه جي" مؤلف وناقد مسرحي: «"نبيل الحفار" باحث وكاتب مسرحي كبير، والحقيقة أنه خلال مهرجانات "دمشق" المسرحية، وبإشرافه على "المنصة" (مجلة تصدر خلال المهرجان المسرحي) في عدد من المهرجانات أرسى من خلالها قواعد النقد المسرحي وتعارف المسرحيين بعضهم إلى بعض، فقد كانت "المنصة" ملتقى لهؤلاء المسرحيين، بالإضافة إلى أنه مدرس ممتاز في المعهد العالي بالرغم من أنه ترك التدريس الآن، وهو مترجم ممتاز أيضاً عن اللغة الألمانية».