"روان الكردي".. احساس العازف وتأثيره على الأداء
رولا القطب
تعشق عازفة الكمان السورية "روان الكردي" آلة الكمان وصوتها، فتنسج لنا في كل مرة ألحاناً مميزة، تدفعنا من خلالها إلى المحاكاة والتأمل.
المفكرة الثقافية التقت العازفة بتاريخ 18/12/2006 وكان الحوار التالي:
كيف كانت بدايتك الموسيقية، ومن شجعك نحوها؟
نشأت في عائلة تعشق الموسيقا والفن، حيث كان والدي عازف غيتار كلاسيكي، ودفعني لتعلم الموسيقا بالمعهد العربي منذ عمر ثماني سنوات ومن ذلك الحين تابعت دراستي الموسيقية حتى تخرجي من المعهد العالي للموسيقا بالتزامن مع دراستي للغة الانكليزية في جامعة دمشق.
هل صحيح أن الآلات الوترية وتحديداً آلة الكمان هي من أصعب الآلات الموسيقية من ناحية" العزف ، الإحساس، وضعية الأصابع واليدين ؟
هناك صحة في هذا الموضوع لأن الطفل في بداية تعلًمه عليها يجد صعوبة كبيرة بطريقة حمل الآلة، وبوضعية الأصابع وبطريقة اصدار الصوت، لأن مكان النوطات الموسيقية على الآلات الوترية غير محدد مقارنةً مع بقية الآلات مثل البيانو، الكلارينيت والغيتار، وبعد التدريب يعتاد الطفل على العزف إلى أن يُصبح عازفاً محترفاً من خلال الوقت والجهد والسماع الجيد للنوطات الموسيقية أثناء تمرينه، كما أن الإعتماد على ذاكرة الأصابع يُساعد إلى حدٍ ما في العزف، أما بالنسبة لبرامج آلة الكمان فهي تتطلب تكنيكاً كبيراً من خلال التمرين المستمر.
في بعض الأحيان يؤدي عازفي الكمان ذات المؤلف الموسيقي ولكن كُلٍ منهم بأسلوبٍ مختلف، برأيك.. ماسبب هذه الإختلافات في الأداء؟
لأن احساس العازف له تأثير كبير على تأدية وعزف المقطوعة الموسيقية، كما أن ثقافته الموسيقية التي تلقاها خلال فترة دراسته وكيفية تحليله للجملة والقطعة الموسيقية ككل لها دور كبير في العزف، فاختلاف هذه العوامل سيؤدي بالنهاية إلى اختلافات في الأداء لذات المُؤلف الموسيقي، وأعتقد أن هذا الأمر جيد لأنه سيميز العازفين عن بعضهم، إلا أن هناك بعض القطع الموسيقية التي كُتبت من قبل مؤلف ما خلال فترة موسيقية معينة، مثل موتزارت يُفترض على العازف تأدية مقطوعاته بدقة تامة دون أي تغيير ضمن اطارٍ معين، ومازالت التساؤولات حتى الآن لماذا يجب عزف مؤلفات موتزارت على هذا النحو وضمن هذا الإطار، لذا أؤكد أن الخلفية الثقافية للعازف والمدرسة الموسيقية التي تعلم فيها جميعها تؤدي إلى خلق فروقات بين عازف وآخر.
ماهي أهم الأعمال الموسيقية التي قُمت بعزفها كعازفة كمان "منفرد" واستمتعت بها كثيراً؟
بصراحة هما عملان موسيقيان الأول: كونشرتو "خاشودريان" للكمان خاصةً الحركة الأولى لأنها تحوي على تكنيك مختلف بكل جزء فيها، حيث أن الحركة طويلة وتحتاج إلى القدرة على التركيزالطويل والعزف بسويةٍ واحدة دون الإحساس بالتعب.
أما العمل الثاني فهو "كونشرتو سيبليوس": الذي قُمت بعزفه في امتحان التخرج، وهو عمل رائع يحوي على العديد من الألحان العذبة التي تحتاج من العازف إلى تكنيك واحساس موسيقي عالي جداً فهو عمل يستمتع به كل من يعزفه ويسمعه.
هل لك أن تُطلعينا على أهم محطاتك الموسيقية ؟
الجزء الأهم في عملنا هو السفر والعزف مع عازفين آخرين، لأن ذلك يمنحنا خبرة جيدة، للذك فإن أهم محطاتي الموسيقية هي مشاركتي بأوركسترا الشباب الفلسطينية، لأنها تجربة هامة بالنسبة لي على كافة الأصعدة حيث أن الأوركسترا جمعت الموسيقيين الفلسطينيين من كافة أنحاء العالم بمكان واحد كانت فيه ورشة العمل عبارة عن تدريبات استمرت لمدة اسبوعين تحت اشراف أساتذة ألمان بقيادة المايسترو الألمانية "آنا برونيك"، وكانت نتائج الحفل مختلفة تماماً عما كنا فيه ببداية التمرين حيث تم تقدم العازفين بالعزف بشكلٍ ملحوظ لأن التدريب كان يومياً بشكلٍ مركز، وأعتقد أنها تجربة هامة جداً لأنني تعاملت فيها مع عازفين من عدة دول بخبرات موسيقية متنوعة.
وتليها مشاركتي بأوركسترا "وستين ديفان" بقيادة "دانييل بارانبويم" ، وهو مايسترومشهور أصبح الآن المايسترو الرسمي لبرلين.
على المستوى الموسيقي تم اختيار الموسيقيين لكي يشاركوا بهذه الأوركسترا بدقةٍ تامة على أن يتمتعوا بمستويات محترفة، لأن هذه الأوركسترا غالباً تُقدم البرامج الموسيقية التي من النوع الصعب جداً لذا يجب أن يتمتع عازفيها بالإحتراف، فبعد التحضير الموسيقي تجول الأوركسترا على عدة دول أوروبية لتقدم العديد من الحفلات، فمن سورية تم اختيار عشر موسيقيين لكي يُشاركوا بهذه الأوركسترا وكنت أنا من ضمن الموسيقيين الذين تم قبولهم، فقدمنا عدة حفلات هامة من ضمنها حفل وداع "كوفي أنان"، وحفل آخر بقاعة الكارنكي هول، والحقيقة أن الخبرة الموسيقية التي يكتسبها العازف ضمن هذه الأوركسترا لايمكن أخذها من أي مكانٍ آخر لأنها أوركسترا احترافية يتم التعامل فيها مع عدد كبير من الموسيقيين ذوي الخبرةٍ والموهبة العالية جداً،ً بالإضافة إلى أنها سنحت لنا فرصة العزف بأهم قاعات ومسارح العالم، من بينها قاعة "ألبرت الملكية" في لندن، و"كارنيغي هول" في نيويورك.
كما شاركت بالعزف مع الأوركسترا السورية في حفلها الهام الذي أُقيم في أبوظبي مع مغني الأوبرا الشهير "بلاسيدو دومينغو" حيث تم بناء مسرح خاص له في منطقة صحراوية رائعة، وكانت الأوركسترا السورية هي المدعوة لمرافقته في الحفل، أعتقد أن هذا الحدث هام جداً للأوركسترا ولعازفيها.
متى كانت أول مشاركة لك بالعزف مع الأوركسترا الوطنية السورية؟
أول مشاركة لي بالعزف مع الأوركسترا الوطنية السورية كانت قبل دخولي إلى المعهد العالي للموسيقا عام 1999 والتي كانت بقيادة المايسترو الأستاذ صلحي الوادي. لقد كانت بداية هامة بالنسبة لي لأنني انطلقت منها موسيقياً، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن أنا عضو بالأوركسترا الوطنية السورية.
هل لك أن تٌطلعيننا عن عضويتك بفرقة "وشاح"؟
عضويتي بفرقة وشاح الوترية لموسيقا الحجرة مختلفة نوعاً ما لأن العزف مع مجموعة موسيقا الحجرة تختلف عن العزف المنفرد ومع الأوركسترا، لأن عدد عازفي الحجرة قليل جداً، فهذا الأمر يرتب على العازفين مسؤولية أكبر فالحجرة عبارة عن مجموعة مصغرة من "العازفين المنفردين" الذين يقومون بأداء عمل جماعي إلا أن كل عازف عليه أن يؤدي دوره بإتقانٍ تام، لأن الدور مكتوب لعازف واحد فقط فلا أحد سيشاركه في هذا الدور إذا ماقارنا الأمر مع الأوركسترا التي تحوي على عدد كبير من العازفين، أما بالنسبة لبروفات "تمرينات موسيقى الحجرة" فتكون مدتها أطول لأن التركيز يتم على أدق التفاصيل الصغيرة، كما يترتب على العازف في الحجرة بالإضافة لإتقان دوره حفظ أدوار زملائه من العازفين، لأن أي خطأ سيظهر بسرعة على المسرح لذلك فإن أداء الحجرة من النوع الصعب، حيث قامت فرقة وشاح بعدة حفلات في سورية، المغرب، أوكرانيا وغيرها من الدول ونالت حفلاتنا استحسان الجمهور.
كنت أستاذة الموسيقا لمدة ثلاث سنوات في المدرسة الأميركية بدمشق، فكيف كانت تجربة التدريس مع الأطفال؟
في الحقيقة كانت تجرية رائعة، لأن العمل مع الأطفال يحوي العديد من التحديات المفاجئة، مايُحفزني على البحث عن أسرع الطرق لتطويرهم، كما أنه يتوجب علي معرفة نقاط ضعفهم كي يتم تعديلها، وهناك بعض الطلاب لايتم تقدمهم بشكل سريع لأسباب لانستطيع ادراكها، وهذا الأمر يأخذ منا الكثير من الجهد والوقت، وبالنسبة لانتقاء البرامج فاذا كان لدى طلابي حفل ما فمن الواجب علي أن أقوم بتحضيرهم على أتم وجه بحيث يكون أداؤهم جيدا على المسرح.
عازفة الكمان "دانة دبوس" قالت: «إن العزف على آلة الكمان ليس بالأمر السهل وحين يصبح الواحد منا عازفا فلأ ذلك أخذ من وقته وجهده الكثير، لذلك يكون الاتقان هو المميز في عملنا، وهذا ماأتابعه مع "روان" لأنها من العازفات اللواتي يقضين وقتا مهما بالتدريب، وأحب كثيرا أن أسمع عزفها شخصيا أثناء البروفات حيث تظهر دقة العزف وقوة المتابعة في حفظ المعزوفات».