"زين مخلوف".. الذات الخالصة للمتلقي
شادي نصير
لابد لمتلقي العمل الفني الخاص بالفنان التشكيلي "زين مخلوف" من أن يبحث عن تفاصيل دقيقة في ذاته، يعكسها الفنان بألية خاصة جداً، فنرى كل ما قام به الفنان من إضافات على التشكيل له خصوصية تنهل من فن "البوب آرت" الغربي وفنون أخرى، ولكنها بروح شرقية خاصة وساحرة.
"زين مخلوف" الذي اعتاد على مقاربة الطبيعة في أعماله، وعمل على اختزال التفاصيل فيها، يكشف عن خصوصيته في العمل الفني من خلال خلق عوالم مستمدة من مخزونه الثقافي والبصري، ومن تاريخه المتجذر في عمق الفكر، والفكرة التي يطرحها أثناء تشكيله للشخصية أو الشخصيات الفنية، ومن ثم مقاربته لتفاصيل تخصه نفسياً وفنياً ليولد تصميم العمل الفني برؤية حديثة وبجذور من ماضٍ عريق.
في ثورة الفن التشكيلي الحديثة، يرى "مخلوف" أن الفنان رهن بيئته وأن التصنيفات الفنية تقيد الفنان وتتركه رهينة في مضمار فني خاص، وهو ما عمل على الابتعاد عنه، وحاول خلق عالم خاص به، فكان الخط هو السمة الأبرز لأعماله الفنية، والإختزال في التعابير ومن ثم إضافة الروح واللون للعمل، فخط واحد أو خطين في مرحلة الإختزال يوصل الفكرة وبقوة يحاكي المتلقي للعمل التشكيلي.
في اختزاله الشكلي من خلال الخطوط يحاكي اللاوعي في المتلقين ويحرض الطفل داخل كل شخص منا ليخرج ويحاوره من خلال تقبله للعمل ويستمع إلى صوت العقل فيه فيقول: "إن العمل الفني لا بد من أن يلقى استحسان من الطفل بالدرجة الأولى لأنه صادق وجريء ومتعود على فن التحوير من خلال الرسوم الكرتونية المتحركة".
في أعماله يعتمد على تبسيطه للأشكل، ويترك مساحات بسيطة في خلفيه العمل فهذا التعمد هو نوع من تحريض خيال المتلقي، نوع من استنفار الذاكرة الجمعية على مرور الأيام التي تلقاها الفرد، وكأن الأعمال تجنح نوعاً ما نحو عالم مسرح "الكابوكي الياباني"، فنرى أن الضوء مسلط على الشكل، والشخصية في العمل الفني، مقابل أن تكون خلفية العمل بسيطة وخالية من الكتل التشكيلة التي بحاجة لبحث طويل.
منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة في دمشق من قسم الاتصالات البصرية، يحاول أن يربط التقنيات الحديثة وأن يدخلها إلى عالم الفن التشكيلي الواسع، فيرى الفنان "مخلوف": "أن الفن لا ينفصل عن العلم دوماً".
يعتمد في أعماله الابتعاد عن فلسفة مقصودة للعمل لأن الأعمال التي يقدمها هي للمتلقين عامة بجميع رؤاهم ومقدراتهم على رؤية أو قراءة العمل الفني، وكثر من أعمال الفنان تتحول وتتجدد بكثير من الدراسات الخاصة بها والتي هي تفرضها على الفنان نفسه وتحرضه على تعديل رؤيته بها، ومن هنا يحقق لها ما تصبوا إليه وما يريحه وبالتالي يريح المتلقي للعمل الفني.
الأسطورة حاضرة بقوة في أعمال الفنان التشكيلية، وكثير من شخوصه التي هي برؤوس بشرية وأجساد حيوانية، لها علاقة بالإرث الذي وصل إلي ذاكرته الفنية، والمثيلوجية السورية التي لها خصوصية مميزة، كل ذلك جعل الأسطورة حاضرة بقوة ولها مكانها الرحب في أعماله، ولكن برؤية حديثة تنبع من إدراكه لكل تفصيل يضيفه كي لا يخرج العمل عن سياقه الإبداعي التشكيلي، ولا يحوله إلى عمل يجنح نحو عالم خيال الظل، فلا يضيق عليه ويتركها ترتاح وتسرح بخيالها وخيال المتلقين كما يسرح بخياله دوماً.
في بحثه الدائم يقوم دائماً بالبحث والتقصي، ولكنه لا يقلد أبداً، حيث نرى أن أعماله تحمل الخصوصية الكاملة بتفكيره ورؤيته ولو اقتبست مما في الشرق أو الغرب من رؤى فنية أثبتت وجودها بجدارة، فكثير من المدارس الشرقية لها وجهات نظر أوربية والعكس بالعكس على حد رؤية الفنان لها وتعاطيه معها.
الفنان "زين مخلوف" الباحث الدائم في الفنون الحديثة والمطور لمشروعه في التاريخ والفن والاتصالات البصرية، هدفه أن ينقل إحساس المتلقي للعمل الفني وأن يخرج متابعيه في المعارض أو الملتقيات بانطباع أن ما شاهدوه هو ذاتهم الخالصة دون تحوير أو ابتعاد عن الذات البشرية.