شاميرام منديل:الرسم كان لدي كلعب الأطفال
هيسم شملوني
تأتي تجربة التشكيلية "شاميرام منديل" متكئة على مخزون ثقافي معرفي واضح، فهي الفنانة التشكيلية والشاعرة والروائية، والتي استطاعت أن تغني مشاربها الثقافية من الشرق والغرب ، دون أن تبتعد قيد أنملة عن انتمائها الوطني الإنساني العام.
المفكرة الثقافية التقتها للحديث حول تجربتها التشكيلية، ودار الحوار التالي:
* هل يمكن الحديث عن بداية العلاقة مع تجربة التشكيل عندكِ؟
** مثل كل الأطفال مارست الرسم في عمر صغير قبل الكتابة، ساعدني في ذلك عائلتي المتعلمة المهتمة بالفن والثقافة عامة، فأبي شاعر، وأمي قارئة ممتازة للأدب والثقافة، ومهتمة بالسينما.
الرسم كان لدي كلعب الأطفال، تطورت فيما بعد تجربتي، ثم جاءت الدراسة الأكاديمية في معهد "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية بـ"دمشق"، التي وجهتني نحو الاحتراف، وشاركت بمعارض المعهد ومعارض عديدة في سورية وخارجها، رغم ذلك فنياً لا يمكنني القول إني احترفت الرسم لأن الرسم عالم واسع، وهناك إضافات جديدة وكثيرة دائماً في كل يوم.
* كيف تصفين الحديث عن الخطوط والمنحنيات التي سلكتها في تجربتك التشكيلية؟
** مررت بمراحل عدة، كتبوا في البدايات عن معارضي أنها تعبيرية وجامحة، لكن مع تقدم العمر صار ميلي نحو الواقعية أكثر، أحسها أغنى من أي خيال، لكن ليس عكسا ميكانيكيا للواقع، إنه إعادة لقراءة الواقع جمالياً، فهي تقتبس من طباعي، هناك كاميرات و قنوات فضائية تنقل الخبر والأحداث مباشرة، كحرب العراق، التي كانت فيها الصورة شيئا مذهلا، لكن الصورة الفوتوغرافية ليس لها ديمومة واستمرارية اللوحة، ومن الصعب أن نعلق هكذا صورة في بيوتنا، إنما اللوحة تمكن من إعادة قراءة الواقع وإنتاجه بإستمرار وخير دليل على ذلك لوحة "غيرنيكا" للفنان العالمي "بيكاسو" والتي تحدثت عن المجزرة خلال الحرب الأهلية الإسبانية، فهذه اللوحة كلما نظرت إليها تجد فيها ما يحدث من خراب في هذا العالم، فهي كأنها تتحدث عن فلسطين والعراق وليبيا والصومال وأفغانستان وغيرها، فالواقعية هي رؤيتنا وقراءتنا وإحساسنا بالواقع.
* هل اختلفت طبيعة الموضوعات والتقنية عندك بين سورية وإيطاليا؟
** ايطاليا بلد عظيم فنياً، وتاريخه معروف، فهو متحف مفتوح، حيثما تمشي تشاهد التماثيل الرومانية، والشعب الايطالي شعب متذوق للفن، من هنا أطل على تجارب جديدة، ونفس جديد ومختلف بالعمل، على الرغم من أن الفن لغة عالمية والتجربة الإنسانية واحدة، لكن حساسيات التناول والطرح تختلف بين شخص وآخر، وشعب وآخر، نتعلم كيف يشاهد الأشياء، والتجارب الجديدة، وطريقة التناول، فهم يهتمون برؤية كيفية التفكير لدينا و كيف نبني شغلنا ولوحتنا، وقد عملنا معرضاً في الهواء الطلق بمدينة "ريدجي ايمليا" بمشاركة مجموعة من الفنانين العرب والايطاليين، على مدار ثلاثة أيام في الشارع، وصورتنا وكالات الأنباء، وأثار عملنا فضول المارة، حتى بأدق مراحل رسم اللوحة وكيفية خلط الألوان وتأسيس اللوحة كانوا يأتون ويصوروننا، وقد لمست اهتمامهم بمشاهدة تجارب مختلفة من العالم، وحبهم لرؤية عمل أبناء دول الجنوب كما يسموننا، ويثيرهم كيفية تفكيرنا بالأشياء.
* هل كنت تشعرين بمسألة اللون التي يتم الحديث عنها بين الشرق والغرب؟
قال مرة "عمر حمدي- مالفا":« الشمس قوية في الشرق، وتعطي رؤية واضحة للألوان أكثر من أوروبا». هذا صحيح ولمسته هناك، نحن في الشرق نحب الألوان الصريحة الواضحة، وربما يعود ذلك لطبيعة الجو لدينا، وايطاليا أيضاً لها طبيعة خاصة لكونها أقرب دولة أوربية إلى العالم العربي.
* على الصعيد التشكيلي هل يمكن الحديث أنك أصبحت بين مكانين؟
** قبل هجرتي إلى أوربا كنت مطلعة على التجارب العالمية من خلال دراستي ومتابعتي للمعارض، ودراستي للأدب العربي، فليس هناك فن سوري أو حتى عربي طبيعي خالص، دائماً هناك تأثرات، كنت قبل سفري أختزن في الذاكرة البصرية ألواناً وطقوساً وعوالماً، فقد رأيت لوحات "بيكاسو"، "غويا" وغيرهم، لكن هناك تشاهد الأجيال في تتابع مستمر، ننظر إلى تجاربهم مباشرة. الفن إنساني بشكله العام، تختلف فيه التفاصيل، وله رموزه، فالعربي له رموزه التراثية الخاصة والأساطير المختلفة، لكن الإنسان واحد في العالم كله، والتجربة الإنسانية واحدة، وعندما يعرض الفنان في إيطاليا يكون هناك ترحيب والعكس صحيح.
* أخيراً.. حبذا لو تحدثينا عن عملية الجمع بين الكتابة والرسم عندك وأثر أحدهما على الآخر؟
** أنا كاتبة وفنانة تشكيلية، وهناك تجارب كثيرة في العالم مثل "غسان كنفاني"، فقد كان أديباً ورساماً، وكذلك "جبران خليل جبران" الذي كان شاعراً وفناناً، أنا أشعر بأنها وسائل وأدوات للتعبير بين رسام وكاتب، أحيانا تفرضها طبيعة المواد، ومرات أخرى الظروف، ففي السفر لا تفرض أدوات الرسم ذاتها، وإنما أدوات الكتابة، والذات المبدعة واحدة فلا يمكنني أن أتخيل فناناً تشكيلياً يتذوق الرسم ولا يتذوق الشعر، تماماً كقول الشاعر "بدر شاكر السياب" :«عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر». بملاحظة أنه لا يمكن أن يكتبها إلا إنسان يتذوق الرسم، وملاحظة تدرج ألوان الشمس البرتقالي والذهبي، فلو كانت الظروف أحسن لربما صار رساماً وفناناً تشكيلياً.