"صفوان داحول": سأظل أحلم أن أترك أثراً
إيمان أبوزينــة
الأربعاء 28 تموز 2010
هو واحد من أهم الفنانين التشكيليين في سورية، وحين تقف أمام لوحته وألوانه سيغريك أن تسأل عن هذا الإيغال في الحزن، وهذا الأرق والصمت.
"صفوان داحول" اسم سوري يرسم حلمه منذ ثلاثين عاماً لكنه في كل عام يجعلنا نتعرف عليه أكثر ويجعلنا نؤمن أن صمته، وحلمه عنوانين دائمين لإبداعاته.
eSyria التقى الدكتور "داحول" وأجرى الحوار التالي:
* أحد النقاد التشكيليين الغربيين يقول إن التجريد سمة للخاصة من المتلقين وليست لكل المتلقين، فهل توافق هذا الرأي؟
** أنا لا أوافق هذا القول لأننا عندما نعود إلى الفن الاسلامي القديم فهل سنتساءل إن كان فناً نخبوياً أم كان ثقافة مجتمع؟
الفن لم يكن نخبوياً ولم يكن يخص جماعة معينة. وهنا دعيني أسأل: من قال إن الناس لا تتحسس اللون في اللوحة حتى لو لم يفهموها؟!
التجريد دخل في كل المدارس الفنية لدرجة أنك تستطيعين رؤية أكثر من مدرسة فنية في لوحة واحدة، لكن التجريد له حضور أكثر كنمط، مثلما الواقعي، والتعبيري، الفن بالعموم وبكل الاتجاهات خلق ليكون للجميع. نحن خلقنا لنرى التجريد بالطبيعة فأنت أمام بحر أزرق، أو سهل أخضر لا ترين التفاصيل قبل اللون. طبيعتنا تجريد، وأفكارنا تجريد، لذلك هو للجميع.
* هل تعتقد أن من السهل للمتلقي أن يرى حداً وسطاً في لوحاتك بين التجريد والحقيقة، وهل تتقصد ذلك أحياناً؟
** نحن الآن في 2010 ومباح لنا كل الاحتمالات التي مرت بمدارس الفن التشكيلي، ما يخلق مزيجاً معقداً في اللوحة التي أعمل عليها بمعنى أن التحليل لها يمكن أن يكون تجريدياً بينما الشكل المرسوم واقعي.
إن اللون ذو دلالة رمزية، وأنا أتقصد ذلك لأني أحب اللعب في لوحتي لأني أعتبره جزءاً من المزج الضروري للفنان. اللوحة ليست عملية حسابية، وإنما يمكن الذهاب فيها إلى تاريخ كل من سبقونا بحيث نختصر فيها ما يخصنا.
* كل هذا الزخم بالحس الفني لديك يجعلنا نرى أصالة تميزك في أسلوبك رغم بعض الاعتراضات على طريقتك في الرسم فما هو تعليقك لهؤلاء؟
** نحن لا نستطيع الوصول إلى الكمال في الحياة فهناك شيء ناقص دائماً كي يحرضنا ليكون ايجابياً. أنا إنسان ألتقي مع البعض وأختلف مع البعض الآخر، وكذلك هم لكني في النهاية مجرد احتمال من آلاف الفنانين الموجودين في العالم، وهذا الاحتمال سيلتقي مع البعض وسيختلف مع البعض الآخر. الفن بالعموم هو لغة عالمية وأنا لا أساوم في ذلك. ليس مهماً مع من نتفق أو نختلف، لكن المهم أن أحكي أنا هذه اللوحة وهل هي واضحة أم لا. إما أن أحكي لغة 2010 أو لا. الموافقة معي أمر ثانوي لأني في النهاية أرسم لنفسي فقط.
* كيف يشرح لنا "صفوان داحول" هذه الاستفاضة في الحدس واللاوعي في لوحاته؟
** المثل القديم يقول إن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب، وبالتالي طبيعة الانسان، وحياته، وتاريخه ستظهر بعملي وانتاجي.
الفنان مضطر أن يملك عدة أدوات في وقت واحد: الأدوات المهنية، والأدوات الثانوية السرية والخاصة وهي الاحساس، الحزن، الفرح، التعب... وفي اللحظة التي أستطيع مزج هذه الأدوات الحرفية والحسية ستخرج هذه النتائج.
أنا أقول دائماً إن ذلك ما يغني الفن لأن لا أحد منا يشابه الآخر وكل له تاريخه، وطريقته، وهمّه، لذلك لا أحد يشبه أحد والسبب هو سؤالك، أي كيف يمكن مزج موادك المهنية والحرفية بموادك الانسانية.
* كيف استطعت أن تخلق تفرداً وهوية في زخمة الوجود التشكيلي؟
** التفرد أنا أسميه بحث، وهو الذي أرى فيه عنادي كي أكتشف، وكي تتشكل التراكمات.
أنا أرسم منذ ثلاثين عاماً تحت عنوان "حلم" وهذا العنوان لم يتغير منذ ذلك التاريخ، إضافة إلى أني أريد أن أكون "كلمة" بينالفنون التي نراها. لابد أن يكون لك مقولة مختلفة تميزك وتظهر أفكارك وأسئلتك وماهية حياتك، وما هو الأثر الذي ترغب بأن تتركه بعد رحيلك. نحن في القرن الحادي والعشرين والتميز أصبح ضرورة. لم يعد باستطاعة الفرد منا أن يقف مدللاً أمام لوحته لذلك لابد أن يقبل التحدي بالاختلاف والتفرد، بمعنى ألا يشبه أحداً بالشكل فكيف باللوحة؟!
أريد أن أقول إنني من هذه الذاكرة التي عمرها خمسة آلاف عام وفي لوحتي لابد أن يظهر شيء من هذه الذاكرة والمهم أن نوصلها بلغة العصر.
* كيف يرى الفنان تكرار لوحاته من وجهة نظره في الوقت الذي لا يستطيع العادي منا رؤية وجوه الاختلاف؟
** أنا أقول دائماً إنني من يختار هذا التكرار وليس الآخر من يكتشفه. أنا الذي أصرّ على هذا التكرار، لأني أكرر ما له علاقة بحياتنا التي أصبحت متشابهة. نحن نعيش حالة التكرار اليومي سواء بالحروب أو الأقوال وحتى الحب والكره.. كيف باستطاعة الواحد فينا ألا يرى هذا التكرار؟! من منا يعيش يومه في كل لحظة بطريقة، ويومه يختلف عن الآخر، ويملك ذاكرة جديدة؟! هذا غير صحيح فأنا أكتب مذكراتي التي تشبه بعضها لأن كل الذي أعيشه يشبه الذي قبله.
أصبح لدي قناعة أن الحب نفسه يشبه الموت.. إنه يحمل نفس المشاعر وأنا لا أرى اختلافاً بينهما.
أنا أعتبرنفسي شاهداً حقيقياً منذ ولادتي حتى يوم وفاتي، وقد أكون احتمال وهمٍ أثناء حياتي..!
أنا أريد أن أقول ما بداخلي ولن أحرم نفسي من الذي أعمل عليه. وأنا لا أريد أن أثبت لأي كان أنني أستطيع إبهاره برسمي وتنوعي فالمسألة ليست إبراز عضلات لأني في النهاية لست مشروع مهرجان..أنا مشروع إنسان.
* ما رؤيتك المستقبلية للفن التشكيلي في سورية، وهل تحلم بمدرسة تحمل اسمك؟
** أنا متعصب جداً للفن التشكيلي السوري لسبب بسيط هو بدء ظهور أجيال جديدة وهذا دليل خير واستمرار لأن الفن دون ذلك سيمر بمصاعب كبيرة، لكن مع هذه الأجيال المتفهمة والتي تبحث وتحاول تقديم هوية خاصة بها سيجعلني أرى الخير دائماً في الفن التشكيلي السوري.
نحن في النهاية نتأثر ببعضنا لأننا نعيش في نفس المحيط الاجتماعي ولن أقول إلا أن لا أحد سيشبه أحد. أنا "صفوان داحول"، وغيري فلان، وفلان.
سأظل أحلم أن أترك أثراً، لأني أريد أن يرى لوحتي فنان ما، أو كاتب ما، أو موسيقي ما، ويقول: صفوان ترك لوحة اسمها "حلم".