"ضحى أحمد" : الكتابة هي ملاذ حقيقي، وبر نجاة للكاتب
نورس علي
لخصت درجات مجدها بإنتاجها الأدبي، فكان المساحة الحرة لروحها التي عشقت البحر وصادقة الكلمة، فأندت على الصفحات البيضاء عطرها.
فالأديبة "ضحى أحمد" وجدت في يدها الأرض الخصبة التي تعمل لإطعام المحتاجين، والنبع العذب الذي ينضح لإرواء الظامئين دون أن تغفل نفسها كضمان لاستمرارية عطائها.
موقع eCalالتقى الأديبة "ضحى أحمد" بتاريخ وأجرى معها الحوار التالي:
* كيف تعرفين الكتابة الأدبية؟
** الكتابة هي ملاذ حقيقي، وبر نجاة للكاتب، وبيرق بوح شجي، وهي نثر بذور الذات على مساحة الورقة الخصبة، إذاَ الكاتب مأزوم دائماً والكلمة شفاء.
* هل تعتقدين أن الأدب الذي تكتبين من الممكن أن يغير بعض الأفكار السائدة ؟
** إن لم استطع من خلال ما أكتب أن أصحح فكراً أو أن أضيء قنديلاً في دهاليز معرفية أو أؤكد فكرة أؤمن بها إذاً ما أكتبه لا قيمة له، فكل كاتب يتبنى مشروعه وكله أمل أن يحجز لنفسه نقطة مضيئة في المشهد الثقافي، وهذا ما أحاول تكريسه وهذا يبرر التأني في إصداري لمؤلفاتي.
* ماذا حققت لك رواية "ألف لام ميم" ؟
** إصدار رواية جديدة بحد ذاته تحقيق حلم، وصعود درجة من درجات المجد الخاص الذي يصنعه القلم وتتوجه الكلمة، إنه الإحساس بمولود يعانق الضوء بعد مخاض أليم، وهذه الأمنية متجددة طالما في العالم قارئ واحد، وطالما أن الشمس تشرق، إنها المباغتة بأمنية غالية تجدها صباحاً على وسادتك، فهل تتخلى عن هذا الإحساس لأي سبب كان.
* كيف وصلت رواية "ربما" إلى الناس حسب اعتقادك؟
** عندما يتخطى المرء زمنه تصبح رؤاه خليطاً فلسفياً فكرياُ ولا يتجرأ من ذات الأديب، ومن السذاجة أن نتوقع قارئنا إلا فيلسوفاً ومفكراٌ، وعليكَ ككاتب أن تصعد برؤاه لتصبح غيمة ويصبح زهرة مغتسلة بالعبق.
* كيف تجدين نفسك ككاتبة بعد هذا الكم من اصداراتك حتى الآن؟
** الإنسان شخص يتعلم طالما لروحه رمق، وكذلك الأديب فإن الكتابة المتكررة تعطيه آفاق الكتابة، وتعلمه تلافي الأخطاء السابقة، وتزيده دراية بأدواته، وبخيوط اللعبة الروائية، وتعزز مكانته أمام نفسه أولا كروائي وأمام الآخر أياً كان بكينونته كبائع عطر مبتكر مع كل كلمة جديدة يزرعها على الورق.
* إلى ماذا يسعى الكاتب حسب رؤيتك، وماذا يهمك عند إصدار الرواية؟
** أعتقد أن أهم ما يسعى إليه الكاتب هو تقديم نصاً محملاً بالكثير من رؤاه، وبالتأكيد مشحون بمعارفه وثقافته وبيئته ومخزونه الفكري مع حرية الحركة للشخصية بعيداً عن قيود القلم، فأهم ما أسعى إليه أن أقدم المتعة للمتلقي، وهذا حقه وتحقيق الذات الإبداعية "معرفياً وجمالياً".
ما يهمني حقيقة أن ألامس القارئ من الداخل فأتحسس جراحه، وأبلسم ألمه، وأشاركه ما يحس، فأقول بلسان حاله، وأصبح سفيرة الكلمة إليه، وهذا ما أسعى إليه وأتمنى أن أحقق ذلك، فإنه هاجس وأكثر.
* أي الكتب تفضلينها أكثر من إصداراتك ؟
** لن أكون كغيري وأقول لك إن كتبي هم أبنائي وأحبهم جميعاً، فبعض الأبناء أقرب عليك من غيرهم مهما كنت حيادياً أو حاولت ذلك، ففي قصة "الصوت الظل" و "ربما" و "على لحنك" و "لف قيثارتي" أظنهم يوسف قلبي وأقرأهم بمتعة كل مرة.
** * كيف ترين القارئ في الفترة الراهنة؟ وهل هناك نقد جيد؟
** الكاتب أصبح كسولاً والناقد أيضاً، أما القارئ فيجد عشرات بل ومئات الإصدارات سنوياً، فيغرق في غياهب الكم دون اعتبارات النوع وبالتأكيد التكرار القاتل الذي غرق به البعض، فنجد بعض الكتًاب يصدرون العديد من الكتب سنوياً ولا ضير في ذلك إن كان الموضوع متجدداً أو الرؤية واضحة ولا يقع الكاتب في مصيدة تكرار نفسه أو تكرار الآخرين.
في لحظة الكتابة لا أتخيل قارئاً، فعندما ننجب مخلوقاً إلى الحياة لا نفكر في لحظة الخلق إن كان سيعجب الآخرين أم لا، ولكن ما أتوقعه أن يكون القارئ مثقفاً، وفي هذا الزمن لا يحمل كتاباً أو يتابع عملاً إبداعياُ شخصاً بسيطاً أو غير مكترث.
الناقد الموضوعي هو الناقد الأكاديمي الذي يبني أحكامه على أسس واضحة ومعايير صارمة، فالنقد ليس مجرد مصطلح يُمنح كيفما اتفق، إنه مسؤولية وإرث سيؤرخ لحقبة ثقافية وسيساهم في تشكيل الذات الإبداعية لكل من امتشق قلماً وآمن بالكلمة رسالة.
* لو لم تكونين كاتبة ماذا تتمنين أن تكوني، وهل تعتقدين أنك ستقدمين الكثير بعد؟
** لو لم أكن كاتبة كنت أتمنى أن أكون خبًازة، فإن لم أستطع أن أقدم خبزاً للروح فلأقدمه لأفواه الجياع ولأجعل أناملي حقولاً في قمح بلادي التي أعشق.
رحلة الكاتب تظل طويلة جداً، وما زلت أنا طفلة في الإبحار، آمل أن أتعلم التجديف الحقيقي وأن أصل يوماً إلى ما أطمح إليه.
* لماذ يبقى البحر حاضراً لدى كتّاب المدن الساحلية، وكذلك أنت ما السر في ذلك؟
** لأنه المخلوق العتي الرقيق الطفل الجبار، ولأنه العالم الغامض المغري بخوض غياهبه، وهو صاحب السطوة الكبرى.