"ظلال غزلان": لوحتي تبحث عن جمال المرأة وأنوثتها

العمل التشكيلي ديمومة وسمو

علاء الجمّال

«مؤكد أنني أؤمن بالبعد العاطفي وخاصة في العمل النحتي، فإن جذبني عمل ما عليه أن يشحنني بمشاعر متأججة، وبنفس الوقت أريد أن يدهشني بموضوعه ويثير لدي تساؤلات ولا بدّ له حتى يحقق هذه الشروط أن  يكون صادقاً وبعيداً عن الافتعال».

والتحليل للنحاتة السورية "ظلال غزلان" التي تحدثت لموقع   ecalأثناء حوارها حول رؤيتها للوحة ووجهتها التعبيرية فيها:

* هل لنا بنبذة مفصلة حول المراحل التي مرت بها تجربتك الفينة؟

** منذ طفولتي الرسم أهم اهتماماتي، وخلال مراحلي الأولى في الدراسة كنت محبوبة جداً من قبل أصدقائي لتميزي عنهم بموهبتي فيتسابقون لإعطائي دفاترهم حتى أزينها لهم برسوم تمثل فتيات يضعن على شعرهن زهور وشرائط ويلبسن ثياب غريبة، ولم أكن أدري لماذا رسم الفتيات كان يشدني ويجذب اهتمامي.

خلال المرحلة الثانوية اتخذت قراري بأني سأدرس في كلية الفنون الجميلة حتى أصبح فنانة تشكيلية، وكانت رسوماتي تلك الفترة تتصف بالشاعرية فمن موضوعاتها مثلاً القمر أو أشجار الخريف أو حافة جبل صخري أو مقعد خالي  جميعها عناصر قلما تخلو منها رسوماتي…  عموماً إن الفن في عائلتنا لم يكن عالم مجهول كما هو الحال في قريتنا فجدي "أحمد حيدر شبيب" كان نحاتاً رائعاً ووالدتي متذوقة للفن ورأيها حوله قوي وصريح ولا يستهان به، وأخي الأكبر مهندساً معمارياً ومبدعاً، وأختي في ذلك الوقت طالبة في كلية الفنون وحظيت أثناء دراستي بإشراف فنانين مهمين في الساحة التشكيلية السورية، وربما أكثرهم تأثيراً على أسلوبي الفني الدكتور "شفيق أشتي" الذي دعم موهبتي منذ بداية دراستي في الكلية، وتابع تجربتي حتى التخرج. 

إن أكثر ما كنا نرسمه هو الموديل ربما هذا ما جعلني أهتم برسم الإنسان أكثر من أي شيء آخر وأكسبني إمكانية رسم التشريح بشكل صحيح، وقد كان الصدق في نقل الواقع الذي أراه وأعيشه هو جلّ همي، وتجسيده بحرفية في التشكيل (ما كنت أبحث عنه) هو الحرفية لأنني أؤمن بأن الحرفية هي مرحلة لا بدّ أن يمر بها الفنان حتى يصل إلى أسلوب فني ناضج فيما بعد.

 

أما مشروع التخرج فشعرت عبره بخصوصية عميقة، لذلك الأعمال التي قدمتها في التخرج حملت حرية أكبر في اللون والتكوين، وصرت أبحث عن قطوع غير مألوفة في الشكل كأن أجعل القطع يمر في أنوف ثلاث فتيات متجاورات مثلاً، وباختصار أصبح بحثي عن الشيء الجديد هو هاجسي.    

* تعملين على إظهار الجانب العذري والأنوثي عند المرأة، ما خصوصية هذا الجانب؟

** يزعجني مشهد المرأة الرخيصة في الفيديو كليب والدعايات التلفزيونية، وللأسف إن هذه المشاهد تستخدم المرأة لتسويق السلع التجارية وبالتالي تعمل على تشويه النظرة إلى المرأة حيث أصبح الجسد الأنثوي بالنسبة لفئة كبيرة لا يوحي إلا بالجنس وإثارة الغريزة لأنه غالباً ما يقدم للمشاهد ضمن قطوع وزوايا ما القصد منها سوى الإثارة، وهذا مهين للمرأة لأنه يحولها إلى مجرد آداة ويعتم الضوء على الجوانب الجميلة  داخلها… وأنا بدوري أريد من خلال لوحاتي تسليط الضوء على هذه الجانب.

إننا نرى في كثير من اللوحات العالمية موديل المرأة عارياً أو شبه عاري مع ذلك يثير في المشاهد انفعال راقي فهو أمام قيم تعبيرية وجمالية وتناغم لوني ممتع للنظر، وأحياناً نجد أعمالاً فنية فيها إباحية وجرأة عالية هذا صحيح، ولكني شخصياً أرى أن العمل الفني كلما ابتعد عن ذلك كلما أخذ قيمة وسمو وديمومة…  

* الحالة التعبيرية لديك هل تتطلب الخروج بنصها البصري عن الواقع إلى التخيل أم أن هن هناك موديل حي تعملين على رسمه مباشرة؟

** في البداية تطلبت الحالة التعبيرية أن أرسم عن موديل حي وربما احتجته فيما بعد، ولكني في معظم مراحل بناء اللوحة أتخلى عن الموديل لأستخدم خيالي إن صح التعبير أو لأوظف ثقافتي وإحساسي بهدف إيصال الجملة التي أود أن أقولها للمشاهد من خلال عملي الفني، فواقع المرأة بالنسبة إلي هو العالم الخصب الذي أنهل من عناصره لأسلط الضوء على أهم ما فيه وأبرز جمال داخله.

 

* الواقع في عملك التشكيلي ما وصفك له؟

** الواقع هو الأرض المتينة التي أبني عليها بنائي الخاص لذا أحتاج للواقع وللخيال معاً ولكن يضل الواقع مسيطر في عملي.

* لماذا التركيز على المرأة فقط ولديك العديد من الجوانب المثالية تستحق البحث والعمل؟

** صحيح المرأة تأخذ جزءاً كبيراً من اهتمامي ربما لأنني ابنة ريف وأعرف حالات كثيرة غير إنسانية تعيشها المرأة تحت اسم الأخلاق والشرف الدين… والسبب في ذلك الجهل وليس لي إلا أن أحاول من خلال لوحاتي لفت الإنتباه لها أكثر وإلى أحلامها وجمالها وأنوثتها…

وفعلاً هناك العديد من الجوانب التي تثير اهتمامي والتي أرغب فعلاً بتصويرها لأنها تستحق البحث، ولم أقصد التركيز على المرأة فقط، ولكن ربما لأنني لم أجد الفرصة أو لم تنضج في ذهني الصور التي أرغب في تقديمها بعد.

* كونك معيدة في كلية الفنون الجميلة بدمشق ألا يبعدك هذا عن التواصل مع عملك الفني؟

** لم أعتد خلال سنوات الدراسة أن يمضي يوم دون أن أرسم فيه، ولكن بعد التخرج انشغلت بموضوع المعيدة وإمكانية السفر للخارج لإكمال دراستي، ولكني مع ذلك أحاول ما استطعت التواصل والمشاركة في النشاطات الفنية.

* هل لديك فكر مستقبلي لإعداد معرض شخصي، وما محور الموضوع الذي ستتخذيه؟

** لا بد أن أقيم معرضاً فردياً ولا أعرف تماماً ما هو الموضوع الذي سأختاره، وإنما يجب عليه أن يحمل شيئاً جديداً ومختلفاً، وقد أعطي للخيال مساحة أكبر من الحرية في التعبير. 

* يلاحظ غياب الفن الواقعي الدقيق الذي يحمل خطوط التشريح ضمن الأبعاد التناسبية الصحيحة للشكل، والاتجاه المباشر إلى التجريد الذي هو المرحلة الأصعب في الفن، ما تحليل ذلك برأيك؟

** للأسف هناك فكرة سائدة أن التجريد أعمق وأهم من الفن الواقعي حتى الدول الأوروبية التي يبرز فيها التجريد لا زال فيها اتجاهات واقعية محترمة جداً  ولها معجبيها...  إضافة إلى ذلك التجريد يتطلب حس عالي وإمكانات عظيمة وثقافة كبيرة… لذلك لا بدّ أن يسبقه بحث ودراسة وتجربة فنية طويلة ومع الأسف أحياناً يحاول البعض تجاوز هذه المراحل، وطبعاً لا ينتج عن ذلك إلا أعمال فاشلة وضعيفة.

* شقيقتك "أمل" نحاتة مهمة في صعيد النحت فإلى أي مدى تفيدين من خبرتها في عملك التصويري؟

** "أمل" عدا عن كونها نحاتة هي تملك ذوقاً فنياً عالياً من حيث رؤية اللوحة وملامسة قيمها الجمالية والتعبيرية والفنية، ورأيها يهمني كثيراً.

 

 

في سطور

ولدت الفنانة "ظلال غزلان" في "درعا" عام /1985/، تخرجت في كلية الفنون الجميلة ـ جامعة "دمشق" قسم التصوير الزيتي عام /2007/، شاركت بعدة معارض مشتركة… و تعمل حالياً كمعيدة في كلية الفنون الجميلة في "دمشق".