" عالية النعيمي"... عشق للفن لا ينتهي
سمر وعر- دمشق
فيها نفحات روحية تقترب من الصوفية، ويتجلى هذا الشيء بإنتاجها حيث استثمارها للخط الذي تزينه بألوانها المنسجمة بإيقاعات موسيقية إلهية تذكرنا بموسيقا "باخ".
عن بداياتها مع الخط تقول : « بدأتُ الاهتمام بفن العجمي بما فيه من الزخارف الهندسية والنباتية والخط العربي من خلال محبتي للبيوت الدمشقية الساحرة الزاخرة بالنقوش والتزيينات النفيسة، وتعمق هذا الاهتمام عن طريق المشاهدة، فكان في حينا حرفي يعمل بهذا الفن وكنت أتوقف دائماً لمراقبته أثناء عمله وتستهويني الألوان و الوحدات الزخرفية، ومراحل العمل المتوالية التي تحتاج للصبر والتأني وحب المهنة، ثم بدأت بالسؤال عن المواد المستخدمة، لكن أصحاب هذه المهنة يحافظون على أسرارها فلم أحصل على معلومات وافية، وعندما أنهيت دراستي في الثانوية الفرع العلمي، دخلت كلية الفنون الجميلة مدفوعة بحب الجمال والفن وتعزيزاً لهوايتي، وكان من بين المواد المقررة في اختصاصي"التصوير الزيتي" مادة التقنية ، وقد تعلمت فيها بالإضافة إلى خواص المواد والألوان المستخدمة في الرسم المواد الداخلة في فنون أخرى تراثية كالفسيفساء والرسم الجداري ، والأبلق"الجص الملون" وفن العجمي، وهكذا بدأت محاولاتي وتجاربي على هذه المواد فطلبت ذات مرة من الحرفي المذكورأن يسكب لي كمية بسيطة من مادة "النباتة" التي تستخدم لرفع الزخارف النافرة، وبعد تلكؤ لبى طلبي بصعوبة ، فأخذت أرسم بها بعض الزخارف وانتبه لملمسها أثناء العمل بعد جفافها، ثم حاولت تركيب"النباتة" بنفسي للوصول إلى المقادير الصحيحة بعد عدة محاولات، المادة الأصلية تقوم على الزنك والاسبيداج و الجص بعد افقاده خاصية التصلب والغراء الحيواني "غراء سمراء "لكن طريقة تحضيرها صعبة تستغرق أياماً، كما أن لها رائحة كريهة وهي سريعة الفساد لذلك استبدلتها بالغراء النباتي الأبيض كما استغنيت عن مادة الكثيرة وهي نوع من الصمغ لكنني في النهاية وصلت للمقادير المناسبة.
وتتابع عن جمالية هذا الفن بالقول : « تكمن جمالية هذا الفن بروحه الشرقية الدمشقية الأصيلة ، و لطالما كنت مسحورة بالبيوت الدمشقية القديمة، أزور بعضها كقصر العظم وبيت نظام و بيوت أخرى ، أنظر لنقوشها بشغف، ولما أصبحت قادرة على العمل في فن العجمي ،أردت أن أحافظ على هذه اللمسة الشرقية الخلابة، لكنني أحببت أيضاً أن أضع بصمتي فيها من خلال التجديد في مجموعة الألوان ، فخرجت عن الألوان التقليدية التي كانت مستخدمة إلى تنوع لوني يميل إلى النضرة والبهجة رغم خطورة ذلك محاولة ألا تتنافر الألوان الزاهية مع الروح الشرقية التراثية ، كما استعملت الألوان الزيتية ذاتها المستخدمة في الرسم بدلا من ألوان الطرش أو الألوان الترابية ، رغم أن كلفتها أعلى لكن نتيجتها جميلة وتساعد على حرية وخيارات أوسع من الدرجات والتدرجات اللونية ، كما تحافظ على رونقها مع مرور الزمن، كما قمت بتأليف وحداتي الزخرفية الخاصة وابتكارها في كل لوحة مع المحافظة على الأصالة وباقتباس بسيط أبني عليه تتمة التصميم».
وعن أهم أعمالها المنجزة تقول: « قمٌت برسم بحرات للأسقف وبعض قطع المفروشات وصناديق وفخاريات ، لكن اللوحات الجدارية هي الأكثر لسهولة العمل عليها نسبياً، فهذا الفن مرتبط بحرفة النجار ومهارته بتنفيذ التصميم المعطى له من قبل الفنان ، وابتكرت شكلاً جديداً لفن العجمي من خلال الزخرفة على خشب الجوز مع المحافظة على لون الخشب الطبيعي و تموجاته ، وكذلك المحافظة على لون "النباتة" وهو اللون العاجي ، فتبدو القطعة المشغولة وكأنها تطعيم بالعاج على الخشب، وهذا الأسلوب يتطلب دقة في العمل و نعومة في الزخارف ، فكلما كانت خطوط الزخرفة رفيعة وصغيرة كانت النتيجة أجمل».
أما عن علاقتها بالخط العربي فتقول: « أحببت الخط العربي بتشكيلاته الفنية الرائعة ، وقدرته الهائلة على توليد تكوينات خطية لا نهائية باستعمال الحروف والخطوط المتنوعة "كوفي ، ديواني، ثلث"، أحياناً أخط بنفسي التشكيلات التي أريدها ، وأحياناً أنقل عبارات عن خطاطين معروفين ، تشدني أولاً العبارة المكتوبة الرسالة الفكرية والروحية التي تحملها، هذا الفن بالمجمل يحتاج لكثير من الصبر لإنجاز مراحله العديدة ، فأولاً تأسيس القطعة المراد رسمها، ثم تصميم الزخارف، ثم رفعها بالنباتة ثم التلوين والتذهيب، إما باستعمال مساحيق الذهب والفضة والبرونز، أوبإستخدام ورق الذهب وهو أكثر صعوبة ، ثم تأتي مرحلة القطع وهي الخطوط السوداء التي تحدد الزخارف فتبرزها أكثر ثم مرحلة الرمي وهي رسم حّر بريشة رقيقة وطويلة لزخارف رشيقة شفافة ، ثم طبقة اللكر للحماية والحفاظ على اللوحة من العوامل الخارجية ، يلاقي هذا الفن الدمشقي العريق رواجاً في بلدان عديدة، فالغربيين تدهشهم الزخارف و دقتها ، وكذلك في دول الخليج فهم مولعون بتزيين قصورهم بهذه التحف الزخرفية النفيسة ، وقد أرسلت بعض لوحاتي للعرض في أحد المعارض التي أقامها المعهد الفني للإناث بالرياض ولاقت اللوحات إعجابا شديداًو بيعت هناك جميعها، أتمنى الحفاظ على هذا الفن من الاندثار وأن يتم تدريسه في المعاهد التابعة لوزارة الثقافة ومعهد الفنون التطبيقية، لأنه يستحق البقاء للأجيال القادمة ، فهو يحمل هويتنا وروحنا و طابعنا الأصيل الجميل».