عصام رافع: كل موسيقي سوري ثروة لاتقدر بثمن
رولا القطب
يرى أن الفرقة الوطنية السيمفونية السورية فخر وانجاز ثقافي لسورية وأن كل موسيقي فيها هو ثروة وطنية لاتُقدر، فكل الأقلام التي كتبت عنه تشهد بقدراته وطاقاته العالية التي استطاع من خلالها الإنتصارعلى كل من راهن على اندثارها..
"عصام رافع" قائد الأوركسترا الوطنية السورية اسمٌ لامع وضع دراسته وخبرته الأوركسترالية لخدمة الموسيقا في وطنه "سورية".
المفكرة الثقافية التقت الفنان"رافع" بتاريخ 28/10/2008 وكان الحوار الموسيقي التالي:
بالإضافة لدراستك على آلة العود، شجعك أستاذ "صلحي الوادي" كثيراً نحو تعلم قيادة الأوركسترا، لماذا وقع الإختيارعليك؟
أذكر أني منذ أن كنت بالمعهد العربي كان هناك الكثير من النقاشات الموسيقية بيني وبين الأستاذ" صلحي الوادي" عن الأعمال الموسيقية الأوركسترالية حيث أنه شجعني نحوها دوماً ، إلا أنني لم أكن أُدرك السبب حتى انتهائي من السنة الثالثة بالمعهد العالي للموسيقا، حيث أعطاني الأستاذ صلحي الوادي عمل أوركسترالي وطلب مني تحضيره لقيادة الأوركسترا، فاستغربت للأمر ومن هنا بدأ يُعلمني مبادىء قيادة الأوركسترا، لاأعلم هل كان الأمر مغامرة منه، أم أن لديه رؤية مستقبلية معينة بإمكاناتي، وفي عام 1994م طلب مني أن أقود كونشرتو الكلارينيت للمؤلف "موتزات" مع عازف الكلارينيت "كنان العظمة" حيث منحني ذلك الفرصة لقيادة الأوركسترا حتى تخرجي من المعهد العالي للموسيقا "اختصاص قيادة أوركسترا وعزف بيانو"، وبعد تخرجي حصلت على منحة من الحكومة الإيطالية لمتابعة الدراسة الموسيقية الاحترافية.
هل لك أن تُطلعنا أكثرعن طبيعة دراستك الأوركسترالية في ايطاليا؟
بالبداية أود أن أنوه أن "قيادة الأوركسترا"هي دراسة معقدة نوعاً ما، لأنها دراسة تخصصية، فالموسيقي الذي يود أن يكون قائد أوركسترا محترف يترتب عليه دراسة مجموعة من المواد الموسيقية لاحتراف القيادة الأوركسترالية، وعند وصولي إلى ايطاليا ببداية الأمر تم معادلة المواد الموسيقية التي درستها في المعهد العالي للموسيقا في دمشق، لأن المعهد في ذلك الوقت كان عمره 5 سنوات فقط، لذا كان هناك الكثير من المواد الموسيقية التي لم تُدرس فيه مثل "فلسفة الموسيقا، تاريخ الموسيقا المعمق، تاريخ الفن مقارنةً مع ايطاليا،.... وغيرها" فكانت السنة الدراسية الأولى بالنسبة لي هامة وبمثابة "ترميم للمعلومات الموسيقية" أي اعادة بناء النواقص الموجودة في دراستي الموسيقية، إلا أن هناك أمر أسعدني كثيراً في تلك الفترة فبعض المواد التي امتحنت بها في ايطاليا تبين للخبراء الإيطاليين بالمعهد الايطالي إلى أنني أملك مستوى أعلى من المستوى الذي سآخذه في هذا المعهد، إلا أن هناك نقص ببعض المواد فشعرت خلال هذه الفترة أنني في صراع وتحدي كبير فيما يتعلق بنقاط القوة والضعف الموسيقي الذي كان لدي، وبعد انتهاء العام الدراسي الأول بدأت بدراسة قيادة الأوركسترا بشكلٍ معمق ومكثف، فدرست في معهدين موسيقيين هما "معهد فلورنسه ومعهد سواروسكيبميلانو" لأنه بشكلٍ عام قائدي الأوركسترا الإيطاليه مختصين بالأعمال الأوبراليه أكثر من الموسيقا السيمفونية الذي هو اختصاص ألماني مختلف قليلاً من حيث الرؤية الموسيقية لأن معظم مؤلفيه ألمان وليس ايطاليين، لذا وجدت أن هناك بعض الضعف في هذا الموضوع في ايطاليا، ما دفعني إلى ضرورة البحث والإطلاع أكثر في هذا المجال الموسيقي، وبعد البحث الطويل علمت أن أستاذ قيادة الأوركسترا في كونسرفتوار فيينا التي تُعتبرأهم مكان في العالم لتعليم قيادة الأوركسترا، وهو يُدرس في معهد ميلانو، لذلك أصبحت أسافر أسبوعياً إلى "ميلانو" من أجل أخد الدروس المكملة في هذا المعهد مع دروس معهد فلورنس .
من خلال خبرتك العميقة في مجال القيادة الأوركسترالية ماالفرق بين قائد الأوركسترا المحترف والهاوي؟
قيادة الأوركسترا الاحترافية تحتاج إلى الدراسة الأكاديمية والممارسة المهنية معاً بحيث لايمكن الفصل بينهما، فقائد الأوركسترا الذي يملك الكثير من المعلومات النظرية في هذا المجال دون ممارسة مهنية، حتماً هو قائد أوركستراغير ناجح، وقيادة الأوركسترا لمجرد الهواية والتجربة دون الاستناد إلى قواعد ومعلومات نظرية أكاديمية ماسيعيق حل المشاكل التي ستعترض قائد الأوركسترا أثناء التدريبات، فما يميز القائد الأوركسترالي المحترف عن الهاوي امتلاكه للمعلومات الأكاديمية في هذا المجال مع الممارسة المهنية معاً.
لاحظنا في سورية بالفترة الأخيرة على الصعيد الموسيقي تشكل العديد من الفرق الموسيقية الأوركسترالية، برأيك هل هذا الأمر طبيعي؟
أتمنى في المستقبل أن يكون لكل مدينة سورية أوركسترا خاصة بها كما في الغرب لأن زيادة عدد الفرق الموسيقية أمر طبيعي وسياسة جيدة، لكنها تحتاج لعدد كبير من العازفين الجيدين، إلا أن عدد طلاب المعهد العالي للموسيقا في دمشق الذين تخرجوا على مدار خمسة عشرعاماً، ويعزفون آلة أوركستراليه هم قلائل جداً، عددهم لايكفي لتشكيل أكثر من فرقة أوركسترالية واحدة، فعندما نقول إننا نريد العديد من الفرق الموسيقية هذا يعني أننا نريد زيادة الكم على حساب الجودة والنوعية، وبوجود هذه الفرق نحن بالتأكيد بحاجة لقادة أوركسترا يمتلكون الخبرة والمؤهلات الفنية لقيادتها، فخلال عام من المستحيل تشكيل فرقة أوركسترالية بعازفين وقواد أوركسترا محترفين، لأن الفرقة السيمفونية الوطنية السورية حتى تشكلت بهذه الصورة الحالية احتاجت 30 سنة من البناء والمتابعة، فاذا كان الهدف هو زيادة المستوى المادي للعازف، فأنا أرى أن تشكيل فرقة واحدة برواتب جيدة وبمستوى احترافي من العازفين، أفضل بكثير من تعدد الفرق لأنها تُشتت مقدرة العازف وتؤدي إلى ارهاقه وانخفاض النوعية والانتاجية الموسيقية المقدمة من قبله.
عندما يُريد قائد الأوركسترا تقديم عمل أوركسترالي، ماهي المهام التي تترتب عليه لتقدم العمل الموسيقي بالصورة النهائية؟
العمل الموسيقي مثل"النص الأدبي والشعر" يلقيه كل شاعر بطريقته الخاصة، كذلك الأمر بالأعمال الأوركسترالية فقائد الأوركسترا لايغير بالموسيقا المكتوبة ولكن مهمته أخد العمل الموسيقي ومعرفة من المؤلف، كيف كانت شخصيته؟ وماهي مناسبة العمل؟ هل للعمل دراسات وأبحاث. كل ذلك حتى يدخل قائد الأوركسترا بالحالة النفسية للمؤلف كي يستطيع تحليل الأفكار الموجودة ببنية العمل ومن ثم تقديمه بشكلٍ مُعمق للجمهور، كما عليه فهم العلاقات بين الآلات الموسيقية :من لديه اللحن الأساسي، من لديه المرافقة، ماهي علاقة اللحن بالمرافقة، كم خط صوتي موجود، ماهي الكتل الكبيرة والصغيرة بالعمل، فبعد تحليله للعمل ككل وأثناء تركيبه للعمل الموسيقي تتشكل لديه فكرة كيفية تقديمه للعمل الأوركسترالي مع أعضاء الفرقة المؤلفة من 80 عازفا هم أيضاً موسيقيين لديهم وجهات نظر معينة، وقد يكون العمل الموسيقي الذي يريد تقديمه قائد الأوركسترا قد قام بعزفه احد العازفين مع قواد أوركسترا آخرين وبطريقة مختلفة تماماً، لذا يترتب على قائد الأوركسترا اقناعهم بطريقته حتى تظهر النتيجة كما يريدها لأن كل قائد أوركسترا له اسلوبه وطريقة المختلفة بفهم العمل الموسيقي. وأريد التنويه لأمر هام في بعض الأحيان قائد الأوركسترا يقود عمل قد قاده منذ عدة سنوات، إلا أنه في هذه المرة سيقوده بطريقة مختلفة لأن تجربته بالحياة قد اختلفت.
ماهي أهم المحطات التي شاركت فيها الفرقة الوطنية السيمفونية السورية الشرقية عبر مسيرتها الموسيقية ؟
تشكيل الفرقة الوطنية السيمفونية السورية فخر وانجاز ثقافي هام لـ"سورية" لأننا استطعنا خلال زمن قياسي تشكيل الفرقة ،فكُنا ثاني فرقة وطنية تشكلت بالوطن العربي بعد مصر ومن ثم تبعتنا لبنان، عُمان، المغرب، والفرقة السيمفونية الوطنية السورية خلال حياتها قامت بالعديد من المحطات الموسيقية الهامة، منها السفر لأميركا وهناك كُرم الأستاذ"صلحي الوادي" بشهادة من جامعة كاليفورنيا، وشاركت الفرقة با افتتاح دار الاوبرا الحلم الذي كبرنا عليه، كما عزفت في أبوظبي مع "بلاسيدو دومينغو" فكان ذلك قفزة هائلة للفرقة السمفونية السورية على الصعيد الإعلامي الموسيقي العالمي، وقُمنا بجولة هامة في ايطاليا بالتعاون مع "المعهد العالي للموسيقى- دار الأسد للثقافة والفنون- مؤسسة شام للصداقة السورية الإيطاليه" فأحيينا ستة حفلات موسيقية فيها، فكانت معظم التساؤلات التي واجهتنا في ايطاليا :هل يُعقل أنه بسورية يوجد فرقة سيمفونية وطنية على هذا المستوى الاحترافي؟، وتهتم بالأعمال الكلاسيكية؟،ولديها مؤلفين موسيقيين؟؟؟ وكانت حفلة واحدة من هذا النوع تعطي الإجابات للكثير من التساؤولات ولكل ماهو اعلام معادي لسورية، كما شارك أعضاء من الأوركسترا السورية بحفل موسيقي أٌقيم ببصرى مع قائد الأوركسترا الإيطالي"ريكادو موتي"، وأحيينا باحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 عدة حفلات موسيقية في عيد الجلاء، وحفل للأطفال بعنوان "بيتر والذئب"، بالإضافة للعديد من النشاطات الموسيقية ضمن عاصمة الثقافة 2008م.
حالياً هل هناك صعوبات تواجهها الأوركسترا الوطنية السورية؟
الصعوبات هي أنه بعد كل هذه الإنجازات التي قامت بها الأوركسترا السورية، لم يتم الإقتناع أن الموسيقي بالفرقة الوطنية السورية هو ثروة وطنية فسورية لاتملك الفائض من الموسيقيين، فأي عازف يترك الفرقة ويسافر للعمل الموسيقي خارج سورية، فالفرقة ليست وحدها من سيخسر وانما سورية ستخسر أيضاً..
إذن كيف نستطيع المحافظة على الموسيقيين السوريين داخل سورية؟
بالبداية علينا رد اعتبارالموسيقيين واحترامهم معنوياً، وأن نوفر لهم ظروف مادية تسمح لهم بالعيش الكريم بعيداً عن أي ضغوط نفسية، كي لايؤدي ذلك إلى الرحيل والسفر خارج سورية.