"علي سليمان" .. هندسة الكتل النحتية
نورس علي - طرطوس
على خلاف ما قدمه زملاءه من منحوتات قرر النحات "علي سليمان" تجسيد الجسد الرجولي السوري المعروف بسمرته وصلابته، فأظهر بنيته الممشوقة على خشب الكينا متداخلاً مع المعدن الذي طالما عشقه في التشكيلات النحتية.
وهذا الغنى في الذائقة البصرية نابع من تجارب كثيرة وغنية ضمن ملتقيات النحت المتعددة التي شارك ببعضها ونظم بعضها الآخر، ومنها ملتقيات مهرجان "الملاجة" المتعددة، حيث تم تكريس عمل جميل في قرية ريفية جميلةً، ويتواجد فيها حالياً حوالي خمسة وثلاثين كتلة نحتية موزعة بين مختلف أرجائها، قدمها فنانين من مختلف المحافظات، وله منها حوالي السبعة.
والمعدن بنظر النحات "علي سليمان" مطاوع بين يديه وقابل للتشكيل كما بقية الكتلة النحتية، لذلك يحاول جاهداً إدخاله في أغلب أعماله النحتية الحجرية منها والخشبية، باحثاً عن السلام والمحبة في أصلب الأشياء متمناً أن يعم بلاده، ومنها "طرطوس" التي خرجت فنياً من جميع القيود الفكرية والوجدانية، بعد اغتنت بعض الشيء بالمجسمات النحتية في شوارعها ومفارقها العامة وحدائقها الطبيعية مقصد كل فرد فيها.
"طرطوس" برأيه تحررت من مختلف القيود وقبلت كما قبل سكانها واعتادوا على الجمال البصري للتشكيل النحتي في كل مكان من أمكنتها، وهذا مستمر طالما استمرت الملتقيات النحتية والفنية على مختلف اختصاصاتها، وهذا من دوره أن يحمل السلام الفكري للنفوس الطيبة، فيشذبها ويأنقها ويجعلها منتجة وفاعلة في أماكن تواجد أجسادها.
توالي إقامة الملتقيات النحتية له الأثر الكبير على الحياة البشرية، من حيث الاعتياد على تنمية الذائقة البصرية والحسية التي تنعكس على الفعل ورد الفعل البشري، وهنا التجربة خير دليل على هذا الأمر بحسب رأيه وحديثه لموقع المفكرة الثقافية eCalخلال ملتقى النحت على الخشب الذي أقيم في "طرطوس" بتاريخ 8 أيلول 2014.
حيث أكد على أهمية المشاركة بالملتقيات النحتية من حيث أنها تجربة غنية يجب أن تتكرر باستمرار، لأنها تغني فكرياً وبصرياً ومعرفياً، وحتى أن لها انعكاس جيد على جمالية المحافظة بشكل عام لأنها الوحيدة التي تتقبل فكرة وجود المجسمات النحتية في الساحات العامة والحدائق من منطلق أن الفن في خدمة المواطن ورفع الذائقة البصرية عند المتلقي، وهذا مهم لانتشار النحت على مستوى "سورية"، ويكون العمل به أمام الجميع في الطرق والساحات لأن هذه الكتلة ووجودها في الطرق سيهذب الثقافة البصرية عند الكبير والصغير، فرغم الألم والوجع والتضحيات التي تقدمها البلاد في هذه المرحلة نجد أنه يوجد متسع للجمال والحب.
كما أشار إلى أهمية استمرار حصص التربية الفنية من المناهج المدرسية بجدية أكبر وبتخصص أفضل، لأن من ايجابياتها تنشئة الجيل تنشئة صحيحة وسليمة، خاصة وأن هؤلاء الطلاب هم عماد المستقبل.
وفيما يخص مشروعه النحتي المقدم ضمن الملتقى يؤكد أنه ابتعد خلاله قليلاً عن التراث ودخل في الحداثة عبر النحت الوجداني:«فهذا الجسد القوي الكبير متحد مع الحديد بتشكل فيه غنى جمالي، والفكرة هنا أني ابتعدت قليلاً عن الأفكار لأني لو رغبت بتجسيد ما أفكر فيه في هذه المرحلة فلا يمكنني إلا أن أجسد صرخة بوجه كل شيء العدوان والتكفير والجهل، وإنما نحن نقدم الجمال الباقي فسورية لا تنتحب، لكنها ستنهض من تحت الركام، فهذا تاريخها .
وعملي في البداية هو حالة تميز عما قدمه زملائي في الملتقى، حيث قدموا تشكيل لجسد المرأة وأنا عملي هو عبارة عن جسد رجولي قوي على خشب الكينا مستند في جزء منه على المعدن، وهذا التداخل فيما بينه وبين الخشب، يعطي تباينا جماليا وحوارا بين مادتين متضادتين فيزيولوجياً، مما يغني الذائقة البصرية للمتلقي، وهو هدفي مما أقدمه تشكيلاً، علماً أن النحت ليس مهنتي الأساسية وإنما ما أنجزه كمهندس ميكانيك يحاول تقديم أعماله الهندسية والإنشائية على أسس فنية جمالية».
إن الحياة عند النحات "علي" تثقيف متواصل يعيشه في أغلب اللحظات، وهو ما يسميه البعض أوقات الفراغ، ويطلق عليه هو لحظات العيش مع الذات، فكيف يمكن لنا تحقيق ذواتنا دون هذه اللحظات والاتصال بما هو خفي بالأشياء، والبحث عن جواب لكل الأسئلة التي لا شك تجتاح كيان أي شخص.