"غزوان علاف": اخترت الوجوه لأنها الأكثر إلهاماً

هيسم شملوني

استطاعالفنان والنحات "غزوان علاف" خلال فترة قصيرة من عمله الفني أن يرسم لنفسه خطاً خاصاً به يمميزه، فقد عمل على موضوع محدد، وما زال يعمل عليه، معتمداً في تنفيذ أعماله على البرونز، لكنه في الآونة الأخيرة بدأ يخط خطاً جديداً من خلال العمل على الخشب وخامات أخرى مثل (البلكسي). وهو من الفنانين القلائل الذين تخرجوا من معهد الفنون التطبيقية في قلعة "دمشق"، والذين استطاعوا أن يكونوا موجودين في الساحة التشكيلية السورية والعربية بقوة، فهو فنان مجتهد ولديه مخيلة فنية خصبة، لذا نجده يعمل بصمت ودأب شديدين.

 المفكرة الثقافية كان لها وقفة مع الفنان "غزوان علاف" وعن تجربته دار الحوار الذي كانت بدايته:

* "غزوان علاف".. هل يمكن الحديث عن الخلفية الثقافية التي نشأت فيها، وكيف تشكل لديك بداية الوعي الفني، وبالتالي كيف بدأت؟

** لا توجد بداية محددة، والدي ووالدتي لهم علاقة بالفن بطريقة ما، فوالدي موسيقي يؤدي باحتراف، لكنه يعتبر نفسه هاو، حيث أنه يعمل في مجال آخر مختلف، والدتي تصمم الأزياء وتنفذها، وهي من بنات جيلها الذين درسوا، ووصلت إلى المرحلة المتوسطة، في الوقت الذي كان فيه الرجال لا يصلون فيه للمرحلة الابتدائية، وتتكلم اللغة الفرنسية بشكل جيد، ولديها اطلاع وثقافة واسعتين، وأخي مدرّس، فمنذ طفولتي كان هناك مناخ فني سائد في المنزل. وبالنسبة لي، في صغري  كانت بداياتي مختلفة عما أنا عليه الآن ، فتوجهني كان علمياً، لذا درست الإلكترون حوالي سنتين، وهذا الأمر سار في توازن مع عملي ورسمي ومشاركتي في المدارس، وسبق أن حصلت على جائزة على مستوى مدينة "دمشق" عندما كنت في الصف الخامس الابتدائي، لكن مع تقدم السنوات وعند وقت الاختيار الحقيقي، عرفت أن توجهي الحقيقي هو الفن، لم تكن نقلة بمعنى النقلة، بل عبارة عن أني اختصصت بشكل أكبر وحددت خياري، رغم ذلك لم أوقف دراستي العلمية، استمريت في الأمرين بالتوازي مع بعضهم، ولكن عرفت أن الفن هو الذي يجب أن أختص به وأحترفه.

 

* لماذا اخترت الوجوه تحديداً موضوعاً لمعظم أعمالك؟

** اخترت الوجوه لأنها الأكثر إلهاماً، ولأنني شعرت أنه يجب أن أبدأ من نقطة محددة حتى أبني طريقي وأرسم خطاً يعرفني الناس به ، الوجه ليس شيئاً بسيطاً أو سهلاً أو بإمكان الشخص الإحاطة به، هو عالم بحد ذاته، على مستوى التفاصيل والتشريح والشكل والكتلة والفراغ والتعبير، فهو عالم بحد ذاته، منذ 17 عاماً أعمل على الوجه، ووهناك زخم لدي للعمل عليه، يمكن أن يستمر لعشر سنوات أخرى، لم أحدد بعد ماذا سأعمل بعدها، ولكن هذا الطريق هو الذي يقودني للعمل، كلما أصل إلى مرحلة أكتشف أن هناك الكثير لم أخضه بعد، فمثلاً عملي خلال الأشهر السابقة فيه شيء مختلف على صعيد التكوين عن أعمالي السابقة، فهناك دائماً ما هو مختلف.

 

* يلاحظ أنه في السنوات السابقة بدأ يتغير شكل الوجه إلى حد ما عما بدأت، فأخذ ينحو في جوانب منه نحو صياغات تنتمي أكثر إلى ما يشبه النحت الآشوري، أو النحت الذي يشكل امتداد  للنحت القديم.

** عملي منذ البداية وحتى هذه اللحظة، فيه شيء يخرج مني ليس بإرادتي، و(أشار إلى عمل في بيته) هنا يوجد عمل فيه شيء من الآشوري، رغم أن فكرته ليست لها علاقة بتلك الفترة، أو كقصة، لا أعرف لماذا يخرج العمل بهذا الشكل، أنا لا أضع تصوراً مسبقاً على الملامح التي أعمل عليها، أحياناً ترى في عملي روح لها علاقة بالفرعوني، أو الفن الذي ينتمي للشرق الأقصى والهند، هذا الكلام مقصود وغير مقصود في ذات الوقت، أحياناً في العمل ترى أكثر من ملمح لأكثر من منطقة جغرافية في العالم، هنا أتكلم عن الإنسان بشكله المطلق، وليس بشكله المحدّد كبيئتي أنا في سورية، أو في المنطقة العربية. تكون الفكرة لها علاقة بالإنسان وعالميته وشموليته، لدي طبعاً هاجس الهوية، ولكن بعض الأعمال ترى فيها شيء من منطقة الجزيرة العربية، وبعض الأعمال تشبه إلى حد ما الوجه الأفريقي أو الفرعوني، أو الهندي،.الخ، هذا الكلام ليس مقصوداً ومقصودٌ بذات الوقت كما سبق وقلت، أنا لا أحدد مسبقاً أني أريد أن أعمل ما يشبه الآشوري، فأنا أعمل حسب التصور أو الفكرة والهاجس والإحساس الذي يسبق العمل، المراد تنفيذه، أقوم بعمل (سكتشات- دراسات) للعمل قبل تنفيذه، نادراً ما أعمل بشكل ارتجالي، لذا تجدني أحضّر دراسة، لأن النحت فيه شيءٌ هندسي دقيق، وكي يكون العمل متوازناً وكتلته صحيحة، وعلاقته بالفراغ صحيحة أيضاً، فأنا لا أستطيع العمل بشكل مباشر، ولاحظ أن كل النحاتين بشكلٍ عام كانوا رسامين أكثر أو بنفس الدرجة من النحت، لا يوجد توجه مباشر عندي لأن أعمل شيئاً آشورياً أو فرعونياً أو سورياً أو تدمرياً،.الخ، تحدث خلطة في العمل ناتجة عن حالتي النفسية والفنية، والعمل بحد ذاته يقودني إليه،  حسب الفكرة التي أتكلم عنها.

 

* هل يمكن أن تفرض الخامة شروطها عليك كفنان خبر الخامات؟

** النحّات الجيد المتمكن من يديه ومن المادة، هو من يطوّع المادة لصالحه، هو من يستغل خصائصها الإيجابية، ويتجنب خصائصها السلبية بما يعمله، الأعمال التي تنفّذ بالبرونز مفيدة لبعض الأعمال، وأحياناً لا تصلح لأعمال أخرى، هي مادة مديدة العمر، وكذلك الرخام والحجر أيضاً مادة مديدة للنحت، وهو يصلح لمجموعة من الأعمال دون غيرها، وهذا يعتمد على صعيد التكوين والكتلة والفراغ،  وعلى صعيد الموضوع، وكذلك الخشب أيضاً كمادة، لكن يضاف إليها أنه مادة حية، حتى لو كانت من مقطوعة شجرة، هو مادة حية للنهاية، فالخشب أيضاً له شروط فيزيائية وخصائص ميكانيكة تصلح لنوع من الأعمال ولا تصلح لأنواع أخرى، والفنان الجيد ينفذ عمله بالمادة التي تخدم فكرته أكثر من غيرها، بعض النحاتين يعملون على الخشب مثلاً، فهو يستقرئ الفكرة من الخشبة نفسه، وهذا ما عملت على الإبتعاد عنه تماماً بمادة الخشب، فأنا أعمل بمادة الخشب عكس كل النحاتين الذين يعملون عليه، النحاتون عادة يمكن أن يأتوا بقطعة خشب كبيرة ينحتوها حتى يظهروا منها الشكل الصغير الذي كان في بالهم، أو يستقرؤوا منحوتتهم من شكل الخشبة، لكني آتي بالخشب وأجمعه بطريقة التركيب حتى يصبح كتلة تناسب مع الفكرة التي أريد عملها، ومن ثم أقوم بنحتها، وهذا يستدعي جهداً مضاعفاً مني، لأني أقوم بالبناء والهدم في ذات الوقت، وهذا الكلام يبعدني عن مطب أن أقع في أن الكتلة أو الخشبة يمكن أن تسيطر علي وعلى المنتج الفني، أما بالنسبة لإضافة البرونز وتعشيق الخشب فيه وبالزجاج والبلاستيك أو مواد أخرى مثل الخزف، فهذا أعتمدها وأقرها حسب الضرورات التشكيلية التي تخدم الفكرة أو الجمالية للعمل الفني.

 

* أخيراً.. "غزوان علاف"، برأيك  ما أهمية الثقافة بالنسبة للفنان، وإلى أي مدى تؤثر على العمل الفني؟

** برأيي لا يصبح الفنان فناناً دون ثقافة، الفنان بدون ثقافة يتحول إلى عمال يدوي دون إبداع، يكون هناك تكرار وسذاجة في الطرح، يصبح الاستسهال والاستبساط، وبنفس الوقت يكون هناك قطع بينه وبين المشاهد، فيصبح التواصل مع المشاهد صغير جداً ومختص بفئة محددة، ويقل شيئاً فشيئاً، وهذا مقتل الفنان بحد ذاته، الانغلاق وعدم القراءة والحضور وتواجد الحواس، يجب أن يكون لدى الفنان اطلاع مستمر على الحياة بشكل عام لأنها مخزونه لإنتاج أعمال فنية.