"قزق": نحن نملك التاريخ

الأربعاء 06 تموز 2011

غزيرٌ في إنتاجه المسرحي، جريئ في طرحه الفكري، لاذع في نقده، يستفزه كل شيء كمحفز للإبداع، وهب حياته للمسرح، قدم حوالي /53/ عرضاً ومستعد لتقديم المزيد، قلق على بلده، و داعٍ للحوار حتى على مستوى تلاميذ المدرسة.

المسرحي "فايز قزق" يقدم في حوار مع موقع "eDamascus" فصولاً تلو الفصول عن تراجيديا "أزمة المسرح"، بكل أبعادها فنراها كما هي دون رتوش، ومن غير تجميل أو تحريف.

* كيف تقرأ واقع المسرح السوري؟

** هناك ما يمكن تسميته نزيز مسرحي، أكثر من شيء له علاقة بتقاليد وعادات الجمهور السوري، لأن الموجود حالياً مشروع تخرج هنا أو مسرحية هناك، فيمكن أن تسافر إحدى المسرحيات، وتستطيع أن "تشم" نوعية هذه البعثة من أفرادها وعدد الإداريين والمبدعين فيها، إلى الطريقة التي تعامل فيها مالياً وتنظييمياً، فلا يوجد مسرح، لأنه مات، بسبب جفاء المؤسسات المسرحية، وتحولها إلى كل شيء عدا كلمة مؤسسات، واليوم لا يمكن القول لمدير مسرح قومي في محافظة ما، لدي موضوع كذا وتجد قبولاً منه للفكرة وقيادتها وتطبيقها، نتيجة وجود استحكامات لعدد من الناس، بالتالي تجري الأمور اعتباطياً وليست مؤسساتياً، بل أكثر من ذلك لا توجد إشارة لإعادة الهيبة للمسرح وإعادة الجمهور إلى صالات العرض التي يتراوح عددها بين /418/- /422/.

 

 

* ترى المشكلة في المؤسسات المسرحية وليست في النصوص والممثلين؟

** كان هذا سابقاً، عندما أرجع البعض السبب إلى الممثلين الذين "هربوا" إلى "التلفاز" أو لعدم وجود نصوص، فالمسألة الحقيقية عدم الرغبة في جعل المسرح وسيلة للتواصل بين الناس بشكل حر بعيد عن التوجيه ممن فشلوا في أن يكونوا خلاقين في المسرح كحالة اجتماعية وثقافية ووجدانية في الساحة الثقافية، وهذا يدل على انهيار البنى الأساسية للمسرح، وهناك عشرات النصوص التي كتبت، ولم تصل المنصة إلا "بالويل"، وكثير منها قوبل بازدراء، خاصة أن بعض الإداريين يحددون نوع الفكرة ومكان العمل عليها، ومع ذلك تحاصر الفكرة في المسرح نفسه، عندما يخصص للعرض /15/ يوماً، ويمنع من تقديمه بالمحافظات.

* ما سبب إفشال ذلك؟

** الخوف من المسرح، ومن اجتماع الناس فيه، إذ يشكل ذلك الهاجس الموجود في مديرية المسارح سابقاً، ويبدو أن هذه الجينة لازالت مستمرة حتى الآن، وهذا نتيجة الخوف من الاجتماع والحوار بين المؤلف وشخصياته والمخرج وحتى الجمهور، وعدم وجود المسرح يعني قطع للحوار، أما من قام بذلك فعليك أن تسأله، لماذا أوقف مشروع المسرح في المدن السورية؟ فهناك مراكز ثقافية ويوجد مسارح، لكن هل هناك توطين لفرق مسرحية؟ وبعض المسارح لم تستخدم لصالح المسرح، ولماذا انتهت مسارح العمال الذي ظل لبداية التسعينات؟ وكانت له فرق ومهرجانات، وفيه أسماءه، واليوم غير موجودة، وهذا كاحتفالية وتظاهرة وتنظيم العمل، وله علاقة بالمعلومة التي تستدرج عبر عقود من العمل، وهذا كان مغيباً بالمطلق، فالمدير يدخل ليؤسس ضمن المنطق الموجود وهذا لايؤدي لعرض خلاق.

* ما رأيك بما تقدمه المهرجانات المسرحية من عروض؟

** يمكن لثلاثة أشخاص أن يؤسسوا ثلاث فرق مسرحية، ويشكلوا مهرجاناً، المهرجان يعني الحصاد، ويشبه مهرجان القرية الذي كان يجمع فيه المحصول الوفير، فكيف تنشئ مهرجاناً؟ وتحصد الخيبة منه، وينبغي تقديم عشرات العروض المسرحية في البلد والمحافظات، وإعادة ربط المسرح في النشاط الاجتماعي الاقتصادي ويمكن بعدها الإعداد للمهرجان، الذي يرتبط بعدد كبير من المسرحيات حيث ينتقى منها اثنين أو ثلاث على أحسن تقدير، لتمثل نتاجنا بما يعكس التطور المسرحي في المحافظة أو البلد، لكن يجر استبعاد الشاب المتخرج حديثاً، وعليه نحصد مهرجانات الخيبة.

 

من مسلسل "باب الحارة"

 

* كيف يمكن للمسرح أن يساهم بالحوار في سورية؟

** لو كان المسرح بخير، لساهم في تقديم المجاميع الراقية من الجمهور القادرة على الحوار ضمن سياقات معينة ومهمة على مستوى إيصال الأفكار واستقبالها وصناعتها، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق بسبب وفاة المسرح، والمسرح جزء يسير في الحالة الثقافية التي نعيشها، والثقافة عموماً تعبير عما يجري على الأرض سواء في حالة التطور أم الانكفاء، بالتالي يعكس تطور أدوات التعبير، ولا يمكن أن ينمو فكر وفن في مكان ما ضمن منطق زراعي أو صناعي بل بالتعبير عن الحاجات بطريقة حادة، بالتالي ينبغي النهوض به كي يساهم بالحوار، ليكون فاعلاً الآن على مستوى الحوار الوطني، ولأن المسرح مارس أيضاً مسألة الحوار مع الناس، فهناك عروض جرى حوار فيها بين الممثلين والجمهور، ولو نمت هذه الظاهرة لأغنت الحوار، ولو كان هناك مؤسسة لمسرح المدرسة والطفل والمرأة لكنا اليوم بأجواء مهمة تمكن المسرح من المشاركة في الحوار بشكل فاعل وتنويري، ويلطف من حدة ما يجري، ومع ذلك فإن الفرصة متاحة للشعوب والمبدعين بإعادة تأسيس المسرح ببنية مختلفة تماماً عما هو موجود، ومن الطبيعي أن تكون كل المؤسسات وليست الثقافية فقط معنية بالحوار، فكل المواطنين ينبغي أن يشاركوا في هذا الحوار، كنت أتمنى أن أسمع لمرة واحدة في مجلس الشعب نقاشاً حاداً حول وجود انهيار ثقافي، ولم أسمع مرة واحدة عن نقاش حاد حول انهيار كتاب في معارضنا وكنت أتمنى أن أجد اثنين من أعضاء مجلس الشعب يحضرون عرضاً بمسرح "الحمراء" بعد تناولهم العشاء في نادي "الضباط" القريب من المسرح، لمتابعة العرض بشكل حقيقي وليس استعراضياً، ليأتوا ويحضروا عرضاً مسرحياً أو سينمائياً، ويتساءلوا عن سبب إغلاق بعض الصالات السينمائية والمطالبة بحل المشكلة، فمسألة استعصاء بناء سينما في سورية منذ عشرين عاماً وحتى الآن أمر غريب، ولماذا لا يناقش "البرلمان" القراءة وأزمتها التي تعود إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين؟ المسألة ترتبط بنواب مجلس الشعب، فهناك مشكلة ثابتة ولم تحل، تتعلق بالمسرح والسينما والكتاب، كما أن الترجمة غير موجودة بشكل جيد، ولا توجد ندوات تناقش تطوير سورية، ومهم جداً إعادة المقاهي الشعبية الثقافية التي كان يجري فيها حوار خلاق حول قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية، وكلها حوارات حرة تناقش قضايا المستقبل، ولا توجد مؤسسة معينة معفية من الحوار، فالتلميذ في الصف الأول ينبغي أن يحاور بوصفه إنساناً ويملك خيالاً خلاقاً، ويجب احترام الإنسان الذي أصبح يرسخ تحت قضايا محرفة.

 

من مسرحية "ريشارد الثالث" - مأساة عربية

 

* ما الذي يستفز "فايز قزق"؟

**أي شيء يستفزني خبر أو كاريكاتير في جريدة يمكن إنتاجهم كمسرحية خلاقة، لكنك لا تستطيع فعل ذلك، لأن القاعدة في المسرح القومي تقول: "إن عليك أن تقدم نصاً للمراقبة"، والمراقبة لم تعد موجودة في العالم، إلا ممن اقتربوا من مقام الفيلسوف، نتيجة علمهم خطورة الفكرة الجديدة بتقدمها لأماكن جديدة، يتجسد فيها إبداعاً حقيقياً للناس، وعندما نقدم نصوصاً محلية تُرفض، فما بالك إذا قدمت فكرة، فكل شيء في الحياة يستفز المبدعين ليقدموا شيئاً ما، والعالم يكتب /24/ ساعة ويمثل /24/ ساعة، وكأمة للأسف نحن العرب بتنا نقتات على السينما الآميركية فهم يرمون الأفلام التلفزيونية لنا بشكل أخطر من القنوات التلفزيونية الإخبارية بثقافتها وهي تصلح لأميركا.

* ما الذي يقلق الفنان "فايز قزق"؟

** يقلقني اليوم بلدي، لكن ذلك لا يدفعني للتشاؤم على الإطلاق، وأنا مدرك أننا كسوريين نملك التاريخ والأديان والذهن الوقاد، والقدرة للدفاع عن بلدنا، ونملك بصورة خاصة الشباب المثقف القادر على استخدام تكنولوجيا العصر بشكل علمي ووجداني لخدمة بلدهم، ويستطيع الشباب التواصل ليكون مؤسساً جديداً للدولة، وأرى أن الأيام القادمة ستكون جيدة مهما طالت الأزمة واشتدت، والمهم أن نخرج منها بأقل الخسائر وبقوة أكبر؟

* لماذا أنت مقل في الأعمال التلفزيونية؟

** في عام /1980/ تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية، وتساءلت أين سأمضي؟ واكتشفت أن مشروعي المسرح واقتنعت بذلك، ويبدو أنه الآن إيمان جماعي بأحقية المسرح، فأول ما يفكر فيه الطلبة المتخرجين حديثاً العرض المسرحي الذي سيقدمونه وليس التلفزيون الذي يؤمن مردوداً مادياً جيداً، وهو سهل جداً وبمتناول اليد وعبر /25/ عاماً، ولا أدعي أني حوربت، لكن عندما تقدم /53/ عملاً مسرحياً منذ /1981/ حتى الآن هو نتاج هام، ويحقق مشروعي الذاتي، وقدمت له دون منة كل شيء، ومنذ عام /2002/ دخلت عالم التلفزيون لأجمع شيئاً من المال والشهرة.

المسرحي "وائل قدور" رأى: «أن ما يميز الفنان "فايز قزق" قدرته على المثابرة والإنتاج والانتماء للمسرح، حيث يلقي على عاتقه مسؤولية الإخلاص للمسرح، بوصفه ممثلاً محترفاً ومدرساً أشرف على إعداد وتخريج عدد كبير من الممثلين في سورية».

 

المسرحي وائل قدور

 

ثم أضاف: «يمتلك "قزق" ثقافة عالية يخضعها لخدمة فعاليته على الخشبة، وتقديم وجهة نظر متماسكة وواضحة، آخذاً بعين الاعتبار طبيعة أدواته وخصوصية عمله، بالتالي يتحول "فايز" إلى ند حقيقي للمخرج، بامتلاكه القدرة على النقاش والجدل الفاعلين، وتقديم اقتراحات متنوعة لما يراه مناسباً لخلق عالم شخصيته».