كاريكاتير من تاريخ الصحافة السورية عبد الوهاب أبو السعود 1897-1951
إعداد الدكتور مهيار الملوحي
لعب الكاريكاتير السياسي والاجتماعي دوراً هاماً في الصحافة السورية، فقد ظهر الرسم الكاريكاتيري بمفهومه الحالي في الصحافة السورية منذ عام 1921، وذلك عندما عادت للصدور جريدة (جراب الكردي) في دمشق عام 1921، بعد أن توقفت عام 1915 عن الصدور، بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، وكانت تصدر في ذلك الوقت في مدينة حمص.
كانت جريدة (جراب الكردي) جريدة يومية سياسية أخلاقية فكاهية مصورة، تصدر مرتين في الأسبوع مؤقتا، وكان صاحبها ومؤسسها محمد توفيق جانا (1878-1941)، جاءت الجريدة في أربع صفحات، وحرصت على نشر رسم (كاريكاتيري) في الصفحة الأولى وتحت العنوان مباشرة، وعلى عرض صفحة الجريدة، ويلي الرسم المقالة الأولى وهي الافتتاحية التي تكون حول موضوع الرسم (الكاريكاتيري) السياسي حينا والاجتماعي حينا آخر، ينتقد تصرفات الدول الاستعمارية الكبرى أو ينتقد فيه بعض الظواهر الاجتماعية غير اللائقة أو غير المسؤولة، وبعضها ينتقد تصرفات وأفعال الحركات الصهيونية في فلسطين.
أما رسام الكاريكاتير فقد كان يكتب باستمرار في أسفل الرسم (صورها عبد الوهاب) وكان يكتب اسم الشخصية المرسومة فوق رأسها أو في مكان وقوفها، على أن أهم ما يميز هذه الرسوم أن شخصية (الكردي) موجودة في كل رسم، وكانت تظهر في لباس شعبي لا يتغير.
إن شخصية (الكردي) هي ضمير عامة الشعب وهي الشخصية الشعبية البسيطة الوطنية واللماحة والذكية، والتي تعلق على الحدث السياسي أو الاجتماعي وتشابه شخصية غوار الطوشة أو تشارلي شابلن، وتتطابق مع شخصية حنظلة لصاحبها ناجي العلي.
ونجد في أسفل كل رسم وقبل عنوان المقالة الافتتاحية نص الحوار بين الكردي وإحدى شخصيات (الكاريكاتير) أو نجد تعليقا ذكيا من الكردي لما يجري أمامه من الأحداث.
نجد أن رسوم (الكاريكاتير) قد تطورت عام 1927 عن الرسوم التي كانت تظهر في الجريدة عام 1922، أي إن الفنان عبد الوهاب، قد طور نفسه من خلال الممارسة المستمرة، فقد كانت الجريدة تصدر مرتين في الأسبوع، وكان كل عدد يحتوي على رسمي (كاريكاتير) في الصفحة الأولى وفي الصفحة الأخيرة وهي الصفحة الرابعة.
أما زوايا الجريدة، فكانت تتراوح بين الجد والهزل، في المقال الافتتاحي نجدها جادة وغالبا ما تكون سياسية أو وطنية وكانت الجريدة تهتم بالأخبار، ومن الزوايا الإخبارية نجد زاوية (أخبار محلية) و(أخبار فلسطين) وزاوية (الشرق العربي).
وكانت الزوايا الهزلية متعددة أيضا مثل (عرض حال) و(فكاهات) وزاوية (يقال)، وكانت تكتب باللغة العامية وهي ناقدة، منها السياسية ومنها ما ينتقد ما يصدر عن حكومة الانتداب الفرنسي من قرارات أو اجراءات وتتناول أحيانا الأفراد أو الشركات أو الدوائر الحكومية، ولا تخلو الجريدة من مساحة للإعلانات.
نجد في العدد 136 الصادر في 26 تشرين أول سنة 1922، أن افتتاحية العدد والتي تلي الرسم (الكاريكاتيري) حول موضوع سقوط حكومة لويد جورج وهو دافيد لويد جورج (1863-1944) سياسي بريطاني، رأس حزب الأحرار ورأس الوزارة البريطانية من عام 1916 إلى عام 1922، ونجد الرسم (الكاريكاتيري) رقم واحد الذي رافق المقال المنشور.
وفي العدد 225 الصادر في 8/8/1924، نجد أن المقال الافتتاحي والرسم (الكاريكاتيري) حول موضوع مقاطعة أهالي دمشق لشركة (الترام) بسبب رفع أسعار الركوب بالحافلات، وكانت جريدة (جراب الكردي) تقود هذه المقاطعة على صفحاتها، حتى تتراجع الشركة عن رفع الأسعار، ونجد الرسم (الكاريكاتيري) رقم (2) حول هذا الموضوع، ويليه مقال (شركة الترام والمقاطعة).
بقي أن نعرف أن رسام (الكاريكاتير) هو عبد الوهاب أبو السعود (1897-1951) ولد في نابلس (فلسطين) وتلقى علومه الأولية في صيدا ودمشق، بدأ هواية التمثيل وهو في سن التاسعة، أرسله والده للدراسة في الأزهر في القاهرة فانصرف هناك للعمل في مسرح جورج أبيض ثم عاد إلى صيدا وانتقلت عائلته لتقيم في دمشق عام 1910، ترك الخدمة في الجيش العثماني عند بداية الحرب العالمية الأولى، وعمل في مهنة التعليم في مكتب عنبر، وكان يدرّس مادة الرسم، أسهم برسم (الكاريكاتير) في مجلة (حط بالخرج) التي صدرت للمرة الثانية عام 1924.
أسهم في تأسيس عدة نوادٍ فنية، وأسهم في تأسيس نادي الاتحاد والترقي والذي تحول فيما بعد إلى النادي العربي، وقدم عددا من المسرحيات، وفي عام 1930 أسس مع أخيه رشاد والد إلهام أبو السعود دار الألحان والتمثيل.
سافر عام 1933 إلى باريس- فرنسا ودرس هناك الرسم والتصوير الزيتي، وسافر بعدها إلى اسبانية، وعاد إلى دمشق بعد أن حصل على عدد من الشهادات، كتب للإذاعة عدة مسرحيات، توفي في دمشق، وحملت مدرسة الفنون في ركن الدين اسمه.