ماريا أرناؤوط : عازفة الكمان الأولى

رولا القطب

بأناملها تنسج ألحاناً عذبة تأسر فيها كل من يسمعها، ترى أن الموسيقا رحلة طويلة. تحتاج إلى المزيد من الاكتشاف الموسيقي. عُرف عنها الطموح اللامحدود، والشهرة العريقة على كافة المسارح العالمية.

موقع المفكرة الثقافية كان له اللقاء التالي مع العازفة "أرناؤوط":

*كيف بدأت رحلتك الموسيقية ومن شجعك على تعلم آلة "الكمان"؟

**لحسن الحظ أنني نشأت بعائلة ذات خلفية فنية ثقافية، فوالدي الفنان التشكيلي "عبد القادر أرناؤوط"، ووالدتي عازفة الكمان "محاسن مطر" التي كانت أول سيدة انضمت إلى الأوركسترا السورية، فطلبت من والدتي تعلم العزف على آلة الكمان، وبالفعل أحضرت لي آلة كمان صغيرة الحجم، ثم انتسبت عندما كنت بعمر ستة أعوام  إلى المعهد العربي للموسيقا لتعلم العزف وذلك على أيدي خبراء روس، فأصبحت الموسيقا منذ ذلك الوقت جزءاً من حياتي.

*لقد كنت من الطلاب الموسيقيين الذين درسوا بمرحلة وجود المايسترو الأستاذ "صلحي الوادي"، حيث أن وجوده حوّل المعهد العالي للموسيقا إلى صرحٍٍ حضاريٍ متكامل، هل لك أن تحدثينا أكثرعن تلك الفترة؟

**كان الأستاذ "صلحي الوادي" رجلاً متكاملاً، لأنه يملك العديد من الجوانب المميزة في شخصيته، فلم يكن بالنسبة لنا مدير معهد وقائد اوركسترا فقط، وإنما كان أباً للجميع لأنه كان على درايةٍ بكافة تفاصيل حياة كل طالب في المعهد، فكان شخصاً ُمتابعاً لكافة الأمور من أصغرها حتى أكبرها، يحث الطلاب باستمرارعلى توسيع آفاقهم بكافة المجالات من حيث "القراءة- سماع الموسيقى- رؤية الأفلام السينمائية الموسيقية" وغيرها من الأمور، لقد حاول أن يؤسس فينا شخصية الفنان، وليس العازف والمؤدي فقط، علمنا الإنضباط والجدية والتفاني في العمل، كان يُشعرنا بأهميتنا كطلاب وكموسيقيين.  "صلحي الوادي" انسان اجتمعت فيه كافة الصفات المميزة ورحيلة ترك فراغاً كبيراً، بوجوده حقاً تحول المعهد إلى صرح حضاريٍ متكامل.

 

*بعد تخرجك من المعهد العالي للموسيقا، حصلت على منحة موسيقية للدراسة في لندن وأميركا، ماالخبرة الموسيقية التي اكتسبتها في كل ٍمن البلدين؟

**على الرغم من أن الأجواء الموسيقية في لندن أوسع، والمنافسة والمستويات عالية جداً، عندما وصلت إلى لندن لم أشعر بوجود فروقات كبيرة مع الآخرين مقارنةً مع مستواي الموسيقي، حقاً لقد  شعرت بالفخر لأنني قدمت من "سورية"، التي كان يعتبر التطور الموسيقي فيها محدودا بمعهدٍ واحد، وخبرة بأوركسترا واحدة ومع ذلك قُبلت بمكانٍ يُعد من أهم الأمكنة الدراسية في العالم، أود التنويه لأمرٍ هام وهو ان من يتخذ قرارا ليكون فناناً أو موسيقياً عليه أن يُدرك أن رحلته مع الفن طويله لانهاية لها وتحتاج منه الكثير من البحث والدراسة. في الحقيقة لقد استفدت كثيراً خلال دراستي في لندن وأميركا، لأن الدراستين مختلفتين فأوروبا تُركز على تنمية الجانب الإبداعي والفردي لدى العازف أكثر من اعطاء الأساليب لأداء الأشياء، أي يفسحون المجال أمام العازف للتعبير عن ذاته موسيقياً كما يريد، أما الأسلوب الأميركي فهو مختلف تماماً حيث  يُركزون موسيقياً على تقنية العازف وأداءه أكثر، أي أنهم يهتمون ببناء تكنيك قوي للعازف. وبالتأكيد تضافر الأمرين قد أفادني لأن أملك تقنية واحساسٍ قويين، لأننا موسيقياً لايمكننا عزل أيٍ منهما عن الآخر.

*هناك مقولة موسيقية تقول "العازف الناجح، ليس بالضرورة أستاذاً ناجحاً" ما رأيك بهذه العبارة؟

** ربما لأن العزف يحتاج للموهبة إلى جانب التدريب والفهم الجيد للعمل الموسيقيمن الناحية التكنيكية والإحساس، فكلما كان العازف مُدركاً لهذه الأمور عن خبرةٍ ودراسةٍ عميقة، كلما كان بإمكانه ايصال المعلومة بشكلٍ أفضل، أما اذا كان يقوم بها بشكلٍ طبيعي دون تفكيرٍ فمن الصعب نقل المعلومة للآخرين، بالفعل هناك نوعين من الموسيقيين منهم من يُفكر تماماً بما يفعله، وآخرين يدركونها بالفطرة، لذا يجب أن يكون لدى العازف المعلومة الصحيحة كي يكون أُستاذاً ناجحاً.

*هل الحالة النفسية للعازف تؤثر نوعاً ما على ادائه الموسيقي؟

**لاأعتقد أن الحالة النفسية تؤثر لدرجة أنك لاتستطيع عزف العمل الموسيقي، ولكن تؤثر بطريقة غير مباشرة على كيفية أدائك للقطعة الموسيقية، فمن المعروف عن الموسيقيين الهامين أعادتهم لعزف بعض القطع الموسيقية بعدة حفلات، وفي كل مرةٍ تُعزف بطريقةٍ مختلفة عن السابق، لأن العازف بالنهاية هو انسان تمر عليه العديد من اللحظات، المشاعر، الأفكار، التي تدفعه لاكتشاف أمور وتفاصيل عديدة في القطعة لم تكن مُكتشفه من قبل تؤدي فيما بعد إلى اختلاف أداءه في كل مرة لذات القطعة الموسيقية.

*حدثينا أكثرعن تجربتك في التدريس الموسيقى مع طلاب المعهد العالي للموسيقا؟

**حالياً أقوم بتدريس طلاب المعهد العالي للموسيقا، فهم على مرحلة متقدمة من المستوى الموسيقي، لذا خلال الدرس لايتم التركيزعلى الأمور التأسيسية وإنما التركيز يكون أكثر على المواضيع الموسيقية والفنية، ولكن هذا لايمنع وجود حالات تحتاج للتأسيس في بعض الجوانب، فالدرس الموسيقي بشكلٍ عام أركز فيه على الجوانب التكنيكية والموسيقية معا،ً حتى أصل بالطالب لمرحلة الإبداع والإحتراف.

 

* لقد وصلت لمرحلة هامة موسيقياً، إلى أين تطمحين بعد ذلك ؟

**في الحقيقة طموحي الموسيقي أن استمر بالعزف والتطورعلى آلة الكمان والتمتع بصوتها، لأن الموسيقا رحلة تحتاج للمزيد من الإكتشاف الموسيقي فهناك الكثير من المؤلفات الموسيقية التي مازلت أود عزفها.

*ماهي آخر مشاريعك الموسيقية؟

**المشروع الذي أقوم به حالياً هو مشروع أوركسترا الأطفال السورية وذلك بدعم من الأمانة السورية للتنمية قسم التراث والثقافة، وقد قمنا  في بداية المشروع بجولةٍ بعدة محافظات سورية للإستماع إلى الأطفال من أعمار مختلفة على آلات موسيقية، فانتقينا منهم الأكثر موهبة والقدرة على التطور، ولدينا الآن حوالي خمسين طفلا من عدة مناطق سورية، سوف يتم تدريبهم لتقديم حفل أوركسترا الأطفال في قصر العظم، وبالتأكيد هناك أساتذة محليين سيقومون بالإشراف على تدريبات الطلاب، وأساتذة أجانب لبعض الآلات، كما قمت بدعوة قائد أوركسترا انجليزي مختص بأوركسترا الأطفال للإشراف على تدريبات الأوركسترا، أتمنى لهذا المشروع النجاح والإستمرارية بشكلٍ منتظم حتى نرتقي بمستوى الأوركسترا، ومؤخراً قُمنا بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي ومنظمة Ecumللتبادل الثقافي ضمن الحوض المتوسط بتسجيل أعمال موسيقى الحجرة من تأليف الأستاذ "صلحي الوادي" بالإضافة للعديد من أعماله، منها سوناتا الكمان والبيانو، التي قمت بتسجيلها مع ابنة الأستاذ صلحي الوادي همسة الوداي "عازفة بيانو قديرة"، بالإضافة لأعمال رباعي وثلاثي وتري وأعمال منفردة للبيانو شارك بتسجيلها عدة موسيقيين عرب وأجانب، وتم اطلاق الـ cdوأصبح الآن موجودا،ً فهي مبادرة رائعة لأن الأستاذ صلحي الوادي قائد أوركسترا واداري ومؤلف موسيقي ناجح تستحق مؤلفاته التوثيق، وأنا فخورة أنني كنت ضمن هذا المشروع .