مجلة الدنيا-الصحافة الساخرة-سعيد التلاوي-
إعداد الدكتور مهيار الملوحي
ولد سعيد التلاوي (1912-1973) في حمص، وتلقى علومه الأولية فيها، وتابع تعليمه في دمشق في مكتب عنبر، وعاد إلى حمص، وكان يراسل عدة صحف دمشقية، وترأس في حمص تحرير جريدة (التوفيق) التي أصدرها توفيق الشامي في 1/7/1941 وكان صاحب امتيازها رفيق فاخوري (1910-1985) ثم انتقل إلى دمشق، وأصدر جريدة (البلد) مع إيليا شاغوري عام 1945وكان سعيد التلاوي رئيس تحريرها ومديرها المسؤول وكان إيليا شاغوري صاحبها، وكانت جريدة يومية سياسية مسائية، وكان إيليا شاغوري قد أصدر قبل ذلك مجلة (الأحد) في دمشق عام 1939. وبعد فترة ترك سعيد التلاوي جريدة (البلد) وأصدر جريدته الخاصة (الفيحاء) في دمشق في تشرين الثاني عام 1947، وكانت جريدة يومية سياسية مستقلة، وقد جاءت جريدة الفيحاء في أربع صفحات من القطع المتوسط، ثم صدرت بعد ذلك في أربع صفحات من القطع الكبير.
وقد عطلت أثناء حكم حسني الزعيم 30/3/1949-14/8/1949، ولم تصدر في أثناء حكم سامي الحناوي أيضا، وعادت للظهور في الشهر الرابع عام 1950، وقد استمرت حتى عام 1958 عند قيام الوحدة السورية المصرية، وعوض عنها بموجب القانون (195) وألغي امتيازها وعادت وصدرت أثناء الإنفصال في 27/12/1962، ثم توقفت نهائيا في 8/3/1963، ولسعيد التلاوي كتاب عنوانه (كيف استقلت سورية) طبع عام 1951، وقدم له شكري القوتلي (1891-1967) رئيس الجمهورية العربية السورية، وكان قد شغل منصب سكرتير خاص لرئيس الجمهورية عام 1943واستقال عام 1945.
وقد كتب سعيد التلاوي في مجلة (الدنيا) لصاحبها عبد الغني العطري، في العدد (335) الصادر في 6/11/1953 وهو عدد خاص طلب فيه صاحب مجلة (الدنيا) من زملائه الصحفيين والكتاب كتابة مقال يبدأ بعنوان (ماذا تفعل لو؟) وكان نصيب الصحفي عباس الحامض مثلا (ماذا تفعل لو حكمت العالم 24ساعة؟) وكان نصيب سعيد التلاوي السؤال (ماذا تفعل لو ملكت خاتم سليمان؟) وكتب تحت هذا العنوان مايلي:
((رجع بي صديقي العزيز صاحب (الدنيا) أكثر من ثلاثين سنة إلى الوراء وردني إلى طفولتي الوادعة الحالمة عندما سألني ماذا أفعل لو ملكت خاتم سليمان؟
ومثل هذا السؤال من شأنه أن يضعني رغم أنفي في مباراة حامية الوطيس مع ابني وبناتي وأترابي ولداتي السابقين الذين يعيشون والذين عاشوا في طفولتهم الوادعة الحالمة وفتشوا ونقبوا طويلا عن خاتم سليمان علهم يجدونه، وبنوا القصور والعلالي في الهواء كما هندستها مخيلاتهم الصغيرة ولا أدري إذا كنت سأفوز في هذه المباراة أم أكون من الخاسرين.
لقد كان من أقصى أماني وأنا في السابعة من عمري وأحفظ القرآن الكريم في جامع بازرباشي على أستاذي الأول الشيخ عبد الله اتماز تغمده الله برحمته ورضوانه أن أعثر على الثعبان الأسود ذي(الصبحة) البيضاء وأضربه بقضيب الرمان وآخذ منه خاتم سليمان ثم أضعه في اصبعي وأفركه عدة فركات فيأتيني الجني صارخا:
- لبيك عبدك بين يديك..
وأعطيه أوامري بأن يحمل الشيخ عبد الله من (الكتَّاب) حالا ويضعه على رأس مئذنة الجامع واستريح من العصا الغليظة التي كانت تلهب ظهري ويدي ورجلي باستمرار، كنت أتمنى وأنا في عهد الطفولة سقاه الله، واليوم وقد تقادمت بي السن وتجاوزت عهد الشباب إلى عهد الكهولة وبت أوجس خيفة أن تمتد بيَّ السن ويدب في جسمي الوهن، أراني في حاجة إلى استذكار ذلك العهد وما فيه من ذكريات عذاب حلوة وأعذب ما فيها وأحلى ذكرى خاتم سليمان، وكم أغمضت عينيَّ وأنا في اليقظة لأقطع كل صلة بيني وبين العالم وأعود طفلا في الصدرة السوداء والقلبق المصنوع من جلد الخروف والحذاء الأحمر وأتوهم أن خاتم سليمان في يدي فأفركه عدة فركات ويأتيني الجني صارخا:
لبيك عبدك بين يديك ...
فأعطيه أوامري بالجملة هذه المرة وأقول:
- اقبض لي على قادة الدول الاستعمارية وضعهم في سجن كالقلعة الحصينة في إحدى الجزر النائية في عرض البحر وطين عليهم الجدران وأقفل الأبواب وحددها بالحديد وارم المفاتيح في البحر وكل اليهم من يلقي القوت الضروري للحياة من كوة في السقف حتى تفارق أرواحهم الأبدان، ثم ائتني بأذناب الاستعمار وابصق في وجوههم أمامي واحدا واحدا واركلهم برجلك واطردهم بقوة وعنف، ثم خذ المدافع والدبابات والمصفحات والبنادق وسائر أنواع الأسلحة واصهرها في المصاهر ولا تدع منها شيئا للفتك بالأرواح وسفك الدماء، ثم أحص لي أسماء المجرمين في العالم وعاملهم بما أمر الله: النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، ثم اجمع لي جماهير المحتكرين واركبهم على حمير بالمقلوب وطوف فيهم بالأسواق للجرصة والعبرة وليعيش الناس في طمأنينة وهناء ورخاء، فإذا انتهيت من هذا قلت لصاحبي الجني اذهب إلى إدارة (الفيحاء)- أي جريدة سعيد التلاوي-، واحمل كل ما فيها إلى الصحراء وصب فوقه الكاز وأعطه عودا من الثقاب وهات شي مليون ليرة أم حصان على الحساب واذهب الآن في كلاءة الرحمن حتى موعد آخر!
تلك أحلامي أو بعض أحلامي لو ملكت خاتم سليمان وما هي بالكثيرة على الله القادر على كل شيء فهل تتحقق؟ أرجو ذلك وسأغمض عينيَّ بانتظار تحقيقها إكراما لخاطر سيدنا سليمان عليه السلام...)).