مجلة المروج (محمد نصوح الرز)
إعداد الدكتور مهيار الملوحي
صدرت مجلة (المروج) في دمشق في 16/12/1951وجاء أنها مجلة تبحث في الأدب والفنون والاجتماع ويحررها نخبة من الكتاب وتصدر في أول ومنتصف كل شهر أي إنها نصف شهرية، وكتب تحت كلمة المروج على الغلاف الأخير (النداء سابقا) وأن منشئها محمد نصوح الرز، والمجلة من القطع الصغير (22×15) سم وضمن (68) صفحة دون الغلاف الأول والأخير.
ومن أبوابها: ( التعليم والثقافة، حقل المرأة، كلمات مأثورة، صفحة الطلاب الخ...)
ومن أقلامها: الدكتور جميل صليبا والدكتور جميل سلطان وخليل مردم بك والدكتور منير العجلاني ومحمد البزم ووداد سكاكيني والمحامي بديع اللولو ويحيى الهاشمي وعلية حمدي وواصل الحلواني الخ..
ويبدو أن منشئ المجلة لم يحصل على امتياز وتصريح رسمي، فقد كتب أسفل الغلاف الأخير (ملحق العدد -4957- من صحيفة الأيام) وجريدة الأيام المعروفة لصاحبها نصوح بابيل (1905-1986) والتي كانت تصدر بدمشق منذ عام 1930، كانت تسمح بذلك رغم أن مجلة (المروج) كانت مستقلة عن جريدة (الأيام) وكانت تصدر عن مكتبة العروبة في دمشق في منطقة (المسكية) في نهاية سوق الحميدية، ولاشك أن منشئها كان من أصحاب المكتبات ومن الوراقين في هذا السوق، وكانت جريدة (الأسبوع الرياضي) لصاحبها كامل البني(1910-1997) قد صدرت عام 1941 دون امتياز خاص بها، ولذلك أشارت في كل عدد وعند عنوان الجريدة أنها ملحق جريدة (الأيام) الرياضي وذلك قبل أن يصدرها كامل البني كجريدة رياضية مستقلة عام 1955، وقد آلت لأولاده بعد وفاته، وهي مازالت تصدر حتى الآن بنفس الاسم.
وفي العدد الثاني من مجلة (المروج) الصادر في 1كانون الثاني عام 1952 كتب المحامي بديع اللولو مقالا تحت عنوان (حلم...وحقيقة) ومما جاء في المقال مايلي:
((تطيب الحياة مع الأحلام... وليس الحلم غير حقيقة تمناها الحالم فعجز عن إدراكها، والناس يحلمون أيقاظا كما يحلمون رقودا، فإذا لم يستطع الإنسان تحقيق ما تصبو إليه النفس في عالم الواقع، انطلق وراء بنان الأوهام يسألها أن تعطيه في التصور ما عجز عن بلوغه بالكد والعمل وإن شر الناس وأضعفهم شأنا ذلك الذي تستمر حياته في سلسلة من الأوهام والخيالات بعيدا كل البعد عن الواقع المحسوس وما يتطلبه من جهد وعناء.
وإن الشباب هو أكثر الأدوار في حياة الإنسان تعلقا بالوهم واتصالا بالأحلام، فالشاب عندما يبدأ يشعر بثقل المهمة الملقاة على عاتقه، وعندما يرى أن لابد له من أن يدلي دلاءه ليشارك في حياة المجتمع ولاسبيل إلا أن يتخذ لنفسه صفة معينة كعضو من الجماعة...عندئذ، تزدحم في مخيلته الصور، وتمتد نفسه في آفاق خياله البعيد، عن مثله الأعلى، الإنسان الذي يريد أو يشتهي أن يكون وعن المركز الاجتماعي الذي يبغي الحصول عليه في عالم يومه وغده.
فقد يشتهي أن يكون كاتبا بارعا كالجاحظ أو شاعرا عبقريا كالمتنبي أو فيلسوفا كالمعري أو قائدا عسكريا كابن الوليد أو ثريا... أو عالما أو أي كائن آخر.
وليس في هذا الأمر خطر مادام هذا الإنسان يعرف مايريد ومادام يسعى جاهدا لإدراك غايته متسلحا بالأسباب اللازمة لتحقيق تلك البغية وذلك الهدف، ومادام عارفا نفسه لايتملكه الغرور ولا تمتد إلى عقله حبال الوهم، وأخوف مايخاف أن تتكون لذلك الإنسان فلسفة خاصة يجعل منها لنفسه عالما يعيش فيه فيسدل بينه وبين الناس سترا كثيفا ويخاطب الناس ويستمع إليهم من وراء حجاب فيعيش في اطار خاص وينطوي على نفسه بعيدا عن عالم الحقيقة والواقع.
فقد يكتب موضوعا فاقد الفكرة ضعيف المبنى مفكك الأوصال فيحسب نفسه أفضل من الجاحظ وأحسن، وقد يفعل هذا الأمر أو ذاك فيضع نفسه في طبقة العلماء المتفوقين.. أو الفلاسفة البارزين أو الساسة اللامعين بينما ليس من أولئك أو هؤلاء.
وقد يتملكه الغرور فيقف عند حد معين وحتى إذا ما اضطر أن يلقى الواقع وجده مفزعا رهيبا، فينهد عندئذ إلى عالم آخر، وينطلق في أجواء عجيبة غريبة، هي دنيا الوهم وعالم الخيال، ويعيش كشبح ضال في عالم الوساوس، ويقضي العمر كعضو أشل في مجتمع يتطلب من أعضائه أن يكونوا أحياء واقعيين.... وهنالك نمط آخر من الناس يشبه هذا النمط من وجوه كثيرة.... يعيش في غده أو أمسه ولكنه لايعيش أبدا في يومه أنه ابن الماضي أو المستقبل ولكنه لايريد التعرف على الحاضر، إن مثل هذا الإنسان تقوم حياته على التأجيل والتسويف أو ترجع القهقرى إلى الأمس بانتظار أنه يعود ، وأما الحاضر فهو شيء لاحقيقة له ولاوجود في نظر مثل هذا الإنسان.
هذا النمط من الناس ينتظر المعجزة والصدفة، ينتظر أن يربح سهمه في سباق الجياد، أو يصادف في الطريق رزمة من المال، أو يستخدم جنيا أو عفريتا يأتي له بكل مايشتهي ويتمنى، يخطط مثل هذا الإنسان المشلريع الضخمة يرتبها ويناقشها وينظم أمرها لكي يقوم بتحقيقها وتنفيذها في المستقبل وفي المستقبل المستمر، فتمسي حياته كلها مستقبلا لا أمس له ولاحاضر، وحتى إذا انتهت حياته كان لم يفعل شيئا سوى الأحلام التي حلمها والأماني التي تأملها وقد ذهبت كلها بددا...
أو يرجع إلى الماضي فيذكر ماكان له فيه من شأن وخطر، أو جاه وسلطان، فيعيش في ثنايا ذلك الماضي دون أن يتفهم حاضره أو يدرك أن الأمور قد تغيرت وتبدلت وأن عليه أن يسعى ويبني من جديد.
لاشك أن الحياة تتطلب الطموح وأن على الإنسان أن يسعى لتحسين حاله في سبيل عيش أفضل ولكن الطموح شيء غير الوهم والخيال فقد يضيق الوهم حتى يصبح طموحا وقد يشتط الطموح حتى يصبح وهما، ان لكل حدوده وان هذه الحدود لا تقوم على المقايسة الصحيحة بين الرغبة والإرادة.
إن من واجب الإنسان أن يسعى ليكون عظيما وأن يحقق لنفسه الغايات والأهداف التي يشتهيها، وأن الحياة الساكنة الجامدة هي موت أو كالموت، كما وأن القناعة والرضى بالواقع صورة من صور الضعف والعجز، فالإنسان الحي هو الإنسان الذي يهدف إلى الرقي والتقدم ويسعى إليه جاهدا مااستطاع إلى ذلك سبيلا).